يفجيني بريماكوف رئيس الوزراء الروسي الأسبق ورئيس جهاز الاستخبارات الروسية في بداية التسعينات ووزير الخارجية الأسبق، والذي يشغل حاليا منصب رئيس غرفة الصناعة والتجارة الروسية ومستشار الرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط على مدى أكثر من خمسة عشر عاما منذ سنوات حكم الزعيم السوفييتي جورباتشوف وحتى عام 2003 تحدث مؤخراً عن علاقته بصدام حسين، وعن أسرار إعدامه. وكان بريماكوف مبعوث موسكو الشخصي لدى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وكانت تربطه به علاقات شخصية وطيدة، ولم يكن يمر عام واحد دون أن يلتقي بريماكوف مرة أو أكثر مع صدام، وكان آخر لقاءاتهما عندما أرسله الرئيس الروسي بوتين برسالة خاصة لصدام قبل أيام من دخول قوات الاحتلال بغداد عام 2003. وكان فحوى الرسالة نصيحة لصدام بأن يتنحى عن الرئاسة ويغادر العراق بسرعة، وأكثر من ذلك قال له بريماكوف أن مصيره في خطر وأن عليه أن يتوقف عن تصديق الأميركيين، ويقال أن موسكو أبدت استعدادها آنذاك لاستقبال صدام وأسرته للإقامة فيها في أمان . بريماكوف قال في حديث له في الأسبوع الماضي للتلفزيون الروسي في برنامج حول «إعدام صدام»: لقد أعدموا صدام بسرعة في محاكمة هزلية قبل أن يكشف أسرار علاقته السرية بواشنطن طيلة أكثر من ربع قرن، وعلى ما يبدو أنه لآخر لحظة في المحاكمة كان صدام يعتقد أن الأميركيين لن يتخلوا عنه أو على الأقل كانوا سيعاملونه كأسير حرب لا يجوز إعدامه، وعلى ما يبدو أيضا أنه عندما فرغ صبره أثناء المحاكمة وصدر حكم إعدامه قرر أن يتكلم ويكشف الأسرار، لهذا عجلوا بشنقه. ويقول بريماكوف : لقد لعبت واشنطن مع صدام لعبة مزدوجة لوقت طويل، فقد دعموه بقوة في حربه مع إيران وأغمضوا أعينهم عن كل جرائمه، بما فيها الجرائم التي استخدم فيها أسلحة كيماوية ضد العراقيين . ويتذكر بريماكوف أثناء لقائه الأخير مع صدام أن طارق عزيز قال له «سوف نلتقي معك هنا في بغداد يا سيد بريماكوف بعد عشرة أعوام من الآن وسوف ترى من كان على حق زعيمنا العظيم الملهم أم أنتم» . ويقول بريماكوف : « لقد حضر رامسفيلد إلى بغداد بعد أيام من حادث الدجيل الذي شنقوا صدام بسببه والتقى بصدام وعانقه وصافحه بحرارة، ولم يتصور صدام حتى لحظاته الأخيرة أنهم سيشنقوه بسبب هذا الحادث، خاصة وأن واشنطن لم توجه أي انتقاد حاد اليه طيلة سنوات حكمه، وحتى عندما غزا الكويت ودخل بوش الأب ليحررها لم تتقدم القوات الأميركية خطوة واحدة نحو العراق، ورغم انتقاد صدام اللاذع وشتائمه للأب بوش فإن واشنطن لم تهاجمه ولم تنتقده بشدة آنذاك وكأن هناك اتفاقا ما على حدود الأشياء» على حد وصف بريماكوف. ويقول بريماكوف بثقة وكأنه يعرف الحقيقة من مصادرها الموثوق فيها : «إنني على يقين تام بأن الإسراع بإعدام صدام وعدم استمرار محاكمته كان من أجل تفويت الفرصة عليه ليكشف أسرارا كثيرة في علاقته بالأميركيين، وأؤكد لكم أنه لو كانت أتيحت له الفرصة للكلام لكان من الصعب على بوش الابن أن يبقى في البيت الأبيض حتى الآن» . بريماكوف رجل مخابرات عريق ودبلوماسي مرموق وذو خبرة عالية بالشرق الأوسط ويجيد اللغة العربية التي تعلمها أثناء عمله كمراسل في القاهرة سنوات طويلة. كما أنه على علاقة مباشرة بالعديد من أجهزة الاستخبارات الكبيرة في الدول العربية بحكم عمله وتعاونه السابق معهم من خلال جهاز «كي جي بي» السوفييتي المعروف الذي درب خبرائه العديد من رجال الاستخبارات العرب، ومازال بريماكوف يشغل مناصب رسمية عالية في روسيا، ولا يمكن له أن يتحدث كذلك إلا إذا كان بالفعل يعلم الكثير من بواطن الأمور، وخاصة في الشأن العراقي الذي تولاه هو شخصيا في موسكو لأكثر من عشرين عاماً، كان فيها صديقاً مقرباً لصدام حسين. ما قاله بريماكوف يؤكده ما قاله أيضا العضو الديمقراطي في الكونغرس الأميركي دينيس كوسينيتش الذي طالب بالتحقيق في عملية إعدام صدام حسين للكشف عن أسباب الإسراع الغريب بشنقه، وتساءل دينيس في الكونغرس قائلاً: هل كان الإعدام السريع لصدام محاولة لتفادي الكشف عن علاقات وطيدة كانت بين صدام والعاملين في البيت الأبيض أثناء ارتكابه لجرائمه التي حوكم بسببها إذا كان الأمر كذلك فلماذا سقط صدام في ألاعيب الأمير كيين وظل صامتاً منذ اعتقاله بواسطة القوات الأميركية؟ هذا هو اللغز الذي يحتاج فك أسراره. صحيفة البيان الإماراتية