ترحيب أحزاب المعارضة بقرار مؤسسة تحدي الألفية الذي تضمن إدراج اليمن ضمن الدول المستفيدة من المساعدات الإنمائية المقدمة من صندوق الألفية لا يمكن النظر إليه أو فهمه من كونه يمثل بادرة طيبة أرادت من خلالها تلك الأحزاب التكفير عن اخطائها السابقة والتي تسببت في عرقلة انضمام اليمن في المرحلة الماضية إلى هذا الصندوق لاعتبارات كثيرة أهمها أن هذه الخطوة قد جاءت متأخرة وعقب اعتراف الآخرين بحقائق ومعطيات ونجاحات أنجزتها اليمن واستحقت عليها مثل ذلك التقدير في حين أن تلك الأحزاب، التي تنتمي لهذا الوطن، وتعتبر جزءاً من نسيجه السياسي والاجتماعي والديمقراطي، سبق لها وأن عملت على التنكُّر لكل تلك الحقائق والمعطيات التي أنجزتها اليمن على صعيد برامج الإصلاحات وتعزيز الممارسة الديمقراطية، ومكافحة عوامل الفقر والفساد والبطالة، وتكريس مبدأ الشفافية ومسيرة بناء الدولة الحديثة.. ولا نحتاج لكثير من الجهد لنثبت أن الدعاوى الكيدية والمعلومات المضللة والتقارير الخاطئة التي ظلت تروج لها بعض قيادات تلك الأحزاب وصحفها، وتدفع بها إلى السفارات والجهات المانحة، قد أدت - في ما أدت إليه - إلى إعاقة انضمام اليمن إلى برنامج صندوق الألفية، في المرة السابقة، لتفقد اليمن نتيجة ذلك الدس «غير المسؤول» مئات الملايين من الدولارات التي كان يمكن الحصول عليها - كمساعدات - لدعم مشاريع التنمية.. كما أننا لا نحتاج إلى مزيد من البراهين والأدلة، لنؤكد أن حملات التشويه - التي تطوعت للقيام بها بعض الأطراف الحزبية، وكذا الإعلامية - قد ألحقت الضرر في الفترة الماضية لدى الجهات المانحة، وأثّرت على ما تقدمه من دعم لليمن خاصة وان تلك الحملات لم تتورع عن الترويج والزعم بأن هناك تقاعساً حكومياً عن التقدم بخطوات الإصلاحات والقيام بالمهام التي من شأنها تعزيز قدرة الاقتصاد اليمني والارتقاء بدوره في العملية الإنمائية.. والمؤسف ان هذه الأحزاب وصحافتها قد تعاملت مع هذا الموضوع بصورة غلبت عليها روح الانتقامية والتضخيم والمبالغة، والإثارة المدفوعة بداء الكيد والمناكفة السياسية، ضاربة بمصلحة الوطن عرض الحائط.. ودون إدراك أنها بتلك التصرفات - غير المسؤولة - لا تستهدف الحزب الحاكم، وإنما الوطن وتنميته وتطوره، وكذا طموحات وتطلعات أبنائه، في التحضر والتقدم والنماء.. ونعتقد أن المسؤولية الوطنية تستدعي مثل هذه المكاشفة، لقناعتنا بأن موضوع انضمام اليمن إلى صندوق تحدي الألفية، والطريقة التي تعاطت بها أحزاب المعارضة مع هذا الموضوع، قد أبرزت حاجة هذه المعارضة إلى إعادة تقويم مواقفها، والاستفادة من تجارب الآخرين في البلدان الديمقراطية، التي مهما اختلفت مع السلطة وتباينت رؤاها، فإنها لا تجعل خلافاتها وتبايناتها مع من يحكم تقودها للتغريد خارج السرب، وتجاوز الثوابت، والإضرار بالمصالح العليا. وليس عيباً أن تستفيد المعارضة اليمنية من هذه التجارب، وبما يمكنها من الاسترشاد بالخصائص السليمة للعمل الحزبي والسياسي، والتزود بالفهم الواعي والصحيح لحقيقة الديمقراطية، التي ليست مجرد تنظيرات، أو كلام أجوف يطلق في الهواء.. بل أنها عطاء سخي في الميدان من أجل خدمة الناس والإسهام في تلبية احتياجاتهم من مشاريع البناء والنهوض. وبقدر ما نعتبر ترحيب المعارضة بقرار إدماج اليمن في صندوق تحدي الألفية، ملمحاً إيجابياً، نرجو أن يستمر.. فإننا نتمنى أن تشكل هذه الخطوة حافزاً لهذه المعارضة على التخلص من تلك العادة السيئة التي تدفع بها إلى الاختلاف مع السلطة، بالحق والباطل، إما بدافع الخصومة السياسية، أو رغبة في الإثارة والتقليل والانتقاص من نجاحات الآخر.. حيث أن الأحرى بهذه المعارضة التحلل من إدمان تلك العادة الكريهة التي تجعلها متقوقعة على نفسها ومنشغلة بالمزايدات السفسطائية، مع أنها معنية - كما هو شأن السلطة - بالدفاع عن مصالح الوطن والوقوف إلى جانب كل خطوة تصب في خدمة توجهات البناء والتحديث والحفاظ على مكتسباته وإنجازاته وتعزيز وحدته الوطنية، ولحمته الداخلية وتماسكه الاجتماعي. وعليه فإذا كان موقف أحزاب المعارضة من انضمام اليمن في المرة السابقة إلى صندوق تحدي الألفية، قد أخجل كل شريف وحريص على سمعة بلاده.. فإن ما يهمنا اليوم هو استلهام ذلك الدرس، على نحو يعزز من التلاقي والتوافق على قاعدة أن المصلحة الوطنية هي خط أحمر، ولا يجوز بأي حال من الأحوال إخضاعها وتعريضها لتأثيرات الخلافات الحزبية والسياسية، أو للمساومة والابتزاز.. ولم يعد من المجدي أن نسأل عن الأسباب التي جعلت هذه المعارضة تعمد إلى ترويج الاقتراءات على وطنها، وتسويق المعلومات المغلوطة عنه، ولماذا لم تكلف المعارضة نفسها البحث عن الحقائق، حتى تجنب نفسها مثل تلك المواقف المخزية ؛ لإيماننا بأن ما هو مطلوب منا اليوم أكثر، هو أن نعي المضمون الحقيقي لرسالة الديمقراطية، وأن نستوعب جيداً أن الهدم أسهل من البناء.. وان التنظير وإطلاق الشعارات لا يوازي العمل وأن طريقنا لبلوغ مستقبل أفضل لن يكون بالكلام، بل بالجهد والسهر والعناء والعمل الدؤوب بعيداً عن الحسابات الضيقة، والرؤى القاصرة والمفاهيم التبريرية الخاطئة، التي لا تميز بين ما هو مباح في أجندة الاختلاف والتباين، وبين القضايا والثوابت التي لا مجال فيها للتوجهات العبثية لارتباطها بأمن الوطن واستقراره، وديمومة مسيرة البناء والإنجاز وآمال شعبنا في التطور والرخاء والحياة الحرة والكريمة.. فهل يعون.. ويفهمون.. ويستوعبون...؟ كلمة الثورة