ليس كافيا أتهام رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية والفريق الذي يفاوض الأسرائيليين ب"بيع القدس" للتغطية على منطق اللامنطق تعتمده "حماس" من أجل تبرير الفشل الذي أخذت إليه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة تحديدا. كرست الحركة، التي أعتبرت أن في أستطاعتها التخلي عن نصف قرن من النضال العسكري والسياسي الشاق وفتح صفحة جديدة في تاريخ القضية الفلسطينية، مبدأ النضال بالشعارات. كأن الشعارات تطعم شعبا وتحرر أرضا من الأحتلال وتبني دولة... مع نهاية السنة 2007، أي بعد أيام، تكون مرّت ستة أشهر على استيلاء "حماس" على قطاع غزة وطرد "فتح" والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية منه. هذا لا يعني أن عناصر في "فتح" لم تكن بعيدة عن الفساد أو أن أخطاء كبيرة أرتكبت في غزة وغير غزة، لكن ذلك لا ينفي أن "حماس" لم تحسن حتى الاستفادة من نقطة القوة الأهم في موقفها والمتمثلة في أنها ربحت الأنتخابات التشريعية الأخيرة وأنها وصلت إلى السلطة عن طريق صندوق الأقتراع. لم تستطع "حماس" التوجه إلى المجتمع الدولي والدخول في حوار معه بأي وسيلة من الوسائل، على الرغم من أن ليس في الأمكان الشك في شرعيتها. كان في أمكان الحركة توفير الدعم للرئاسة الفلسطينية والتعاون معها من أجل التخلص من الاحتلال في أسرع وقت. كل ما كان عليها عمله هو السعي إلى المساعدة في القضاء على فوضى السلاح من جهة والأعلان من جهة أخرى ألتزام كل الأتفاقات التي توصلت اليها منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية مع أطراف أخرى. كان عليها أن تتذكر أنها فازت في أنتخابات أجريت بفضل اتفاق أوسلو الذي ترفضه وليس بفضل أي شيء آخر. لولا أوسلو لما كانت هناك أنتخابات ولما كان هناك مجلس تشريعي فلسطيني ولما أنسحبت أسرائيل من بعض المدن والمناطق الفلسطينية في الضفة الغربية قبل أن تعود إلى احتلالها تدريجا نتيجة القرار الخاطئ القاضي بعسكرة الأنتفاضة الذي أتخذه الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني ياسر عرفات، رحمه الله، أواخر السنة 2000. كانت "حماس" في منتهى البراغماتية عندما خاضت الانتخابات في العام 2005 على أساس اتفاق أوسلو. كان في أستطاعتها الاستمرار في البراغماتية إلى أن قررت أن تاريخ القضية الفلسطينية يبدأ بها وينتهي بها وأن المهم الآن تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني بدل التفكير في كيفية العمل على التخلص من الاحتلال. أخطأت "حماس" في كل خطوة أقدمت عليها منذ فوزها في أنتخابات المجلس التشريعي. وأخطأت قبل ذلك عندما قدمت أكبر الخدمات التي يمكن تقديمها للاحتلال الأسرائيلي عن طريق شن العمليات الانتحارية التي أستخدمها الاحتلال لتبرير أرهابه أمام المجتمع الدولي. ولا تزال "حماس" ترتكب حاليا الخطأ تلو الآخر. الدليل على ذلك تهديدات رئيس مكتبها السياسي السيد خالد مشعل باعلان انتفاضة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة. لا يعرف مشعل أن لا وجود لشيء اسمه أنتفاضة من أجل الأنتفاضة. نجحت الأنتفاضة الأولى التي بدأت في العام 1987 لأن الطفل الفلسطيني واجه بالحجارة المحتل ودباباته أولا ولأن ياسر عرفات عرف كيف يوظفها سياسيا ثانيا. وفشلت أنتفاضة أواخر السنة2000، لأن الفلسطينيين لجأوا إلى السلاح والعمليات الأنتحارية، فتحول الأرهابي الحقيقي أي الأسرائيلي الذي يحتل الأرض إلى الضحية والشعب الفلسطيني إلى أرهابي، وذلك من وجهة نظر المجتمع الدولي الذي لم يعد يرى فلسطين ألا من خلال مسلحين مقنعين يطلقون النار في الهواء بشكل عشوائي وأنتحاريين يفجرون أنفسهم في مدنيين! في حال كان هم "حماس" خدمة الشعب الفلسطيني وأخراجه من الوضع الذي هو فيه، أمامها الآن فرصة لا تعوض للخروج من المأزق الذي أوصلت نفسها أليه. عليها في البداية الأعتراف بأنها في مأزق وأن ليس كافيا مهاجمة العقيد محمد دحلان كي تبرر ما أرتكبته في حق الفلسطينيين الشرفاء الذين قاوموا بالفعل الأحتلال الأسرائيلي. ليس كافيا مهاجمة هذا المسؤول الفلسطيني أو ذاك، أو ذلك القيادي في "فتح" أو ذاك. ما هو مطروح أمام "حماس" بكل بساطة، القيام بعملية نقد للذات تتجاوز العروض التي يقدمها رئيس الوزراء المقال السيد أسماعيل هنية للأسرائيليين. ما الفارق بين مفاوضات مباشرة وبين الدعوة التي يطلقها هنية إلى الأسرائيليين من أجل البحث في موضوع أطلاق الصواريخ ووقف الأغتيالات؟ ان الصواريخ هدايا من السماء للمحتل الأسرائيلي. إلى الآن أستفاد الأسرائيليون من الصواريخ. وبكلام أوضح استهلكوا "حماس" وماتقوم به إلى أبعد حدود. ولكن قد يصل الأمر إلى نقطة يصبح فيها تدمير غزة على من فيها مصلحة أسرائيلية. المؤسف أن العالم لن يتحرك في مواجهة الأرهاب الذي تمارسه أسرائيل. سيقف متفرجا مرة أخرى. لن يرى سوى بعين واحدة بعدما قدمت "حماس" للعدو المحتل كل ما يحلم به من مبررات لضرب الآمنين من الفلسطينيين بعد تحول غزة إلى قاعدة لأطلاق صواريخ من النوع المضحك- المبكي. كل ما تستطيعه "حماس" حاليا هو أمتلاك الشجاعة والأعتذار من الشعب الفلسطيني ووضع نفسها في تصرف رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيد محمود عباس (أبو مازن). أن الخط السياسي الواضح للرئاسة الفلسطينية طريق الخلاص ل"حماس" ولغزة في الوقت ذاته. أذا لم تفعل ذلك ستنتقل من الفشل إلى الكارثة ولن ينفع هنية أو الدكتور محمود الزهار، وزير الخارجية في حكومة "حماس" الذي لم يجد من يتفاوض معه الندم. الآن قبل غد، المطروح خطوة حاسمة تقدم عليها "حماس" تؤكد من خلالها أنها حريصة على الشعب الفلسطيني ومستقبله وقضيته وحريصة على غزة وأهلها. أسم الخطوة الأعتذار والعودة إلى كنف السلطة الوطنية والرئاسة الفلسطينية تحديدا. كل ما عدا ذلك، أضاعة للوقت وضد مصلحة الشعب الفلسطيني وآلاف الشهداء الذين سقطوا منذ أطلاق الرصاصة الأولى في الأول من الشهر الأول من العام 1965. هل تمتلك "حماس" شجاعة الأعتذار؟ لا بد ل"حماس" من أن تتذكر في أستمرار أن التعاطي مع الخسارة السياسية بشجاعة يمكن أن يؤدي إلى الربح يوما. من يعرف كيف التعاطي مع الخسارة، يعرف كيف يربح. وليكن الله في عون الشعب الفلسطيني...