بوسع أي من البشر أن يؤدي دوراً مشبوهاً في مسرحية هزيلة يقوم هو بنسج فصولها وحبك سيناريوهاتها ،وجعل نفسه بطلها الوحيد ولكن ليس بإمكان هذا الصنف من الناس ان يقدم نفسه بغير الصورة المشوهة والانتهازية التي عُرف بها مهما تلونت أقنعته والمساحيق التي يستخدمها. وأكثر ما يقدمه هؤلاء من خلال تلك الأدوار ليس أكثر من إظهار الطريقة الأنانية التي يفكرون بها، والعقلية النرجسية المستحكمة بتصرفاتهم والنوازع العبثية والعدمية المعشعشة في أذهانهم إلى درجة أنهم وكلما تحدثوا عن الوطن في وسائل الاعلام عمدوا إلى أساليب التشويش والتشويه، وإثارة الشائعات والأوصاف الكاذبة دون ادراك منهم بأن ما يتوهمونه من الاحتقانات لا وجود لها إلا في رؤوسهم وعقلياتهم المريضة المسكونة بالأحقاد على هذا الوطن الذي ما برحوا ينتظرون اللحظة التي ينزلق فيها إلى مهاوي الفوضى والفتن والخراب والدمار.. يدفعهم لذلك فجورهم السياسي الذي يبني تعاملاته وتوجهاته مع الوطن من منطلق «عليَّ وعلى أعدائي يارب» وهم بذلك إنما يسقطون فشلهم وإخفاقاتهم واحتقاناتهم على كل شيئ جميل يحققه هذا البلد ومن ذلك ما يتمتع به من مناخات الأمن والاستقرار وحراك تنموي وديمقراطي يحظى بتقدير وثناء العالم. والحاصل أننا أمام عقليات تأبى الخروج من زواياها الضيقة بعد أن استمرأت التمترس وراء أهوائها ومصالحها الضيقة، وبرهنت من خلال ممارساتها وسلوكياتها على الانقطاع الأخلاقي والقيمي في علاقاتها مع هذا الوطن.. وبفعل هذا الانقطاع فقد أهدرت العديد من الفرص لتصحيح مواقفها والاستفادة من دروس الماضي والاتعاظ مما يحدث اليوم في الصومال والعراق وأفغانستان، وما تشهده أيضا بعض الساحات من كوارث وأزمات ومآسي كما هو حال الأوضاع في كينيا وتشاد وغيرها من المناطق والأوطان المضطربة التي تموج بالصراعات والحروب الداخلية، حيث وقد كان الأحرى بأولئك الذين يبنون مواقفهم من منظور ضيق ووفق حسابات أنانية صرفة أن يعوا أن الاحتقان الذي يحلمون بحدوثه في الوطن اليمني إذا ما جرى فإن طوفانه أول من سيجرفهم، ولذلك فإن من الصواب ان يتوقفوا عن تشويه صورة الوطن في تناولاتهم وتصريحاتهم الاعلامية لأن هذا الوطن ليس سلعة يمكن المتاجرة بها عبر المنابر الصحفية والقنوات الفضائىة او أسواق النخاسة. والأجدى بهم أن يعلموا أنهم إذا ما أرادوا البروز أو أن يكون لهم دور في هذا الوطن فعليهم الابتعاد عن الأساليب الانتقامية والمسارات الخاطئة وأعمال التحريض على الاعتصامات وتهييج مشاعر الناس والتلاعب بعواطفهم واحياء النعرات المناطقية والطائفية والانفصالية التي عفا عليها الزمن، فالبحث عن مكانة لا يمكن أن يتحقق عبر تلك المفاهيم الكريهة وإنما من خلال تمثل القيم الوطنية والعمل الصالح، وصدق النوايا والإخلاص في خدمة الناس وتغليب مصلحة اليمن على مادونها من المصالح والتخلص من تلك الذهنية والنفسية الثأرية عبر التطبع على استحقاقات المرحلة وما تفرضه من تلاحم وتماسك في الجبهة الداخلية ولما من شأنه مواجهة التحديات المحيطة بجغرافيتنا الاقليمية والعربية . ومن المؤكد أن هؤلاء المحتقنين بالأزمات، بحاجة أولاً الى مراجعة الذات والمصالحة مع النفس والعمل على ايقاظ ضمائرهم حتى يتسنى لهم التكفير عما ارتكبوه بحق هذا الوطن من خطايا وأخطاء ما زال الوطن يدفع ثمنها حتى اليوم. وبالقدر الذي نأمل فيه أن تتوقف المحاولات العبثية لأولئك المأزومين فإننا ندعوهم إلى أن يسألوا أنفسهم عما ذا قدموه لهذا الوطن طوال تاريخهم وماذا صنعوا من أجله ولماذا يناصبونه اليوم العداء ويبذلون قصارى جهدهم من أجل تشويه صورته بتناولاتهم الزائفة والكاذبة؟! وماذا سيستفيدون من وراء ذلك الدس الرخيص الذي يرمون من خلاله اختلاق الأزمات والاحتقانات واعاقة مسيرة البناء ؟! إنها أسئلة كثيرة تضع نفسها أمام هؤلاء الذين فشلوا عن تقديم أي شيء نافع لهذا الوطن رغم الامكانيات التي أُتيحت لهم حيث أن كل الشواهد تدل على أن رصيدهم قد ظل مكشوفاً من أي إرث إيجابي يذكره الناس أو التاريخ لهم.. وحيال ذلك فهل يراجعوا أنفسهم ويتراجعوا عن مواقفهم المحتقنة ؟ أم أنهم الذين أعمى الله بصرهم وبصيرتهم ليبقوا في غيهم يعمهون.