الشيء الذي لم تفهمه تلك العناصر التي ما زالت تحن للماضي الإمامي وأزمنة الانشطار والتجزئة والتشرذم، أن اليمن قد دخل عصراً جديداً بانتصار ثورته المباركة، وإعادة وحدته ولحمته الوطنية، ورسوخ مشروعه الحضاري المتمثل في الديمقراطية والحرية والتنمية المستدامة، ومسارات التحديث والنهوض، والتقدم الشامل في مختلف مناحي الحياة. وتكمن مصيبة هذه العناصر المحصورة في نفر قليل أن تفكيرها توقف عند ذلك الماضي الأسود الذي أسرت نفسها فيه، وتقوقعت في إطاره الى درجة أنها باتت عاجزة عن استلهام واستشراف التحولات التي شهدها اليمن في مختلف الميادين، ومواكبة مجرياته ومعطياته الديمقراطية والتنموية لأنها صارت منقطعة الصلة بهذا الواقع ولم يعد لديها رابط يجمعها به . ولا ندري هل نلتمس العذر لتلك القلة من العناصر، التي استحكمت بها نوازعها المريضة وأنانيتها المفرطة وعقلياتها المتحجرة التي شاخت وترهلت، باعتبار أنها قد حكمت على نفسها بتلك النهاية المزرية، أم ان الأصح، أن نجعل التاريخ يتولى مساءلتها على تفريطها وإهدارها للفرص المتتالية التي وضعت بين أيديها على امتداد أكثر من أربعة عقود مضت، دون الاستفادة من كل تلك الفرص في تصحيح مواقفها والعودة إلى جادة الحق والصواب ومغادرة تلك الزوايا المظلمة التي حبست نفسها داخلها ومعالجة الاعراض المرضّية التي أحاقت بعقول عناصرها وأصابتها بعلة «التكلس» والتبلد، على نحو بدت معه عاجزة عن التطبع مع حركة الزمن والتغيير التي شهدها اليمن وتقدم فيها بسواعد ابنائه وجهود أجياله الجديدة، التي تستند في توجهاتها مفاهيم وثقافة وطنية وحدوية وديمقراطية مستنيرة . وفي كلا الحالتين فالحاصل اننا أمام عناصر رضيت بالتقوقع في الماضي ويستعصي عليها معايشة الحاضر والإلمام بمتطلبات المستقبل، بعد أن أصبحت المسافة الذهنية والنفسية بينها وبين مفردات الحياة اليمنية الجديدة شاسعة، ولا يلوح في الأفق الزمني اي مؤشر على إمكانية اندماجها مع المعطيات الراهنة، بعد أن بلغ بعناصرها العمر عُتيا !! وفي وضع كهذا لابد وأن تعي مثل هذه العناصر أن الزمن قد تغير وأن من يعتقد أن بمقدوره إعادة عقارب الساعة الى الوراء، إنما يحلم بالمستحيل فالوطن اليمني اليوم هو أكثر اقتدارا ومنعة من أي يوم مضى. وحتى لا يهدر مثل هؤلاء النفر ما بقي لهم من أيام العمر في ممارسات وتصرفات لن يجنوا منها سوى العلقم والخيبة، فإن من الصواب ان يكفوا عما هم فيه ويتخلصوا من أوهامهم الكاذبة ويتوقفوا عن أساليب الكذب والزيف والاتعاظ من تلك الردود الحاسمة والحازمة، التي تلقوها من مختلف مكونات الشعب اليمني، والتي أكدت لهم ولأمثالهم أن الثورة والوحدة والديمقراطية، ثوابت ومسلمات يستحيل التفريط فيها أو في إنجازاتها التاريخية. وأن من يحاول المساس بهذه الثوابت أو النيل منها، سيقابل برد قاس ومستحق من قبل أبناء هذا الوطن بأكمله، لإيمان الجميع بأن الدفاع عن هذه الثوابت واجب يرقى الى مستوى القداسة. وليس أمام تلك العناصر المسكونة بالأحقاد والضغائن سوى أن تراجع نفسها، أو أن تحفر قبورها.. والتاريخ هو من سيحكم على ما اقترفته بحق الوطن والشعب من جنايات وآثام لينطبق عليها المثل القائل.. جنت على نفسها براقش.