مما لا غبار عليه أن ظاهرة التطرف والتعصب والغلو باتت تمثل أهم خطر يستهدف المجتمعات العربية والإسلامية بالنظر إلى ما يتولد عن هذه الظاهرة الماحقة من إفرازات سلبية على واقع الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي والثقافة الوطنية ومسارات التنمية والبناء. وبوسع المرء الاستدلال على الضرر البالغ لهذه الآفة فيما يعتمل من توترات واضطرابات وأزمات وكوارث في عدد من الساحات العربية والإسلامية والتي أصبحت العديد منها بفعل حمى التطرف والتعصب ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات. وإدراكاً للعواقب الكارثية لظاهرة التطرف والغلو حرص فخامة الرئيس علي عبدالله صالح دوماً على دعوة جميع أبناء المجتمع اليمني للقيام بمسئولياتهم والاضطلاع بدورهم في مواجهة هذا الوباء الخبيث عن طريق تحصين الشباب بالفكر الوطني الذي يحول دون وقوعه تحت تأثير التوجهات التي تستظل بالتطرف والتعصب وتحتمي بالعنف والنزعات المقيتة التي تكرس مشاعر العداء والكراهية والبغضاء وثقافة الأحقاد بين أبناء الوطن الواحد. ومن نافلة القول أن تلك الدعوة قد حملت رؤية متبصرة وثاقبة تجاه ما قد يترتب على أية ثغرات يمكن أن تتسلل منها آفة التطرف والتعصب إلى منظومة المجتمع اليمني المعروف بتماسكه وترابطه وتلاحمه وتحليه بقيم الثقافة الوطنية والدينية المستندة إلى روح التسامح والاعتدال والوسطية. وبكل تأكيد فلو أن الجميع قد تعامل مع تلك الدعوة من منظور مسئول وبالأخص الأحزاب والتنظيمات السياسية وكذا مكونات العمل الجماهيري والابداعي التي يفترض أن تشكل رديفاً لدعم جهود الدولة في هذا الجانب لما ظهرت مثل تلك النتوءات الصغيرة كما حصل في بعض مناطق محافظة صعدة ولما أمكن الإيقاع ببعض المغرر بهم من الشباب الذين تورطوا في أعمال التخريب والفتنة والخروج على النظام والقانون ودفعوا بأنفسهم إلى محرقة التمرد. ونعتقد أن الإجراءات التي اتخذتها الدولة لوأد الفتنة وحقن الدماء وإفساح المجال أمام عودة الأمن والاستقرار إلى تلك المناطق وتشكيل اللجان لتقييم الأضرار التي لحقت بالمنشآت العامة والخاصة تمهيداً لمعاودة عملية التنمية بمحافظة صعدة فإن الضرورة تقتضي أن ينصب جهود الجميع في اتجاه بناء ثقافة وطنية تستند في مساراتها على تعميق الولاء لليمن وترسيخ ثوابت الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية في وجدان الشباب وتربيتهم عليها، حتى تصبح هذه الثوابت هي السياج الذي ينأى بالشباب عن السقوط في مهاوي التطرف والتعصب والتفسخ والانفلات.. حيث وأن تربية الأجيال على هذه المبادئ الوطنية وغرسها في نفوسهم هي من ستجنب وطننا ومجتمعنا الاختراقات والاستهدافات التي طالما استباحت أمن واستقرار الكثير من الأقطار. وفي مواجهة حالة كهذه فإما أن نكون مع الوطن أو ضده وأن نحمي أجيالنا من الأفكار المضلة أو أن نجعل منهم ضحية لثقافة الأحقاد والكراهية والضغائن وهي معادلة لا تحتمل أكثر من خيار وعلينا أن ننحاز للخيار الصائب الذي نمهد فيه الطريق الآمن لحاضر ومستقبل أجيالنا الذين هم أمانة في أعناقنا. وعلينا أن نكون في مستوى هذه الأمانة انطلاقاً من الالتزام بالقيم الوطنية والابتعاد عن المناورات والممارسات الحزبية الضيقة التي تصب الزيت على النار وتعمل على إذكاء الحرائق المفتعلة. ولكي نؤدي هذه الرسالة على نحو سليم وصحيح فلا بد أن تكون أفعالنا وأقوالنا هي النبراس الذي يهتدي به الأجيال وأن نكون القدوة الصالحة التي يتعلم منها أبناؤنا معاني الوطنية الصادقة والوفاء لثوابت اليمن والتي لا تقبل المتاجرة أو التزاوج مع نزعات التطرف والغلو والتعصب الدخيلة على هذا الوطن الذي وصفه نبي البشرية محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم بوطن الإيمان والحكمة