بعد أن تجاوز الوطن تأثيرات الصدمة الناتجة عن كارثة السيول التي ألحقت الكثير من الدمار والخراب والخسائر المؤلمة بالأرواح والممتلكات والبنى التحتية والمنشآت العامة والخاصة فإن التفكير الآن ينبغي أن ينصب على الجوانب المتصلة بتخفيف معاناة أهلنا في المحافظتين المنكوبتين، وفي المقدمة منهم تلك الأسر التي تهدمت منازلها وفقدت مصادر رزقها ووسائل العيش التي كانت تعتمد عليها ولحق بها الضرر بدرجة بالغة. حيث وأن الضرورة تقتضي من كل أفراد المجتمع إدراك مسؤولياتهم تجاه هذه المحنة عبر الإسهام الفاعل والإيجابي وتحقيق الكامل بين الجهدين الرسمي والشعبي وبما يجعل كلا منهما رديفاً للآخر، وصولاً إلى احتواء تداعيات الكارثة والتغلب على آثارها، وإعادة السكينة والطمأنينة إلى نفوس من ألمت بهم الفاجعة. ولأهمية هذا التكامل والتناغم بين الجهدين جاء تأكيد فخامة الرئىس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية في كلمته الهامة التي ألقاها أثناء ترأسه يوم أمس الأول للاجتماع التشاوري لمجلس الوزراء وقيادات السلطة المحلية والمحافظين على أن الرهان الأول في تخطي أعباء الكارثة التي حلت ببلادنا هو على أبناء اليمن وعطائهم كما هو العهد بهذا الشعب في مختلف الظروف. فبالتكاتف والتآزر سنتمكن بالفعل من إعادة البسمة إلى شفاه أهلنا في حضرموت والمهرة وتمكينهم من التخلص مما علق بهم من هول النائبة ومعاودة حياتهم الطبيعية. ولا بديل أمامنا سوى أن نكون في مستوى هذا الرهان وفي حدود مسؤولياته والواجب الذي يفرضه. ولكي تتعزز مقومات الاستعداد للتعاطي مع هذا التحدي فلا بد لكل منا أن يتخلى عن سلبياته ومثالب الاتكالية وكل ما ينحو به إلى اللامبالاة ويدفع به إلى دائرة الأنانية التي إذا ما سيطرت على أي إنسان فإنها تفقده الإحساس بواجباته ومجتمعه ليصبح معطل المشاعر، معطوب الذهن، لايرى إلاّ نفسه ومصلحته الذاتية، ولا يهمه سوى إشباع رغباته وبلوغ مراميه الضيقة. وعلينا ان نتذكر ونحن في هذه اللحظات الفارقة أن تلاحم الشعب اليمني وتماسك جبهته الداخلية كان مفتاح الكثير من الانتصارات التي حققها الوطن على مدى السنوات الماضية، بل أنه قهر بتلك الإرادة كل المستحيلات. وما نحتاجه اليوم، هو تمثل تلك الروح عن طريق تكريس قيم التآلف والتكاتف والتعاضد في مواجهة كارثة السيول وإعادة إعمار ما خربته وهو ما يتطلب أن يضطلع كل منا بدوره على أكمل وجه، لتأتي مشاركته فاعلة ونشطة، مستلهمين حقيقة أن الرجال مواقف وأن المواقف لا يصنعها سوى الأوفياء والصادقين في القول والعمل. وفي هذا السياق فإن فداحة الخطب تستدعي أيضاً من قيادات الأحزاب والتنظيمات السياسية ألاّ تترك تبايناتها وخلافاتها تنصرف بها بعيداً عن سبل الرشاد وتقدير حساسية الظرف الذي يمر به الوطن. ونعتقد أن أطراف المنظومة الحزبية والسياسية معنية باستيعاب ما ورد في أحاديث الكثير من أبناء محافظتي حضرموت والمهرة، التي دعوا من خلالها هذه الأحزاب إلى التوقف عن مناكفاتها ومكايداتها وكذا محاولة المتاجرة بآلام المتضررين من تلك الكارثة وتحويلها إلى مادة للمهاترات والمزايدة. والأهم في هذا الطرح أنه ينبه اللاعبين الحزبيين إلى أن ثمة قضايا لايجوز استخدامها أو استغلالها لأبعاد وأهداف سياسية أو حزبية، وأن من تغلب عليه نوازعه ولا يستطيع أن يميز بين الخاص والعام والحزبي والوطني، عليه أن يتعلم فضيلة الصمت. ومع ما نحمله من ثقة في شعبنا وقدرته على كسب الرهان في مواجهته لتداعيات كارثة السيول وأضرارها المدمرة، فإن من الواجب أن نزجي التحية والتقدير والامتنان لكل الأشقاء والأصدقاء الذين بادروا إلى تقديم العون لبلادنا والوقوف إلى جانبها ومساندتها في مجابهة آثار الكارثة. ونخص هنا المبادرة الكريمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي جسد بدعمه السخي عمق ومتانة العلاقات التي تربط بين اليمن والسعودية والخصائص الحضارية التي تنفرد بها هذه العلاقات مما جعلها تشكل الأنموذج