في هذه اللحظات المهيبة التي يتهيأ فيها أبناء شعبنا للاحتفاء بالعيد التاسع عشر للجمهورية اليمنية الفتية التي انطلقت مسيرتها المظفرة وارتفع علمها خفاقا في الثاني والعشرين من مايو 1990م فإن من الحكمة أن نسترجع في هذه المناسبة المحطات التي مرت بها اليمن وما تعرضت له من المآسي والنكبات والويلات والصراعات والتوترات خلال حقبة التشطير والتشظي والتمزق. إذ أن مثل هذه المراجعة تصبح أكثر من ضرورية ، خاصة وأن هناك من يحاول أن ينسينا حقيقة أن الإنجاز الوحدوي الذي توج بقيام الجمهورية اليمنية . لم يكن حدثا عابرا بل إنه كان حصيلة نضال طويل خاضه الأحرار من أبناء هذا الوطن وقدموا في سبيله قوافل من الشهداء وأنهرا من الدماء الزكية على دروب الانتصار لإرادة شعبهم في الحرية والاستقلال والوحدة والانعتاق من طغيان الحكم الكهنوتي الإمامي البغيض والتسلط الاستعماري ، ما يعني أن هذا المنجز العظيم الذي التأم فيه شمل الأسرة اليمنية الواحدة ظل هدفا راسخا في وجدان وضمير كل أبناء الوطن من المهرة إلى صعدة، ولو لم يكن كذلك لما استحق كل تلك القرابين والتضحيات. وبمسؤولية كاملة نقول: إن مراجعة كهذه صارت ملحة لنكتشف أكثر المرامي الخبيثة لتلك الشرذمة من بقايا ذلك الماضي البغيض ، التي استبدت بها أمراضها وأحقادها ولؤمها ، ولم تجد ما تصفي فيه حساباتها مع الوطن ووحدته فعمدت إلى تضليل وعي الشباب من صغار السن الذين لم يذوقوا مرارة التشطير وويلاته ومآسيه وذلك عن طريق الترويج للنعرات المناطقية والشطرية وإثارة الفتن بين أبناء الوطن الواحد، معتقدة أنها بتلك الممارسات السيئة والدنيئة ستعود بالوطن إلى أزمنة التشرذم. ولعل ما شهدته بعض مديريات المحافظات الجنوبية والشرقية من شغب وتخريب بسبب ذلك التحريض يقتضي من جميع أبناء الوطن العمل على تحصين الشباب وصغار السن من ثقافة الكراهية والتعبئة الخاطئة وذلك عبر غرس الثقافة الوطنية لديهم وتقديم الحقائق التي تمكنهم من استيعاب خفايا ما تضمره العناصر الموتورة من نوايا سيئة لهم ولوطنهم. وليس ذلك وحسب بل إن الواجب يفرض على جيل الآباء درء خطر الاستهداف لوعي الأجيال الجديدة الذين يجهل البعض منهم أن الوحدة مثلت سفينة النجاة لكل اليمنيين وأنه لولاها لما استطاع الوطن تجاوز الظروف الدولية الاستثنائية التي ألقت بظلالها على العديد من الأوطان والمجتمعات وأصابتها بالخراب والدمار. وكان من نتائجها ما نراه جميعا ونشعر بوطأته في الصومال والعراق وفلسطين وقد تمكن اليمن بوحدته من التغلب على تأثيرات تلك التقلبات والمشاكل والأزمات والحفاظ على توازنه وسيادته واستقلالية قراره واستقراره والنأي بنفسه عن الوقوع في بؤرة العاصفة. وبعد كل ذلك ، لا بد وأن تفهم تلك العناصر المأجورة أن تماديها في الغي واستمرارها في الممارسات الخارجة على النظام والقانون والإساءة للثوابت الوطنية مستغلة سعة صدر الدولة وحرص القيادة السياسية على حقن كل قطرة دم من أن تسال ، أن مثل هذه الخصال والشمائل الأصيلة هي سجايا نبيلة لا تعني الضعف وإنما القوة ومن الواقعية التعاطي مع هذه الدلالات الحميدة من منظورها القيمي والأخلاقي، حيث وأنه حينما تستنفد طاقة الصبر والحكمة تحل البدائل الأخرى. وكما أشار الأخ الرئيس يوم أمس فإن الشعب اليمني لن يسمح للأقزام بتقزيم اليمن أو تحويله إلى نتوءات تتجاذبها الاحتقانات والصراعات من كل جانب. ومن مصلحة تلك العناصر التي تكرر الأخطاء والخطايا أن تكبر بكبر الوطن ، وأن تتعلم من تجارب التاريخ لكي تحسب خطواتها وتقديراتها بإعمال الفكر وإمعان النظر .. وما دون ذلك فإنها ستجد نفسها في مواجهة مع الشعب الذي لن يتقاعس في الدفاع عن منجزاته ومكاسب ثورته ووحدته وأمن واستقرار وطنه. وبكل تأكيد فإن الانتهازيين ومهما تلونت أقنعتهم وتعددت أنواع المساحيق التي يستخدمونها فإنهم لا يستطيعون أن يخفوا وجوههم القبيحة وضمائرهم الميتة ومخططاتهم الإجرامية لأنهم في السابق واللاحق أعداء الحياة وبالتالي فلا حاضر ولا مستقبل لهم ودائما ما يكون منقلهم الأخير وخيما ومخزيا.