القمة العربية القادمة التي تحتضنها مدينة «سرت» في الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى تكتسب اهميتها من كونها تنعقد في ظروف وأوضاع عربية بالغة التعقيد والدقة والحساسية تستوجب من القادة العرب ان يكونوا مستوعبين لمخاطر التحديات التي تواجهها الأمة في ظل الانقسام والوهن والضعف الذي أدىّ اليه تراجع وغياب التضامن العربي مع ان الفترة التاريخية التي تمر بها الامة العربية تقتضي الذهاب الى ما هو ابعد واعمق من مجرد التضامن والاصطفاف بالانتقال الى مستوى جديد يرتقي بالعمل العربي ليكون مواكباً لاستحقاقات المواجهة بكل معطياتها ومتطلباتها، وبحيث يكون العرب -دولاً وشعوباً- قادرين على الخروج من حالة اللامشروع الى امتلاك المشروع القومي المواكب للمتغيرات والتحولات التي شهدتها وتشهدها الساحة الدولية ومحيطهم الاقليمي بدلاً من البقاء هدفاً لمشاريع الآخرين وما تنطوي عليه من اطماع ما كان لها ان تصل الى ما وصلت اليه لولا حالة الضعف والتشرذم التي باتت في تضاد وتناقض مع مصالح دولها منفردة ومجتمعة حتى بلغت درجة من السوء الذي لا يجب ان يكون بين ابناء ينتمون الى عقيدة ولغة، وثقافة وتاريخ ومصير مشترك يتأكد اليوم اكثر من اي وقت مضى، ومع ذلك نجد حالة الدس والوقيعة والتربص سائدة بين هذا القطر او ذاك، او هذه الدولة او تلك ، الى ذلك الحد الذي بتنا فيه نشجع الآخرين ونفتح شهيتهم لا لتهامنا ونحن في هذه الحالة من الفرقة والتمزق . ومن هنا فإن الاختلال الكبير يكمن في انعدام كيان سياسي اقتصادي ثقافي عسكري وأمني عربي فاعل، ومنظومة قادرة على تجاوز حالة المراوحة التي نحن عليها منذ «65» عاماً.. في السياق ذاته جاءت المبادرة اليمنية لتفعيل العمل العربي المشترك كرؤية مستوعبة لخبرة الماضي ومقتضيات الحاضر والمستقبل العربي التي باتت ضرورة يستشعرها كل ابناء الأمة العربية من المحيط الى الخليج . لذا فإن هذه الرؤية اليمنية حظيت باجماع البرلمانيين العرب، وكانت محل اشادة من وزراء الخارجية العرب باعتبارها ارقى آلية تقدم للنهوض بالعمل العربي المشترك من عثرته، لا سيما وأنها جاءت لتجدد الطموحات والتطلعات العربية التي كاد ضوؤها يخبو وينطفئ في عتمة الواقع العربي الواحد وتقديمها الى قمة «سرت» والتعاطي معها بجدية، وتحويلها الى مشروع عربي اتحادي قابل للتحقق هو أمل الشارع العربي الذي يات يتعاطى بيأسٍ وقنوط مع القمم العربية، لانه لم يلمس اي توجه جدي للم شمل العرب وتعزيز قدراتهم وتعبئة طاقاتهم باتجاهات تعيد لهذه الأمة مكانتها ودورها وتأثيرها الحضاري الانساني، والذي من خلاله تستعيد عزتها ورفعتها ومجدها العظيم الذي لا يمكن ان يكون ان بقي العرب في حالة الانحدار الذي ان استمر فمصيرهم الى الهاوية، وهو مالا ينبغي ان يكون . لذلك كله يتوجب على القادة العرب في قمة «سرت» ان يكونوا في مستوى المسؤولية التاريخية الواقعة على عاتقهم، بحيث تكون قرارات هذه القمة وتوصياتها مستجيبة لرغبات وتطلعات وطموحات المواطن العربي من المحيط الى الخليج .