إذا ما سلّمنا جميعاً بأنه لا بديل ولا خيار لحفظ الأمن والاستقرار وصيانة السكينة العامة لأي مجتمع سوى تكريس القانون وتطبيقه بحذافيره دون مواربة أو تخاذل أو تلكؤ باعتبار أنه ومتى غاب القانون حلت الفوضى وشريعة الغاب واستبيحت الحقوق والأعراض والدماء المعصومة. سنجد أن القانون في كل بلدان الأرض بمثابة العقد الاجتماعي الذي يضبط إيقاع الحياة بمختلف جوانبها، وأي خروج على هذا العقد من أي كان - كبيراً أو صغيراً- إنما هو بمثابة خروج على الإجماع وتمرد على ثابت أصيل وانحراف عن الفطرة السوية واستهداف للسلم الاجتماعي. وفي هذا الإطار فلا بد وأن ندرك جميعاً في هذا الوطن أن احترام النظام والقانون يرتبط ارتباطاً مباشراً باحترام الإنسان لذاته والمجتمع الذي ينتمي إليه والوطن الذي يحمل هويته. ويخطئ من يعتقد أن وجاهته الاجتماعية لن تتحقق إلاّ من خلال جعل نفسه فوق القانون، فالممارسات الطائشة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكسب صاحبها سوى الازدراء وسخرية المجتمع بل أن من يقعون ضحايا أهوائهم وغوايتهم وتصرفاتهم الحمقاء ينزعون عن أنفسهم أية صفة قيمية أو أخلاقية مهما حاولوا التمظهر بأقنعة شتى إما بهدف التغطية على حقيقتهم أو رغبة في إضفاء نوع من الأهمية على شخوصهم وصورهم المهزوزة. ونحسب أنه أصبح واضحاً لدى الكل أن الدولة التي تعتمد في أساسها ومرجعيتها على النظام والقانون، معنية بالتصدي لأية تصرفات عابثة وغير مسؤوله من أي كان، لأنه لا وجود لمواطن استثناء، والدستور يلزمها بكبح جماح كل من ينتهك المثل العليا للمجتمع أو من يعبث أو يتعامل مع القانون باستهتار ولا مبالاة فالمواطنون سواء أمام القانون ولا تمييز لأحد. ومن الموضوعية والحصافة السياسية أن تتمثل هذه الحقيقة الأحزاب والتنظيمات السياسية التي يتعين عليها أن تحرص على أن تقدم القدوة والمثل في احترامها للنظام والقانون حتى تؤكد لمن تدعي تمثيلهم أنها تسير في طريق ترسيخ الدولة المدنية الحديثة التي يخضع جميع أبنائها للأنظمة والقوانين، وذلك من خلال الأفعال وليس الأقوال خاصة وأن الجزء البارز من الحماقات والتصرفات الطائشة التي تحدث في بيئتنا سببه أن بعض الأحزاب السياسية لا تستشعر مسؤولياتها حينما تتعاطى مع السياسة وفق رؤية محتقنة يغلب عليها ضيق الأفق والشطط والأنانية الذاتية والتجاوزات الفظة للأنظمة والقوانين، فيجد البعض في ذلك السلوك ملاذاً للخوض مع الخائضين والغاوين الذين تغريهم الأضواء الإعلامية والبهرجة الخطابية دون إحساس منهم أن ما يقدمون عليه من توافه الأمور يجعلهم صغاراً أمام مجتمعهم وصغاراً أمام الآخرين وصغاراً أمام كل صاحب رأي سديد وعقل فطن ومنطق سليم. وبكل تأكيد أن من السهل أن ينظِّر البعض في السياسة وأن يطلق الاتهامات والقدح والردح على خصومه كما يشاء في بيئة ديمقراطية تقوم على التعدد والتنوع في الرؤى والاجتهادات ولكن من الصعب أن يقدم هذا البعض نفسه كمصلح وقدوة وهو من تأتي تصرفاته عكس ذلك. وفي المحصلة فإن الأحزاب التي لا تحترم النظام والقانون وتلجأ قياداتها إلى المغالطات والإساءة للآخرين بل وتعمل على إثارة الأزمات والتماهي مع الخارجين على الدستور والنظام والقانون، والتحالف مع أعداء الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية هي أحزاب لا يمكن لها أن تستمر وتتطور وتنمو لأن مثل هذه الأحزاب لا تمتلك رؤية ولا برنامجاً ولا فكراً تبصرها بأسس ممارسة السياسة، ولذلك فإن هذه الأحزاب تتآكل من داخلها ومآلها الاضمحلال والانهيار والسقوط في مهاوي الضياع. وما ينبغي أن يكون مفهوما أن أجهزة الدولة لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي أمام أية محاولة للخروج على النظام والقانون، وستقوم بواجباتها بكل حزم وحسم لمواجهة كل عابث أو مستهتر لردعه وإعادته إلى جادة الحق والصواب بقوة القانون، تأكيداً على حقيقة أنه لا أحد فوق القانون، وهي حقيقة يجب أن تكون معروفة للقاصي والداني. ومن لا يريد أن يفهم فإن القانون سيكون كفيلا بإفهامه وكبح نزواته ووضع حد لطيشه وغوايته واستهتاره. وصدق من قال: "المرء حيث يضع نفسه".