تتسارع الأحداث في الشرق الأوسط على نحو لا سابق له، في اقل من اسبوع، هناك جريمة الاعتراض الاسرائيلي ل«اسطول الحرية» الذي سعى الذين يقفون خلفه الى فكّ الحصار الظالم الذي تتعرض له غزة، وهناك الدفعة الرابعة من العقوبات الدولية على ايران التي اقرها مجلس الامن التابع للامم المتحدة، اذا كان مطلوبا تبسيط الامور، يمكن القول ان هناك بروزاً واضحاً للدور التركي على الصعيد الاقليمي وهناك في الوقت ذاته بداية تفاهم عالمي لضرورة الحؤول دون حصول ايران على السلاح النووي، وهذا ما يفسر الى حد كبير التضايق الايراني من الموقف الروسي الذي عبر عنه الرئيس محمود احمدي نجاد في تصريحاته ومواقفه الأخيرة. يتبين يومياً، مع تراكم الأحداث ان الوضع في الشرق الأوسط كله ليس طبيعياً. لكن الصعود التركي في مواجهة السياسية الهجومية لايران يعكس الى حد كبير نشوء توازنات جديدة في المنطقة في ظل الغياب العراقي، لا دليل على هذا الغياب اكثر من الواقع المتمثل في ان ثلاثة اشهر مرت على الانتخابات العراقية والبلد لا يزال من دون حكومة، وفي حال تسمية رئيس للحكومة اليوم او غدا او بعد غد، لن يكون ذلك في معزل عن ايران التي وضعت فيتو على الدكتور اياد علاّوي الذي كان على راس "القائمة العراقية" التي فازت باكبر عدد من المقاعد في انتخابات السابع من آذار- مارس الماضي، وفي حال كلّف علاوي تشكيل الحكومة، ستوضع عليه شروط تعجيزية، كي يستسلم للمطالب الايرانية.. او يفشل، كان طبيعياً اعطاء رئيس اللائحة التي احرزت اكبر عدد من المقاعد فرصة تشكيل حكومة استناداً الى القوانين والاصول المعمول بها في العراق منذ اطاحة النظام السابق، ولكن ما العمل عندما يكون هناك من يريد اثبات ان الانتخابات لا معنى لها وان هناك منتصراً وحيداً في الحرب الامريكية على العراق وان هذا المنتصر ليس الولاياتالمتحدة!. اجرى النظام في ايران عملية قيصرية أدت الى تحالف جديد ذي طابع مذهبي من اجل قطع طريق رئاسة الحكومة على الدكتور علاوي او جعله يستسلم، يحصل ذلك على الرغم من ان علاّوي يحظى بتاييد شعبي كبير في الاوساط الشيعية والسنية وحتى الكردية ولدى كل من لديه حد ادنى من الشعور الوطني في العراق، يبدو ممنوعاً على العراق استعادة عافيته في ظل حكومة مركزية قوية قادرة على تطبيق اللامركزية بطريقة لا تسيء الى وحدة البلد وتحافظ في الوقت نفسه على التوازنات الداخلية والاقليمية وعلى الامتدادات العربية الطبيعية للعراق، يبدو مطلوباً اكثر من اي وقت ان يكون العراق مجرد "ساحة" لإيران على غرار ما هو الوضع عليه في لبنان، الى حدّ ما طبعاً، مورست في لبنان ضغوط شديدة لتأكيد ان الوطن الصغير ليس سوى امتداد لمحور اقليمي يبدأ في طهران وان عليه بالتالي التصويت ضد العقوبات الجديدة التي فرضها المجتمع الدولي على النظام الايراني عن طريق مجلس الامن، قاوم لبنان الضغوط بكل انواعها واعتمد، عبر الامتناع عن التصويت، منطق العقل والتعقل في مواجهة الهجمة الشرسة التي يتعرض لها تحت شعارات مضحكة- مبكية من نوع "المقاومة" وما شابه ذلك. في اساس الخلل الاقليمي ما شهده ويشهده العراق، لا يمكن بالطبع الدفاع عن النظام السابق الذي اسقطه الامريكي لأسباب لم تتضح بعد، مستنداً الى تبريرات لا علاقة لها بالحقيقة، ولكن لا يمكن في الوقت ذاته تجاهل ان المنطقة تبحث عن صيغة جديدة في ضوء الغياب العراقي، لقد نشأ الشرق الاوسط الجديد في العشرينات من القرن الماضي بعد انهيار الامبراطورية العثمانية، كان العراق احدى الركائز الاساسية للنظام الاقليمي الجديد، كان في الوقت ذاته ركناً من اركان المثلث الذي يحافظ على التوازن الاقليمي والذي يضمه مع تركيا وايران، الآن انهار المثلث ولا بدّ من ملء الفراغ الناجم عن ذلك. في انتظار ملء هذا الفراغ الذي تشجع عليه سياسة امريكية غير واضحة تقوم على فكرة الانسحاب من العراق عسكرياً ضمن المهل الزمنية التي التزمهتها ادارة باراك اوباما، تبدو حال المخاض مرشحة للاستمرار طويلاً، المؤسف ان تسارع وتيرة الاحداث لا يساعد العرب عموماً -هذا اذا كان هناك من موقف عربي موحد- والفلسطينيين خصوصاً على التقاط انفاسهم. على ماذا سيرسو الوضع في الشرق الاوسط، الاكيد اليوم ان هناك تنافساً، بل صراعاً، على العراق، هذا الصراع لن ينتهي بين ليلة وضحاها، على العكس من ذلك، تبدو معركة العراق معركة طويلة جداً وفي غاية التعقيد في آن، نظراً الى اهمية البلد على صعيد بناء النظام الاقليمي اولاً والى موقعه الجغرافي وثرواته. ثانياً واخيراً: طول المعركة لا يعفي من طرح اسئلة في غاية الاهمية، من بين الأسئلة ماذا يجري داخل ايران نفسها وهل طبيعي استمرار الوضع الراهن؟ هل طبيعي ان يظل الشعب الايراني بحضارته العريقة تحت حكم "الحرس الثوري" الذي نفّذ انقلاباً بكل معنى الكلمة ووضع حداً لأي عملية تطوير للنظام؟. وماذا عن تركيا؟ هل تتابع التصعيد مع اسرائيل وما الذي ستفعله في مرحلة ما بعد التصعيد الكلامي؟ وماذا عن اسرائيل نفسها وحكومتها المتطرفة التي لا تدري ان هناك حدوداً لمنطق القوة وارهاب الدولة؟. في كل الاحوال، ما يبدو مؤسفاً غياب العرب عن المعادلة الشرق اوسطية، غيابهم يتجلى في عجزهم عن لعب اي دور بناء في العراق من جهة او قول كلمة حق في شأن ما يجري على ارض فلسطين.. بما في ذلك ان القضية ليست قضية غزة والمتاجرة بغزة، انها قضية شعب يريد الانتهاء من الاحتلال ويريد الحصول على حقوقه الوطنية عبر قيام دولة مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية، استناداً الى خطوط عام 1967م، هل تذهب الحقوق الفلسطينية ضحية حال المخاض التي يمر بها الشرق الاوسط؟