من حق اليمنيين ومنظماتهم المدنية والمهنية والحقوقية أن يعبروا عن استهجانهم المصحوب بالاستغراب للحملة الإعلامية الشرسة والظالمة، التي تشنها عدد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية ضد بلادهم، على خلفية ما تم تداوله عن حادثة الطردين المشتبه فيهما، خاصة وأن هذه الحملة المحمومة والمنظمة تحاول تصوير اليمن وكأنه موطن الإرهاب أو الملاذ الآمن لعناصره المتطرفة، على غير الحقيقة وعلى غير كل الوقائع وعلى غير كل ما تنبئ به الدلائل والشواهد المؤكدة على أن اليمن كان في صدارة الدول التي عانت كثيراً من هذه الآفة وتعاملت مع ظاهرة الإرهاب بكل جدية وحسم وحزم.. وأنه كان في مقدمة من نبهوا إلى خطورة هذه الآفة الخبيثة العابرة للقارات التي لا دين لها ولا وطن ولا جنسية، وذلك قبل أحداث ال11 من سبتمبر 2001م بعد أن استهدفه الإرهاب قبل غيره وفي وقت مبكر وقدم في سبيل ذلك الكثير من التضحيات من المواطنين والجنود والضباط الذين سقطوا على يد العناصر الإرهابية، ناهيك عن أن اليمن كان أول المبادرين إلى دعوة المجتمع الدولي إلى إيجاد تعاون دولي وثيق لمجابهة المخططات الإرهابية وكبح جماح عناصره المتطرفة. وبعد كل ذلك لا نعتقد أن دولة في العالم خاضت حرباً ضروساً ضد الإرهاب على غرار الحرب التي خاضها اليمن وما يزال ضد هذه الآفة الخبيثة، بما فيها الدول الواقعة على ضفتي المحيط الاطلنطي، التي أطلت علينا مؤخراً بحملة تحريضية مشبوهة تحذر من خطر الإرهاب في اليمن. بل أن بعضها سارعت إلى منع حركة الطيران أو نقل الطرود من اليمن إلى بلدانها في إجراءات تعاقب فيها اليمن وأبناءه عقاباً جماعياً وتخدم الإرهاب والإرهابيين خدمة كبرى. وأمام هذه الحالة من التناقض والتصرفات غير المبررة والموجهة ضد اليمن، صار من حق الشارع اليمني والعربي أن يتساءل عن جدية الدول الأوروبية والغرب عموماً في مكافحة الإرهاب، خاصة بعد أن لمس الناس في اليمن والمنطقة عموماً، ازدواجية محضة في ما تطلقه تلك الدول من أقوال حول الإرهاب وما تنم عنه أفعالها. والشاهد على ذلك هو استهدافها لليمن بشكل غير منطقي مع أنه البلد الأكثر فاعلية وصدقاً وإرادة في مجابهة الإرهاب، وأكثر البلدان إصراراً على اجتثاث هذه الآفة من أراضيه إن لم يكن البلد الوحيد الذي يمتلك استراتيجية واضحة لقطع دابر الإرهاب. بل أن هناك من أصبح يطرح بكل وضوح أن ما يواجهه اليمن ليس سوى عقاب على نجاحاته التي أحرزها في معركته ضد الإرهاب فيما أخفق الآخرون في تحقيق مثل هذه النجاحات، سيما وأنه لا وجود لأي تفسير واضح لتلك الحملة الإعلامية الشرسة والمنظمة وما تلاها من إجراءات من قبل بعض الدول على خلفية خبر الطردين المشتبه فيهما، سوى هذا التفسير الذي بات يتردد على نطاق واسع في الشارع اليمني، الذي يعلم جيداً أن بلاده تواجه الإرهاب من منظور وطني يؤمن بأن الإرهاب يمثل نزعة إجرامية وعدوانية تستهدف الأوطان وحركة العمران والبناء والنهوض الاقتصادي، وتسيء إساءة بالغة للدين الإسلامي الذي يرفض العنف المؤدلج وكافة أشكال الغلو والتطرف، فضلاً عن أن الإرهاب يلحق الضرر بكل ما هو عربي ومسلم ويوفر الغطاء للمؤامرات التي تستهدف الإسلام وأوطان المسلمين. والمؤكد أن أحداً في اليمن لم يتخيل أن يسعى البعض إلى استخدام حادثة الطردين للنيل منه ودوره المشرف في التصدي لآفة الإرهاب، باعتبار أن ما اتخذ بحق اليمن لم يتخذ بحق الآخرين فألمانيا لم توقف حركة الطيران مع اليونان كما فعلت مع اليمن مع أن الطرد الذي أرسل إلى مكتب مستشارتها جاء من اليونان دون أن تكتشفه مطارات هذا البلد والمطارات الألمانية وأجهزتها الحديثة التي فشلت في منع طرد مفخخ من الوصول إلى أهم معقل سياسي في ذلك البلد الأوروبي. ولم تتخذ لندن قراراً بمنع الطيران اليوناني أو غيره من الهبوط في المطارات البريطانية كما فعلت مع طيران اليمنية، على الرغم من أن أحد الطردين الذي قالت أنه يحتوي على مواد متفجرة لم تستطع أجهزة مطار ايست ميدلاندز في بريطانيا اكتشافه كما هو حال مطار دبي الذي لم يكتشف المواد المتفجرة في الطرد الثاني، ولا حتى الكلاب البوليسية المدربة وإنما تم اكتشاف الطردين بواسطة معلومات استخباراتية وصلت إلى البلدين ولم تصل إلى اليمن، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن خروج الطردين لم يكن بأي حال من الأحوال نتيجة إهمال أو تقصير من الأجهزة اليمنية وإنما هو بسبب تطور أساليب العمل الإرهابي، ولو كان الأمر عكس ذلك فكيف مر الطردان من ثلاثة مطارات دولية بعد محطة اليمن بما فيها مطار بريطاني يمتلك أفضل المعدات والأجهزة. ويتأكد أمر الاستهداف لليمن في الحالتين إذا ما علمنا أن طيران لوفتهانزا علقت رحلاتها إلى اليمن بشكل مفاجئ ودون إشعار مسبق اعتباراً من 6 اكتوبر وقبل أسابيع من حادثة الطردين وبررت ذلك الإيقاف بأسباب أمنية مع أنها تعلم تماماً أن الإجراءات الأمنية في مطار صنعاء تتطابق مع المعايير الدولية. وينطبق الحال مع الجانب البريطاني الذي اتخذ قراراً مماثلاً مع أنه لا توجد رحلات مباشرة بين لندنوصنعاء، وهو قرار يندرج في إطار التشويش على الوضع في اليمن، ما يذكرنا بالضجة الإعلامية المفتعلة ضد اليمن عقب حادثة النيجيري عبدالمطلب التي لم يكن لليمن أية علاقة بها، حيث سافر المذكور من اليمن قبل عدة أشهر من تلك الحادثة ولم يسافر عبر أي من المطارات اليمنية وقت وقوع الحادثة بل سافر عبر بلد أوروبي هو هولندا- ومع ذلك يستهدف لم أحداً هولندا على النحو الذي يجري مع اليمن. والسؤال الذي يبقى مفتوحاً وفي حاجة لقراءات كثيرة هو: لماذا التجني على اليمن؟.. وهل بات على اليمن أن يدفع فاتورة حربه على الإرهاب التي يخوضها نيابة عن الآخرين وإلاّ ما هو تفسير تلك الإجراءات الظالمة التي تتخذ بحقه والتي لا يستفيد منها سوى العناصر الإرهابية؟!.. أم أن هناك من لا يريد هذا البلد أن ينجح في هذه الحرب ليبقى الإرهاب هو البعبع الذي يستخدم في ابتزاز العرب والمسلمين وإضعاف أوطانهم؟. ذلك ما نتمنى ألاّ يكون صحيحاً خاصة في ظل التساؤلات التي تطرح حول الأسباب التي أدت إلى فشل الحملة الدولية ضد الإرهاب، فيما بقي الإرهاب منتشراً، وبقي أسامة بن لادن زعيم القاعدة يقض مضاجع التحالف الأطلسي بترسانته العسكرية الحديثة وأجهزته الاستخباراتية. وعلى نحو يضع الجميع أمام علامتي استفهام؟؟