من الطبيعي في ظل التعددية السياسية أن نجد تبايناً في بعض الأفكار والرؤى ووجهات النظر بين ألوان الطيف السياسي باعتبار أن الديمقراطية رأي ورأي آخر وتنافس شريف في البرامج الانتخابية من أجل الحصول على ثقة الناخبين في صناديق الاقتراع، لكن من غير الطبيعي أن يؤدي الاختلاف والتباين بالبعض إلى محاولة فرض قناعاته وتوجهاته ومواقفه على الآخر بل وعلى الشعب كما هو حال بعض قيادات أحزاب "اللقاء المشترك" التي جنحت - مع الأسف- الشديد- إلى نفس الخطاب الإعلامي والسياسي المتشنج وغير العقلاني الذي سبق وأن استخدمته قبيل الانتخابات النيابية عام 2003م، والذي اعتمد على تشويه صورة الواقع السياسي وتصعيد المكايدات السياسية وممارسة مختلف أشكال الابتزاز. وهذا الأسلوب أصبح ممجوجاً بعد أن سئمه أبناء الشعب اليمني الذين مازالوا يأملون من هذه القيادات الحزبية ألاَّ تتحول إلى أدوات لتعميم ثقافة التنافر وتكريس مبدأ "من لم يكن معي فهو ضدي" وتلغيم الحياة السياسية بهذا المنطق الذي لا ينم سوى عن رعونة شديدة تتصادم كلياً مع أسس وقواعد النهج الديمقراطي ومسارات العمل السياسي والحزبي السوي الذي لا مجال فيه للخصومة الصرفة والحدية المغرقة في الذاتية، حيث أنه ومهما اختلفت ألوان الطيف السياسي في قناعاتها ورؤاها فإنها تظل تلتقي في العديد من المبادئ والقواسم والغايات المشتركة وفي مقدمتها مصلحة الوطن وجعلها فوق كل المصالح، لكون ذلك هو محور المنافسة وليس غيره. ونعتقد أن أحزاب "اللقاء المشترك" معنية كغيرها بتمثل هذه الحقيقة التي تؤكد على أن الديمقراطية والحرية لا يمكن لها أن تستقيم وتنتظم كفكر وممارسة داخل هذه الأحزاب وخارجها، إلاَّ بجعل مصلحة اليمن أولاً وتطبيق ذلك قولاً وعملاً. وعلى هذا الصعيد، لا نجد منفعة أو مكسباً يمكن أن تحققه أحزاب "اللقاء المشترك" من وراء إعادة إنتاج نفس خطابها المتشنج الذي سبق وأن استخدمته بعد انتخابات 1997م وانتخابات 2003م والانتخابات الرئاسية والمحلية عام 2006م، خاصة بعد أن أثبتت التجربة فشل هذا الخطاب وعدم جداوه في إقناع الناس بصوابية مواقفها. وتخطئ هذه الأحزاب إذا ما اعتقدت أنها بهذا التوجه ستتمكن من تعطيل الاستحقاق الديمقراطي والدستوري المقبل المتمثل بالانتخابات النيابية، أو ثني الناس عن التمسك بهذا الحق أو إضعاف حماسهم للمشاركة الفاعلة في هذا الاستحقاق واختيار ممثليهم في البرلمان القادم، خاصة وأن قيادات هذه الأحزاب تعلم علم اليقين أن ذلك الخطاب المشحون بأساليب التضليل والخداع لم يزدها خلال السنوات الماضية إلا انزواءً وعزلة وابتعاداً عن الجماهير، إن لم يكن قد أفقدها الكثير من مناصريها، والدليل على ذلك أنها في كل دورة انتخابية تتراجع إلى الخلف على الرغم من كل التنازلات التي ظل يقدمها الحزب الحاكم من أجل انتشال هذه المعارضة من واقع الانتكاسات المتلاحقة التي تُمنى بها، لإيمانه بأن وجود معارضة قوية كفيل بتحقيق التكامل والشراكة بين طرفي المعادلة السياسية. ومن المفارقات العجيبة والمدهشة أن أحزاب "اللقاء المشترك" لم تتمكن حتى اليوم من فهم المغزى العميق لانفتاح فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح على المعارضة، بل أنها لم تستوعب بشكل خلاق مبادراته المتكررة ودعوته إياها إلى الحوار المسؤول لمناقشة كافة القضايا التي تهم الوطن والتوافق حول ما يمكن التوافق عليه وترك ما يمكن أن يكون اليوم مصدر خلاف للتحاور حوله في الغد والوصول إلى اتفاق بشأنه، ولو أنهم فهموا هذا المغزى لأدركوا أن فخامة الأخ الرئيس حريص كل الحرص على الارتقاء بالعمل السياسي وتطوير النهج الديمقراطي وصنع تجربة ديمقراطية وطنية متميزة تنأى بالقوى السياسية عن التجاذبات العقيمة والمكايدات والخلافات الهامشية، لتتفرغ السلطة والمعارضة للنهوض بمسؤولياتها في بناء الوطن وتحقيق ازدهاره وتقدمه باعتبار أن الوطن يتسع للجميع وملك للجميع ومسؤولية بنائه والدفاع عن أمنه واستقراره ومكاسبه وإنجازاته، مسؤولية الجميع دون استثناء. والمُحير بعد كل هذا، هو ذلك الإصرار العجيب والمريب من جانب بعض قيادات أحزاب "اللقاء المشترك" على السير المتعرج والمبالغة والتمادي في الخروج على الضوابط التي رسمها الدستور، واندفاعها إلى التعطيل وربط مطالبها بمصالح وغايات ضيقة على حساب المصلحة الوطنية العليا ولو كان ذلك عن طريق إثارة الفوضى والفتن والتحريض على العنف وجعل ذلك بديلاً عن الاحتكام للدستور، حتى غدا أي مطلب يدعوها إلى احترام الدستور مصدر قلق بالنسبة لها وتهديداً لوجودها.. والسؤال متى تستعيد هذه الأحزاب رشدها وتستوعب أن الديمقراطية ليست باباً مخلوعاً، لا تحكمه ضوابط أو حدود أو خطوط حمراء، وأن الديمقراطية وسيلة للبناء والإنجاز والنهوض بالوطن.. وكما يقال: فإن في سلامة العقل فائدة!!.