ما يهمنا في اللحظة الراهنة هو أن تستوعب القوى السياسية والحزبية، وبالذات أحزاب اللقاء المشترك ومن يتحالف معها ويقف إلى جانبها، أن أي تصعيد في خطابها الإعلامي، أو في الأعمال الاستفزازية والممارسات غير المسؤولة، في ظل تفاقم الأزمة القائمة، والتي كانت طرفاً رئيسياً في افتعالها، إنما سيؤدي إلى عواقب وخيمة وكارثية على الوطن وأبنائه جميعاً، وفي المقدمة منهم قيادات هذه الأحزاب، التي ستكون أول من سيكتوي ويحترق بنار أي انفجار يحدث. بل أنها ستكون أول الهالكين والمصطلين بالشرر المتطاير، ولن تستطيع هي ولا من يقف إلى جانبها سواء كان في الداخل أو في الخارج كبح جماح الكارثة إذا ما حلت لاسمح الله أو حتى النجاة من ويلاتها. وبما أن التصعيد غير مأمون العواقب، فإن البديل الأسلم هو الحوار ولا غيره. من أجل الوصول إلى رؤية مشتركة تخرج البلاد من عنق الزجاجة والأزمة القائمة وتنأى بها عن الوقوع في مهاوي الفتن والصراعات الداخلية. وبالتالي فإن ما نريد أن يفهمه هؤلاء الذين يتنقلون دون ككل أو ملل من فضائية إلى أخرى ويسعون إلى تصدر المشهد السياسي، عبر تحليل الأحداث وفق رؤاهم ونظرتهم القاصرة، أن الشعب اليمني أذكى من أن تخدعه التنظيرات والشعارات الجوفاء. كما أنه لم تعد تنطلي عليه تلك الدعاوى الزائفة والأحاديث الممجوجة التي تظهر فيها بعض الوجوه وكأنها تفهم في كل شيء، مع أنها لا تدري ماذا تريد أو ما الذي تبحث عنه، بدليل أن هؤلاء الذين وجدوا في من يعتصمون ببعض الساحات ضالتهم في تأزيم الأوضاع وتوسيع شقة الخلافات، وتعميق الهوة بين أطراف المعادلة السياسية على الساحة الوطنية، هم أنفسهم من يظهرون في كل منعطف بغية وأد أي اتفاق والحيلولة دون الوصول إلى أي توافق، لكونهم لا يستطيعون العيش إلاّ في ظل الخلافات والتأزم ومناخات الفوضى والخراب والدمار، وهي نفس الوجوه التي تسببت في افتعال أزمة عام 1993م التي أفرزت حرب صيف عام 1994م، وكانت وراء الكثير من الأزمات التي اكتنفت الساحة السياسية والواقع الاجتماعي خلال العقدين الماضيين. وفي إطار هذه النزعة العدائية التي اعتاد أصحابها على التكسب من وراء إشعال الحرائق، هاهي بعض تلك الوجوه الكالحة، قد اتجهت في الآونة الأخيرة إلى تأجيج الأزمة من عدة منافذ، تارة باستخدام الإعلام في الترويج لثقافة الكراهية والبغضاء والنزعات القبلية والمناطقية والجهوية والعصبيات المقيتة والمتخلفة، وتارة من خلال وضع العراقيل وزرع الأشواك في طريق أي جهود أو مساعٍ خيِّرة لحل الأزمة القائمة في اليمن ونزع فتيلها وطي صفحة الخلافات بين أطرافها، وبما يصون اليمن ووحدته وأمنه واستقراره من أي تداعيات خطيرة. ومرة ثالثة بالتذرع بالمعتصمين في بعض الساحات الذين هم جزء لا يتجزأ من التكوينات الحزبية للقاء المشترك لتأزيم الأوضاع وشرعنة الفوضى وخلط الحابل بالنابل. والحقيقة التي ينبغي أن يعلمها الجميع أن حل الأزمة الجاثمة فوق صدورنا لا يمكن أن يتم من خلال أولئك السياسيين المأزومين الطامعين في السلطة والحالمين بالقفز إلى كراسي الحكم، حتى ولو كان ثمن ذلك تدمير اليمن وتمزيقه وتفتيته إلى عدة كيانات متناحرة، كما أنه لا يمكن أن يأتي الحل أيضاً عبر أولئك المتسلقين وراكبي الموجة ومحترفي الأكل على كل الموائد. ولا يتأتى عن طريق من يتاجرون بدماء الشباب أو من يتسلقون على مطالبهم أو من يبحثون عن زعامة زائفة من خلال ساحات الاعتصامات. ولذلك فإننا لا نعول على مثل هؤلاء في إخراج الوطن من أزمته الراهنة، ففاقد الشيء لا يعطيه، وإنما نعول على العقلاء من أصحاب الرؤى المتعمقة والعقول المتوازنة والنوايا الحسنة والمواقف المعتدلة، الذين يحبون اليمن ويحبون له الخير والأمن والأمان، ويضعون مصلحته فوق أية مصلحة أخرى. هؤلاء هم من نراهن عليهم في الانتصار للوطن والسير مع كل الصادقين والمخلصين للمضي بهذا الوطن إلى بر الأمان.