الذين يحرضون على أعمال العنف والاعتداء على المنشآت والمؤسسات العامة والخاصة وتعطيل مصالح المواطنين، وزعزعة الأمن والاستقرار، وتعميم الفوضى والتصرفات الغوغائية التي تشرعن لقطع الطرق وممارسة السلب والنهب وزرع الخوف والرعب والمصادمات بين المواطنين، وإحداث انقسام في النسيج الاجتماعي، هؤلاء مع الأسف لا يستهدفون النظام السياسي والشرعية الدستورية فقط، وإنما يستهدفون أمن اليمن واستقراره، ويستهدفون وحدة هذا الوطن، وكل منجزاته ومكاسبه. فطالما أنهم قد فشلوا في الوصول إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، وطالما أنهم عجزوا عن تحقيق مراميهم عبر الوسائل الديمقراطية والمشروعة، فقد اختاروا هذا الطريق المحفوف بالأشواك والمخاطر الماحقة والمدمرة مدفوعين بالمقولة الشمشونية: "عليّ وعلى أعدائي يارب" دون إدراك أن هذا الاندفاع المتهور قد يتحول إلى كارثة على أصحابه قبل غيرهم، فإذا سقط سقف المعبد فإنه سيسقط على رؤوس الجميع، وفي المقدمة منهم، أولئك الذين ركبوا موجة الاعتصامات من أجل تنفيذ أجندات سياسية أو حزبية أو أهداف ضيقة أو أنانية. ويخطئ هؤلاء ومن لفّ لفهم أو تحالف معهم من بقايا عهود الكهنوت الإمامي أو الواهمين بعودة أزمنة التشطير والتجزئة والانفصال، أو الحالمين بالقفز إلى كراسي الحكم عن طريق تعميم الفوضى "الخلاّقة" إذا ما ظنوا أن بوسعهم مخادعة هذا الشعب، أو إقناعه بأنهم حريصون على اليمن ووحدته وأمنه واستقراره وسلامة نهجه الديمقراطي، خاصة وأن هذا الشعب صار واعياً بكل ما يحيط به من المؤامرات والمخططات التمزيقية، التي تقودها بعض الأطراف الانفصالية وحلفاؤها من الإماميين الحوثيين وعناصر الإرهاب من تنظيم القاعدة، وهم من التقت مصالحهم على هدف واحد، هو الانقلاب على الشرعية الدستورية وإسقاط النظام السياسي باعتبار أن ذلك هو الكفيل بوصول كل منهم إلى غاياته الدنيئة وأجندته الخاصة والمشبوهة. والمثير حقاً أن تصبح أحزاب اللقاء المشترك هي الواجهة التي توفر الغطاء لكل هذه النتوءات، إلى درجة أنها تماهت معها في نطاق ذلك المشروع التدميري الذي يستهدف اليمن بكل ما فيه أرضاً وبشراً وحضارة وتاريخاً ووجوداً. ولن نبتعد عن الحقيقة إذا ما قلنا أن الرهان الأول ينصب على أبناء الشعب اليمني العظيم لإفشال هذا المشروع التدميري وإسقاط مرامي أصحابه، ورد كيدهم إلى نحورهم، وبالذات أولئك الذين دفعوا بشباب أحزابهم إلى ساحات الاعتصامات بهدف تحويلهم إلى ورقة ضغط على الطرف الآخر، وورقة إعلامية لكسب تأييد الرأي العام الخارجي لتصوير هذه الاعتصامات وكأنها جزء لا يتجزأ من الحركات الاحتجاجية الشعبية التلقائية، التي شهدتها العديد من الدول العربية مدفوعة بمطالب مشروعة للإصلاح السياسي. وما ينبغي أن ننبه إليه أولئك الشباب الذين زجت بهم أحزابهم إلى ساحات الاعتصامات، تحت تأثير الالتزام الحزبي أو الايديولوجي أو السياسي، والتي يتحول فيها الافتراض أحياناً إلى يقين والأراجيف والأكاذيب السياسية إلى حقائق، خاصة لدى الشباب الذين لم يصلوا إلى مستوى عال من النضوج الفكري والذهني والسياسي، هو أن يحذروا من أن يصبحوا مطية أو سُلّماً لقيادات أحزابهم التي تمارس السياسة على قاعدة ميكافيللي "الغاية تبرر الوسيلة" والتي ليس فيها قيم أو أخلاق تحكم السياسة. ولذلك فإن ما نخشاه أن يصبح هؤلاء الشباب ضحية لمكر أولئك السياسيين الذين تصحرت عقولهم من كل ما هو واقعي وعقلاني واستبد بهم التعصب والتهور، إلى درجة صاروا فيها على استعداد لإغراق هذا الوطن بشلالات من الدماء، وأكوام من الأشلاء، إذا ما كان ذلك هو الثمن للقفز إلى السلطة. وها هي مؤشرات هذا النزوع الطائش والمجنون تبدو جلية في ما تطلقه هذه القيادات من تصريحات تحريضية تارة بدعوتها الشباب إلى احتلال المنشآت والمرافق العامة، وأخرى بالزحف على المقرات السيادية، وثالثة بمهاجمة غرف النوم. والخطورة أن من يدفعون الشباب إلى هذه المحرقة هم من يختبئون وأولادهم وأسرهم في منازلهم أو فللهم التي يملكونها في بعض العواصم العربية والأجنبية. والخطورة الأكثر أن يصبح الأمر خارج السيطرة وينقلب السحر على الساحر، وتعم الفوضى العارمة التي يصعب محاصرتها وتطويق نيرانها. وإذا ما حدث ذلك – لا سمح الله- فإن المتضرر الأول سيكون أولئك الشباب وأسرهم وشعبهم الذين سيخسرون أمنهم حينما يحاصرهم الخوف في منازلهم فضلاً عن النتائج الكارثية التي ستحيق بالوطن ووحدته وسلمه الاجتماعي. وإذا ما سقط الوطن، فلا معنى للحياة على الإطلاق.