لاشك أن أية محاولة للانقلاب على الشرعية الدستورية والنهج الديمقراطي لن يكتب لها النجاح، وستبوء بالفشل والخسران، ولن يجني من ورائها أصحابها أي مكسب سياسي أو حزبي، وسيدرك أولئك الذين يسعون إلى الزج بالوطن في أتون أزمة جديدة تضاف إلى الأزمة القائمة أن أية محاولة لخلق واقع سياسي جديد بعيداً عن إرادة الشعب ووسائل الحوار، لن تكون أكثر من مغامرة غير محسوبة ومقامرة غير مضمونة النتائج بالنسبة لهم ومن وراءهم ومن يدفعهم إلى ذلك سواء من الداخل أو الخارج، لأن الشعب اليمني يستحيل أن يقبل بأية أجندة تفرض عليه من أي طرف كان وتحت أي مسمى. وإذا كان هناك من يفكر بتنصيب نفسه وصياً على أبناء الشعب اليمني أو متحدثاً باسمه وهو الذي لا يمثل سوى نفسه وشخصه وحزبه الذي ينتمي إليه فإن من الأجدى له أن يعلم علم اليقين أن لهذا الشعب مؤسساته التي يحق لها دون غيرها الحديث باسمه، كما أن لهذا الشعب ممثلين في السلطة التشريعية والمجالس المحلية تم انتخابهم من قبله لكي يكونوا صوته المعبر عن تطلعاته وآماله وطموحاته. ولا نعتقد أن هذا الشعب بحاجة إلى من يتحدث باسمه من خارج تلك القنوات الدستورية والديمقراطية لأنه لم يفوض أيّاً من أولئك المتطفلين عليه، والذين هم أحوج ما يكونون إلى إثبات أن ما يطرحونه يندرج في إطار قناعاتهم وليس مملى عليهم من قبل أية قوى داخلية أو خارجية تضمر شراً لليمن ووحدته وأمنه واستقراره، خاصة وأن ما يثير الشكوك أن مثل هؤلاء الذين يتصدرون قيادة العمل الحزبي في بعض أحزاب المعارضة صاروا يظهرون علينا كل يوم بمشروع، بل أن من يقرأ المشهد سيجد أن هذه القيادات الحزبية تُظهرُ غيرَ ما تبطنُ إلى درجة يستحيل معها فهم ما تريد وهي تتقلب من حال إلى حال. لقد كان الجميع ينتظر من هذه القيادات الحزبية إعلان تفاعلها مع البيان الصادر عن مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي، والداعي إلى حوار شامل بين الأطراف اليمنية، من أجل إخراج بلادها من الأزمة الراهنة، إلاّ أن هذه القيادات، وبمجرد أن رحب المؤتمر الشعبي العام وأحزاب التحالف الوطني الديمقراطي بتلك الدعوة، عمدت إلى الهروب نحو مشروع انقلابي كان أولَ من روّج له "قناة الجزيرة" التي حرصت منذ البداية على تصوير ما يعتمل في اليمن وكأنه مشابه أو امتداد لما حدث في بعض الأقطار العربية. ولسنا بحاجة لتذكير القيادات الحزبية التي أفصحت مؤخراً عن نواياها ورغبتها عبر وسائل الإعلام في الانقلاب على الشرعية الدستورية والنهج الديمقراطي، أن النظام السياسي في اليمن قد جاء إلى السلطة عن طريق بوابة الديمقراطية وصناديق الاقتراع وبانتخابات حرة شفافة ونزيهة جرت تحت رقابة محلية وعربية ودولية. كما أن هذا النظام ليس مجرداً من الغطاء الشعبي كما تحاول أن توحي بذلك هذه القيادات، بل أن قوته الجماهيرية تفوق قوة أحزابها عشرات المرات. وإذا كان هذا النظام قد حرص على تقديم الكثير من المبادرات بهدف تجنيب اليمن حمامات الدم والفوضى والخراب والدمار، فإنه قد انطلق في كل ذلك من عامل قوة وليس ضعفاً، وذلك ما يجب أن يكون واضحاً لمن استهوتهم لعبة التجاذبات وشجعتهم احتقانات الأزمة الراهنة، على الإفصاح عن مشروعهم الانقلابي، دون أي اعتبار منهم للدستور النافذ وللمؤسسات الشرعية واستحقاقات العملية الديمقراطية وإرادة الشعب اليمني في صناديق الاقتراع، وهم بذلك إنما يدفعون باليمن إلى منزلقات الفوضى تمهيداً لكي يسيطر عليها تنظيم القاعدة والعناصر التخريبية والانفصالية والمتربصون بها من قوى الشر في الداخل والخارج. فهل تدرك هذه القيادات الحزبية عواقب مغامراتها والنتائج الكارثية المترتبة عنها؟.. أم أنها صارت في واد والعقل في واد آخر؟.