قرار رئيس الجمهورية بتفويض نائبه بالصلاحيات الدستورية لإجراء حوار مع الأطراف الموقعة على المبادرة الخليجية، والاتفاق على آلية مزمَّنةٍ لتنفيذها، والسير في عملية التنفيذ للمبادرة برعاية إقليمية ودولية، وبما يفضي إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة تضمن انتقالاً سليماً وديمقراطياً للسلطة. هذا القرار لاشك وأنه جاء نابعاً من حرص مسؤول ووطني على حلحلة الأزمة السياسية الراهنة، من خلال التوصل إلى حل يحفظ لليمن وحدته وأمنه واستقراره وسلمه الاجتماعي. والمطلوب هو أن يتحلى الجميع بروح المسؤولية التي عبر عنها مضمون قرار رئيس الجمهورية، وأن يجعلوا مصلحة الوطن تسمو على كل المصالح والاعتبارات، وأن يأخذوا القدوة والمثال من فخامة رئيس الجمهورية الذي برهن بالأقوال والأفعال على أن الأولوية بالنسبة له هي مصلحة اليمن، وأن أي تنازلات تقدم من أجله تهون. كما أن من المفترض أن تقابل هذه الخطوة الشجاعة بترحيب جميع الأطراف لكونها قد حملت أسس الحل الناجع للأزمة السياسية التي تنخر في الوطن كالسوس لتلحق الضرر البالغ بالاقتصاد الوطني والأوضاع الأمنية والأحوال المعيشية للمواطنين، الذين يتجرعون علقم التأثيرات السلبية لهذه الأزمة منذ أكثر من ثمانية أشهر. وما ينتظر من أحزاب اللقاء المشترك هو التحرك في اتجاه الحوار مع المؤتمر الشعبي العام للاتفاق على آلية تنفيذ المبادرة الخليجية ضمن تسلسل مُزَمَّن لخطوات التنفيذ، وصولاً إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة يقول فيها الشعب كلمته وهو يختار رئيسه الجديد، باعتبار أن الشعب هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في أي من القضايا التي تهم الوطن وأمنه واستقراره، ومن ذلك حقه في اختيار حكامه ضمن أطر دستورية وديمقراطية لا مجال فيها للوصاية عليه، كما أن في ذلك ضماناً للنهج الديمقراطي وبقائه كخيار حضاري، تتجسد على قاعدته مبادئ التداول السلمي للسلطة والاحتكام لإرادة الشعب، بعيداً عن المشاريع الانقلابية ودورات العنف والصراع على كراسي الحكم. وبكل تأكيد فإن قرار رئيس الجمهورية بتفويض نائبه بالحوار مع الأطراف الموقعة على المبادرة الخليجية، لا يمثل فقط تقديراً لمن وضعوا هذه المبادرة من الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي، بل أن هذا القرار يفتح الباب على مصراعيه أمام الأطراف السياسية للسير معاً نحو التوافق وإخراج اليمن من أزمته الطاحنة، وطي صفحة هذه الأزمة وما تسببت فيه من تداعيات. ونعتقد أن الكرة الآن صارت في ملعب أحزاب اللقاء المشترك التي لم يعد بمقدورها التحجج بأي مبررات للتلكؤ في مباشرة عملية الحوار وتنفيذ المبادرة الخليجية وتحقيق الانتقال السلمي والدستوري للسلطة. والواقع أنه ليس هناك أفضل من المخارج التي وردت في قرار رئيس الجمهورية، فهي تضع الوطن على مشارف مرحلة جديدة يتلازم فيها مسارا الديمقراطية وصيانة الحقوق الدستورية بمنأى عن المنطق الانقلابي الذي أصبح مرفوضاً منطقياً وواقعياً وشعبياً. وما نريده اليوم هو أن نورث أجيالنا الجديدة وطناً خالياً من الأحقاد والضغائن، ومن كل المفردات والشعارات التي تقودها إلى منزلقات الصراع والفوضى والفتن المدمرة. وإلى جانب ذلك فإن أقل شيء نقدمه لشعبنا في هذا الظرف العصيب هو أن نعيد له البسمة ونفتح أمامه أفقاً جديداً للخروج من الأزمة الراهنة قريباً.