إصرار أحزاب اللقاء المشترك على رفض الحوار والمبادرة الخليجية والانتقال السلمي والديمقراطي للسلطة، واندفاعها في اتجاه تأجيج الأوضاع وتصعيد اعمال العنف والشغب والفوضى والتخريب، والتوسع في الاعتداءات على النقاط الأمنية والمعسكرات، تحت شعار "التصعيد الثوري وإسقاط النظام" كما كشفت عن ذلك الرسالة الموجهة منها إلى اللواء المنشق علي محسن منتصف الشهر الماضي، والتي تم تداولها في وسائل الإعلام، هو تأكيد واضح من هذه الأحزاب بأنها قد ألغت من قاموسها الحلول السلمية والديمقراطية، وأعلنت الحرب على الوطن اليمني وأبنائه، وصارت مستعدة لإغراق اليمن في حمام من الدماء والأشلاء، إذا ما كان ذلك سيمكنها من القفز إلى السلطة وكراسي الحكم، وفرض هيمنتها على هذا الشعب، الذي امتلك بالديمقراطية قراره وخياراته وإرادته الحرة وحقه في حكم نفسه بنفسه. وليس هناك تفسير آخر لحالة الرفض والتعنت والعناد التي تقابل بها أحزاب المشترك كل المساعي والمبادرات والجهود الخيرة المبذولة من قبل بعض الأطراف الوطنية وكذا من عدد من الأشقاء والأصدقاء الحريصين على رأب الصدع بين الأطراف السياسية اليمنية وتشجيعها على تجاوز خلافاتها عبر الحوار والتفاهم والتوافق على الوسائل الناجعة والسبل الكفيلة بالخروج من نفق الأزمة الراهنة. وربما غاب عن ذهن قيادات هذه الأحزاب أنها بالنزوع نحو العنف ونشر الفوضى تضع نفسها تحت طائلة القانون، الذي عمدت إلى انتهاكه في وضح النهار وذبحته من الوريد إلى الوريد. وربما غاب أيضاً عن هذه القيادات أنها بانغماسها في إذكاء الفتن وإشعال الحرائق والتحريض على أعمال العنف والتخريب وسفك الدماء، ترتكب حماقة كبرى بحق هذا الوطن ووحدته ونهجه الديمقراطي وتسيء إساءة بالغة للتعددية السياسية ومبدأ التداول السلمي للسلطة وقيم التعايش والتسامح والسلام. وما كنا نود أن نرى هذه الأحزاب وقياداتها بهذه الصورة التي يتقزم فيها البعض إلى درجة تثير الغصة والألم والحسرة على هذا البعض الذي يصر أفراده على أن يظلوا بين الصغار على الرغم من أن بوسعهم أن يكبروا بكبر هذا الوطن، وأن يصبحوا من أدوات بنائه لا معاول لهدمه. ومع أن أحزاب اللقاء المشترك بمثل هذه المواقف المتخبطة المتذبذبة صارت كفيفة وعاجزة عن رؤية حقائق الواقع، فإنها تستحق الإشفاق عليها وهي تنهش يومياً من تجار الحروب والأزمات والنافخين في كير الفتن الذين لا يحلو لهم العيش إلاّ في ظل الصراعات والتوترات والمآسي والويلات. والسؤال الذي يطرح نفسه: عن أي تغيير يتحدث هؤلاء وهم الذين يرفضون الديمقراطية ويرفضون الحوار ويرفضون الحلول السلمية ويحرضون على العنف، ويقطعون الطرق الآمنة، ويضربون أبراج الكهرباء ويسفكون دماء الأبرياء، ويفجرون أنابيب النفط، ويمنعون التعليم في المدارس والجامعات، ويعتدون على الممتلكات العامة والخاصة ويقومون بنشر الفوضى والخراب والدمار، ويروعون الأطفال والشيوخ والنساء؟ وإذا ما كان هذا هو التغيير الذي يريدونه فلنقل على الدنيا السلام. وأي تغيير يتحدث عنه هؤلاء وهم من سرقوا أحلام الشباب وتطلعاتهم وآمالهم التواقة لغد أفضل وحولوا قضايا الشباب إلى سلع يتاجرون بها في أسواق النخاسة ليكتشف الشباب في النهاية أن من خرجوا ينددون بفسادهم وعبثهم صاروا هم من يتحكمون فيهم ويطالبونهم بالهتاف لهم فتركوا الساحات وعادوا إلى منازلهم ولم يتبق في تلك الساحات والخيام سوى عناصر حزبية متطرفة ومليشيات مسلحة تابعة لحركة الإخوان المسلمين تم تأليبها من مختلف مناطق اليمن. وأخشى ما نخشاه أن التغيير الذي يبشرنا به هؤلاء لا يعدو كونه إحلالا وتكريساً لمشروع طالبان في اليمن. ومن يرضى بذلك من أحزاب اللقاء المشترك فإنه يخون هذا الوطن ويخون الديمقراطية والتعددية السياسية وثقافة الشعب اليمني القائمة على الوسطية والاعتدال، بل ويخون الأجيال القادمة التي تنتظر منا أن نورثها وطناً يشع بالأمل والتفاؤل والأمن والأمان والاستقرار وليس أطلالاً وخرائب وحواجز ومتارس تثير الرعب والمخاوف.