لم يبتعد فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية، عن الحقيقة حينما أشار يوم أمس إلى أنه وفي ظل الأزمات المتداخلة والمتفاقمة التي تحيط هذه الأيام بوطننا، فإن العديد من التحديات والمخاطر الكبيرة تلقي بظلالها على بلادنا وشعبنا وتتهدد حاضرنا ومستقبلنا. فالواقع أن ما يعتمل على السطح يضعنا جميعا - سلطة ومعارضة، أحزابا وأفرادا - على مفترق طرق وأمام وضع مليء بالتعقيدات يقتضي التعامل معه المزيد من الحكمة والتعقل، وتغليب مصلحة الوطن وأمنه واستقراره ووحدته وسلمه الاجتماعي على أية اعتبارات أخرى أو مصالح ذاتية أو حزبية ضيقة، لأن الوطن إذا سقط لن نجد وطنا بديلا عنه يؤوينا من التشرد والضياع. إننا بالفعل أمام مجموعة من الأزمات المتداخلة والمتشابكة التي تدفع بوطننا في اتجاه الانفلات، والسقوط في مستنقع التناحر والحروب الأهلية والانقسام والتشرذم، وإذا ما سمحنا لهذا الطوفان أن يجرفنا إلى حيث لا ندري ولا نعلم، فإننا جميعا سندفع الثمن باهظا ولن يستثنى أحد من ذلك بل أن من ينفخون في كير الأزمة الراهنة ويعملون على تصعيد الأوضاع عن طريق دفع الأمور نحو الفوضى والمواجهات الدامية، سيكونون أول الخاسرين وأول من يعضون على أصابع الندم. وإزاء كل ذلك فإننا كأبناء وطن واحد معنيون بإخراج بلادنا من فخ الأزمات المتداخلة التي تحاصرها والتحديات التي تتهددها وفي المقدمة من ذلك التحدي الإرهابي الذي تسعى عناصره المتطرفة إلى استثمار تداعيات الأزمة السياسية الراهنة من أجل تحويل اليمن إلى معقل ومأوى لتنظيم القاعدة الإرهابي، وساحة لمواجهة دولية مع هذا التنظيم. حيث وأن كل المؤشرات تؤكد أنه لا مستفيد من وراء المحاولات المستميتة التي تبذلها أحزاب المعارضة في "اللقاء المشترك" ومن تحالف معها من القوى الانقلابية والمتمردة بغية إسقاط النظام سوى تنظيم القاعدة، الذي لا شك وأنه يقيم استراتيجيته انطلاقا من إسقاط السلطة والمعارضة معا وذلك بعد استنزافهما في مواجهات عبثية وغير مبررة تفضي بهما إلى تسليم البلاد والعباد لذلك التنظيم المتطرف الذي يعلم جيدا بأن وصوله إلى أهدافه الخبيثة لا يمكن أن يتحقق إلا بسقوط النظام السياسي القائم في اليمن. أما المعارضة فهو الأقدر عليها وعلى ضرب مقومات وجودها بما في ذلك من يتحالفون مع هذا التنظيم في الوقت الراهن ضمن مخطط إضعاف النظام ونشر الفوضى في اليمن. وسواء أدركت القوى الانقلابية والمتمردة والخارجة على النظام والقانون أنها لن تكون البديل قطعيا لهذا النظام الذي تتآمر عليه وتسعى إلى إسقاطه، أو لم تدرك فإن البديل إذا ما سقط النظام لا سمح الله لن يكون سوى تنظيم القاعدة الذي لن يقبل باستمرار العملية الديمقراطية ونهج التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة لأنه لا يعترف إلاّ بفكره وثقافته وأيديولوجيته التي تتغذى من منابت التطرف والتعصب والغلو. وإذا كانت هذه القوى الانقلابية والمتمردة تعتقد أن بوسعها أن تكون جزءاً من مشروع القاعدة فإن عليها أن تعي جيداً أن الشعب اليمني العربي والمسلم الذي حمل أبناؤه رسالة الإسلام وقاموا بنشرها في أصقاع المعمورة لا يمكن لهم بأي حال من الأحوال ومهما كانت التضحيات أن يقبلوا بأن يسقط وطنهم في فخ هذه المؤامرة القذرة التي حيكت خيوطها ودبرت بليل، وأن الحكمة اليمانية التي يتباهى بها أبناء هذا الشعب كفيلة بإيقاظ كل العقلاء والصادقين والمخلصين مع وطنهم من سباتهم وإخراج الذين لم تتلوث أيديهم وضمائرهم من دائرة الصمت والمواقف السلبية ليبرهن حكماء اليمن من مشائخ ووجاهات وعلماء ومفكرين وقادة سياسيين أنهم قادرون على ايقاف كل عابث ومارق وطامع ومتربص، عند حده وتجنيب وطنهم وشعبهم ويلات الوقوع في أتون حرب أهلية، تستنزف ما تبقى من مقدرات هذا الوطن وتثخنه بالجراحات والآلام والمآسي التي سيجد جميع أبنائه أنفسهم حطبآ لها. وما هو مطلوب اليوم هو أن يتحرك أولئك العقلاء الصادقون مع أنفسهم ووطنهم وشعبهم قبل فوات الأوان.