أيام قليلة ويتم الإعلان عن تشكيلة حكومة الوفاق الوطني، التي سيتم اختيار شخوصها مناصفة بين المؤتمر الشعبي العام وحلفائه وأحزاب اللقاء المشترك وشركائها. وكما هو واضحٌ وجليٌّ من حالة الترقب التي تسبق الإعلان عن هذه الحكومة، فإن الجميع يعلقون آمالاً عريضة على حرص طرفي المعادلة على حسن الاختيار، وأن تكون الكفاءة والخبرة والنزاهة والإخلاص للوطن هي المعايير الأساسية لهذا الاختيار. لأن ما نحتاجه هو حكومة تكنوقراط قادرة على تنفيذ مهام المرحلة القادمة، بدءاً بإزالة أسباب الاحتقان وإنهاء المظاهر المخلة بالأمن والاستقرار وفتح الطرق والشوارع وإعادة الكهرباء الى وضعها الطبيعي وإيقاف كل التجاوزات والعراقيل التي تقف في طريق تطبيع الأوضاع، وانسيابية الأنشطة العامة في مختلف القطاعات التنموية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، والتخاطب مع الدول الشقيقة والصديقة والمؤسسات الدولية المانحة للحصول على الدعم الكافي لإعادة الإعمار، وتنفيذ الأفكار التي تم طرحها يوم أمس خلال لقاء الأخ نائب رئيس الجمهورية المناضل عبدربه منصور هادي بسفراء دول مجلس التعاون الخليجي والدول دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي، وذلك من خلال حث كل هذه الأطراف على الإيفاء بوعودها والتزاماتها في دعم جهود التنمية الاقتصادية، باعتبار أن مثل هذا الدعم سيسهم إلى حد كبير في تمكين اليمن من تجاوز الآثار السلبية للأزمة التي ألحقت ضرراً بالغاً بكل هياكل الحياة وأثقلت أعباؤها كاهل الناس. ومثلما هو مطلوب من الأحزاب أن تكون عوناً لهذه الحكومة حتى تنجح في أداء مهامها، فإن الآخرين أيضاً- أفراداً وجماعات- مطالبون بأن يضعوا أيديهم في أيدي من سيتم اختيارهم لشغل حقائب حكومة الوفاق الوطني، خاصة وأن ذلك سيشكل حافزاً ودافعاً قويّاً لتعزيز روح الوفاق والتوافق، واختصار المسافات أمام عملية إعادة الإعمار، وإنعاش العملية الاقتصادية والتنموية وإكسابها ديمومة جديدة. ونعتقد أن نجاح حكومة الوفاق سيكون مرهوناً بحسن الاختيار لشخوصها من قبل المؤتمر والمشترك اللذين يتعين أن يتفهما الضرورات التكاملية في هذه المرحلة التي تتشابك فيها العديد من العوامل الداخلية والخارجية، وأن يظهرا قدراً عالياً من الحرص حيال المهام التي ينبغي لهذه الحكومة التعاطي معها وفي مقدمتها العمل على رأب الصدع وتقريب وجهات النظر وتجفيف منابع التوتر وتكريس مناخات الثقة، وردم الهوة التي زادت اتساعاً خلال أشهر الأزمة، وتوحيد كل الجهود والقدرات وتوجيهها نحو البناء والنهوض بالوطن. وإذا ما أردنا أن نتجاوز ما نحن فيه من أزمات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية فلابد أن نترفع عن الصغائر والأحقاد وأن نجعل مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات الذاتية والحزبية، وأن تتحرى المصداقية في القول والعمل بعيداً عن العناصر المأزومة - في هذا الجانب أو ذاك- التي هي أحوج ما تكون إلى فهم طبيعة المرحلة والتي تقتضي إصلاح ما فسد وبناء ما تخرب وإقامة ما تدمر. وإعادة السكينة إلى نفوس المواطنين، والتخفيف من معاناتهم، وبث الأمل في نفوسهم، وإخراجهم من دائرة الإحباط، التي كادت أن تستفحل في الواقع الاجتماعي بفعل الأزمة الماحقة التي مرّ بها الوطن خلال الأشهر العشرة الماضية. ولا شك أن كلاًّ من طرفي المعادلة على دراية بما يتطلع إليه الناس وما ينتظرونه وما يأملونه من أجل إصلاح أحوالهم، خاصة بعد أن صبروا وتحملوا الكثير من المعاناة والمتاعب الجمَّة. ولذلك فإن هذا الشعب سيكون رقيباً على الطرفين وسيقيم أداء كل منهما، وسيقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت، والحاذق الحصيف هو من سيعمل على كسب ثقة الشعب من خلال عمله وأدائه المنزه من كل الشبهات والأفعال المثيرة للشقاق والخلاف ونزعات الانتقام والأحقاد والضغائن. ومن يراهن على غير الشعب وحكمه وتقييمه إنما يتشبث برهان خاسر بكل المقاييس.