فيما تلفظ الأزمة السياسية أنفاسها الأخيرة بعد التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومباشرة الإجراءات المتصلة بالتسوية التي تم التوافق عليها من قبل الأطراف السياسية والحزبية، في هذا الوقت تحديداً ما يزال هناك من يحاول إثارة المنغصات والمتاعب للمواطنين، وذلك عبر التقطع لناقلات المشتقات النفطية ومنع وصولها إلى العاصمة صنعاء وإحداث أزمة خانقة وتعطيل مصالح الناس، ومثل هذا التصرف غير المسؤول لا نعتقد أن أي عاقل يمكن أن يرضى به باعتبار أن قطع الطريق العامة والآمنة عمل منبوذ يجرمه الدين والعقيدة والقيم الحضارية للإنسان اليمني. وبصرف النظر عن دوافع أولئك الذين قاموا بالتقطع لناقلات المشتقات النفطية ومنع وصولها إلى العاصمة صنعاء، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال تبرير هذه الممارسات الحمقى أو السكوت عنها أو التحريض عليها أو التسامح مع من يقترفها أياً كان سواء كان قريباً أو منتمياً للحزب الحاكم أو أياً من أحزاب اللقاء المشترك. كما أنه ليس من الواقعية أن نتيح لبعض المزايدات أو العاطفة الحزبية أن تدفع بنا إلى الخلط بين الجائز وغير الجائز والمقبول وغير المقبول والتعبير عن الرأي وانتهاك حقوق شعب بأكمله. كما أن من غير المنطقي أن نجد من يتباكون على ما يكابده المواطنون من معاناة، نتيجة انقطاع التيار الكهربائي وأزمة المشتقات النفطية يصمتون صمت النيام إذا ما كان المعتدي على أبراج الكهرباء أو أنبوب النفط أو ناقلات البنزين والديزل هو من ينتمي إلى أحزابهم. ويصبح الأمر كارثياً حينما يتحول هذا الصمت أو التغاضي إلى منهجية يتبعها البعض للتنصل من مسؤولياتهم تجاه مثل تلك الأعمال التي تنتهك سيادة النظام والقانون وكل الشرائع والأعراف والقيم الأخلاقية والإنسانية، ظانين أنهم بذلك ينتقمون من خصومهم السياسيين، فيما هم في الحقيقة ينتقمون من الشعب ويعملون على زرع الأشواك في طريقه. والحق أن من يقوم بقطع الطريق أمام حركة ناقلات المشتقات النفطية خارج على النظام والقانون وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف والأعراف والتقاليد القبلية، ولا بد أن يدان من جميع الأطراف لكونه خارجاً عن منظومة المجتمع والضوابط التي تحكم علاقاته. لقد آن الأوان لأطراف الأزمة السياسية أن تغير من أساليبها خاصة وهي ستصبح شريكة في السلطة وشريكة في تحمل أعباء المسؤولية وشريكة في إدارة شؤون الوطن. كما آن الأوان لهذه الأطراف أن تصبح أكثر استعداداً للتصالح والتسامح وإغلاق صفحات الماضي والانشغال بالحاضر والمستقبل بعيداً عن الخصومات والثارات والأحقاد التي ألحقت الضرر البالغ بالوطن وتجربته السياسية والديمقراطية. ويتعين على هذه الأطراف أن تدرك أيضاً أن من قام بالأمس بالاعتداء على أبراج الكهرباء وأنابيب النفط وتمادى أيضا في قطع الطريق ومنع ناقلات الديزل والبنزين من الوصول إلى صنعاء وتغطية احتياجات الناس من هذه المادة بهدف إثارة البلبلة والسخط على حكومة المؤتمر، لن يتورع هو وغيره عن تكرار نفس السيناريو اليوم للنيل من حكومة الوفاق الوطني وتحريض الناس على الوزارات التي تدار من قبل أحزاب المشترك وشركائها.. وبالتالي فليس من مصلحة أي طرف شرعنة مثل هذه السلوكيات الخاطئة أو التغاضي عنها أو تشجيع من يقوم بها تحت ذريعة الانتقام أو تصفية الحسابات السياسية مع الآخر. ومن المصلحة أيضاً ألا نترك الأهواء الحزبية تبعدنا عن لغة العقل والمنطق والبصيرة النافذة أو أن يتحول خلافنا السياسي والحزبي إلى أداة للهدم والتدمير وتمزيق اصطفافنا الوطني وجبهتنا الداخلية، فالحفاظ على الوطن أهم مليون مرة من السلطة والمعارضة والأحزاب والمناصب والأطماع، فالظروف المريرة والقاسية التي مر بها هذا الوطن خلال العشرة الأشهر الماضية علمتنا أنه لا أعظم ولا أكبر ولا أسمى من الوطن سوى الوطن.