بالوقوف على موجهات مشروع البرنامج العام لحكومة الوفاق الوطني، والذي تم إقراره من قبل مجلس الوزراء أمس، تمهيداً لتقديمه إلى مجلس النواب لمناقشته وفقا للاجراءات المحددة في الدستور والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، نجد أن هذه الموجهات قد استوعبت المهام المطلوب إنجازها خلال الفترة الانتقالية على نحو دقيق في شتى المناحي والمجالات السياسية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية. ويمكن استشراف ملامح هذه المنطلقات من خلال تعهد حكومة الوفاق الوطني بتوظيف كافة إمكانياتها والطاقات الوطنية من أجل استعادة الاستقرار السياسي والأمني وتهيئة المناخات أمام تحقيق الانتقال السلمي والآمن للسلطة ، مسترشدة بالأسس التي تضمنتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرار مجلس الأمن الدولي «2014» باعتبارها خارطة طريق ملزمة وضرورية لعبور اليمن إلى مرحلة جديدة يتحقق فيها التغيير المنشود، الذي يستجيب لإرادة اليمنيين جميعا وفي المقدمة منهم جيل الشباب. وفي إطار أولويات مشروع البرنامج هذا، تصدرت قضية استعادة الخدمات التي تضررت خلال الأشهر الماضية لعملها اهتمام حكومة الوفاق الوطني التي أكدت على أن حل مشكة الانقطاعات الحادة في خدمات التيار الكهربائي وضمان توفير المشتقات النفطية بأسعار عادلة وتوفير المواد الغذائية الأساسية في الأسواق واعتماد آلية مناسبة لمراقبة الأسعار وكسر الاحتكار، ستكون من المهام العاجلة للحكومة لارتباطها بحياة المواطنين اليومية. وكما هو واضح من عناوين مشروع البرنامج العام لحكومة الوفاق الوطني برئاسة الأستاذ محمد سالم باسندوة، فإن الجانب الاقتصادي قد أخذ مساحة واسعة في هذا البرنامج، الذي برزت فيه تأكيدات صريحة على أهمية الإسراع في إقناع الدول الشقيقة والصديقة بإنشاء صندوق دولي خاص باليمن، تكون مهمته تمويل المشاريع ذات الأولوية القطاعية على مستوى المحافظات. كما ستعمل حكومة الوفاق الوطني على حث أشقاء وأصدقاء اليمن على الإيفاء بتعهداتهم تجاه مسيرة التنمية وبشكل عاجل، حتى يتسنى إنعاش الدورة الاقتصادية، والحصول على الموارد اللازمة لتحريك العجلة التنموية، لما من شأنه توفير المزيد من فرص العمل للشباب وتخليصهم من براثن البطالة، التي تشكل أحد عناصر الأزمة التي مر بها الوطن خلال الأشهر الماضية. وإذا كان مشروع برنامج حكومة الوفاق الوطني قد جاء مستوعباً لتعقيدات الوضع اليمني والإشكاليات التي أحاطت به خلال الأشهر الأخيرة، والانعكاسات التي ترتبت على ذلك، سواء على الأصعدة السياسية والاقتصادية، أو في النطاق الأمني، فإن من الصعب أن يتصور أحد أن برنامجاً بهذا الاتساع وبهذه الدرجة من الطموح لن تعترضه العديد من الصعوبات. ولكن الرهان سيبقى على أداء حكومة الوفاق الوطني التي لابد لها أن تعي أنها أمام مهمة حسّاسة تستدعي منها العمل بروح الفريق الواحد، كحكومة تكنوقراط أوكلت إليها مهمة الخروج بالوطن من نفق الأزمة المظلم إلى فضاء أرحب من الشراكة والتعاون والثقة والوئام والسلم الاجتماعي. وأنها إذا ما أرادت أن تقوم بذات الخطوات والمهام التي تعهدت بها في إطار برنامجها العام، عليها أن تنأى بنفسها عن التجاذبات السياسية والحسابات الحزبية والمفاهيم الضيقة، وأن تضع مصلحة اليمن العليا فوق كل الاعتبارات والأهواء والرؤى القاصرة، وأن تعمل كما أشار رئيسها الأستاذ محمد سالم باسندوة كفريق واحد وليس كفريقين وكإخوة مسؤوليتهم الرئيسية هي إخراج الوطن من حالة الانهيار الاقتصادي والأمني ومعالجة أوضاع الناس، وتحسين حالتهم المعيشية والإنسانية. ويحدونا الأمل أن حكومة الوفاق الوطني لن تخذل الناس، خاصة وأن على رأسها شخصية مخضرمة ذات تجربة ثرية في العمل السياسي والتنموي، وأنها لن تسمح للتأثيرات الحزبية بإعاقة عملها وإشغالها عن إنجاز مهامها الوطنية في هذه المرحلة الحسّاسة سيما وأن كل من فيها أدرى بشعاب الهموم التي تثقل صدور المواطنين، ويكاد ينوء بحملها الوطن.