ما يحدث في مصر أم الدنيا وأهم العالم العربي يؤثر مباشرة في الدول العربية، وقد تأكد هذا مرات ومرات وبوجه خاص منذ قيام ثورة يوليو1952م في ثورة يناير وصولاً الى أحداث 30 يونيو الماضي ومصر بحكم حجمها وثقلها الكبير عربياً ودولياً تختلف عن غيرها من البلدان العربية الأخرى، وقد رأينا جميعاً آثار ثورة تونس وآثار ثورة يناير المصرية لا نريد الدخول في تفصيلات معروفة ولكن فيما يحدث من استقطابات وتوترات وبؤر متعددة ومتباينة الاتجاهات منذ يونيو الماضي نقول إن أخطر وأكبر اخطاء الثورة المصرية هو أن زعماء ثورة يناير وقيادة الجيش التي لم تقف ضد الثورة الشعبية يتمثل في فشل الوصول الى دستور ديمقراطي حقيقي يمثل كل أطياف المجتمع وتقوم على أساسه بعد موافقة الشعب عليه دولة ديمقراطية ومدنية عمادها سيادة حكم النظام والقانون الذي يطبق على الجميع لمصلحة الجميع. وحكم الاخوان المسلمون عبر حزب الحرية بزعامة الدكتور محمد مرسي لم يقدر له بعد فوزه النسبي في الانتخابات العامة أن يسًّرع الخطى في تحقيق أهداف الثورة أو على الأقل تحقيق المأمول منه على مدى عام كامل لماذا لم ينجح؟ ولماذا لم يقدم الاخوان القدوة والتنظيمات المطلوبة وإشعار كل الفئات بأن مصر ومواردها وخيراتها هي لكل أبنائها وعلى أساس دولة ديمقراطية مدنية؟ هل كانت المعوقات المتراكمة على المجتمع المصري أكبر من قدرة مرسي وأنصاره هل قاومته المعارضة وفلول النظام السابق من أول يوم لتقوده الى الفشل..التام هل قدرات مرسي القيادية والإدارية ضعيفة ومتواضعة ولا تصلح للعبور بمصر الى بر الأمان؟ تعيش مصر بعد 30 يونيو وخلع مرسي وأنصاره عن الحكم في ظروف ومعضلات صعبة اختلط فيها الحابل بالنابل وتداخلت فيه كافة الأوراق المحلية والإقليمية والدولية، فالحق يجب أن يكون الحكم، وهل هو للشرعية القانونية التي يتسلح بها الاخوان أم لشرعية الشارع التي وقف الجيش معها وعزل مرسي على أساسها؟ وهل يستطيع الحكام الجدد تجاوز أبعاد الوضع المضطرب، ووضع مصر على الطريق والنهج الصحيح الذي سيقودها الى التنمية والاستقرار والازدهار؟ ما ما تردده وتعرضه مختلف الأجهزة المتباينة والمتضاربة ضد ومع ضد حكم الاخوان الذي يوصف بالفشل الذريع أو من يندد بالوضع الجديد ويراه انقلاباً على الشرعية ومؤامرة مدروسة محلياً وإقليمياً ودولياً، ماذا يمكن أن يقال بحق مصر حالياً وهل هي على مشارف الحرب الأهلية؟ وهل سيتكرر فيها سيناريو الجزائر عام 1992م أم سيناريو سوريا؟ أم ماذا؟ من يعرف مصر وتاريخها السياسي وطبيعة وخصائص شعبها فإنه سيقول وبلا تردد أنها لن تقع في هذه الهاوية، لأن شعبها يكره سفك الدماء ويميل الى الواقعية والتسامح والمواءمة ولكن احتمال الإنجرار الى الفتنة والتمزق والحرب الأهلية لا يجب استبعاده لأن تفجير الاوضاع قد يأتي من الخارج ولمصلحة أجندات إقليمية ودولية خصوصاً من دولة الكيان الصهيوني المتربصة بمصر وسوريا؛ والعراق وغيرها لأن قوة اسرائيل هي في ضعف العرب وخاصة الدول المحيطة بها ويوافق ويواكب اسرائيل دول استعمارية غربية معروفة يهمها تمزيق المنطقة العربية لخدمة مشاريعها الاستعمارية. ان حل المشكلة المصرية الحالية وانقسامات الشعب المصري المهددة لمصر وسيادتها وعزتها ومكانتها الدولية تقع في المقام الأول على أبنائها من مختلف الطوائف الدينية والمدنية الاسلامية والمسيحية والليبرالية والعلمانية فهل يدركون مسؤوليتهم هذه؟ نحن في عالم المدينة الكونية وعالم العولمة والتواصل الالكتروني السريع عالم متداخل وبلا حدود ..ففي داخل مصر لا تستطيع أي قوة أن تقصي غيرها وتبدد شملها والحل هو في الحكم الديمقراطي والشراكة التوافقية بين الجميع ومصالح الجميع وقوة الدولة المصرية والقوى المساندة لها مالياً أضعف مما كانت عليه منذ عام 1954م الى عام 2011م وقوة الاخوان والجماعات الاسلامية الحالية أقوى بكثير مما كانت عليه في الفترة المذكورة والدولة الحالية في أي بلد من بلاد الدنيا لم تعد هي وحدها التي تحتكر وسائل القوة والقهر الاجباري المشروع أو غير المشروع لأن الكثير من هذه الوسائل أصبحت أيضاً في أيدي قوى المعارضة والمقاومة؟ ولا حل واقعي وموضوعي للأوضاع المصرية المتفاقمة والمتفجرة داخلياً الا بالتوافق والتسامح وبالتفاوض السري والعلني وبواسطة المؤهلين من أجل القدرة الوطنية والصلاح والقبول العام من المتصارعين لمصلحة الجميع ومن أجل العدل والانصاف وكرامة شعب مصر.