برز اتجاه عالمي في مطلع تسعينيات القرن الماضي يطالب باصلاح نظم الاعلام شملت المطالبة الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية وتخلفت المنطقة العربية عن هذا الحراك، كان المطلب في الدول الديمقراطية هو تحرير وسائل الاعلام من سيطرة الاحتكارات والمشكلات الاقتصادية العملاقة, وذلك لانقاذ الديمقراطية في هذه الدول وبالمقابل فإن المطلب في الدول غير الديمقراطية تجلى في تحرير وسائل الاعلام من السيطرة الحكومية باعتبار ان ذلك هو المدخل لتحقيق الديمقراطية في هذه الدول.. وتعد حرية الاعلام جوهر حرية التعبير والحريات العامة وترتبط حرية واستقلالية وسائل الاعلام بملكيتها وتتعدد انماط هذه الملكية في العالم وتختلف بحسب الجهة او المؤسسة او الافراد الذين يملكون هذه الوسائل وبالضرورة بان الملكية تؤثر على الاعلام سواء من حيث مهنيته واخلاقه، ومن انماط هذه الملكية هناك ملكية الدولة وتتمثل في الملكية المباشرة للدولة حيث تسيطر الحكومة هنا على ما تملك من وسائل اعلامية وهي تدير وتعين الاعلامييين والاداريين والفنيين وتحدد السياسة التحريرية، والى ذلك هناك نظام الخدمة العامة حيث تكون الملكية للدولة غير ان هذا النمط لا يخضع لسلطة الدولة او تقلبات السوق والاهواء او اجندات ممولي القنوات الخاصة، وهذا النوع من الاعلام لقي نجاحاً مشهوداً في دول اوروبا، فيما اخذت اصوات اعلامية عربية تدعو الى التخلي عن الاعلام الحكومي والانتقال الى نظام الخدمة العامة باعتبار ان هذا الاعلام «الرسمي» يفترض ان يكون مرفقاً عمومياً لخدمة المجتمع ويتم الانفاق عليه من المال العام ويرتبط هذا التحول ببناء النظام الديمثراطي وهناك نمط الملكية الخاصة والذي يعني ان تكون الوسيلة الاعلامية مملوكة لفرد او لافراد مباشرة او عن طريق اسهم ومن الانماط ايضاً ثمة الملكية الحزبية اي الوسيلة الاعلامية مملوكة لحزب سياسي، وتعبر عن مواقف وسياسة هذا الحزب، وقد اختفى هذا النمط في البلدان الديمقراطية واقتصر الاعلامي الحزبي فيها على مواقع الكترونية خاصة بالحزب ونشرات حزبية.. ووفقاً لتقرير «البث الفضائي العربي» الصادر في ديسمبر الماضي فإن عدد القنوات الفضائية التي تبثها الهيئات العربية وصل الى 1320 قناة ويشير التقرير الى ان الثورة التكنولوجية الرقمية والحراك السياسي الذي تشهده المنطقة العربية منذ العام 2011 قد اسهما في هذا التسارع المتزايد للفضائيات وبدأ الاعلام انه الاسرع تأثراً بهذه التحولات تجلى ذلك في التعددية الاعلامية غير انه نجم عن ذلك اشكالاً في البنية التشريعية وغموضاً وعدم شفافية في مجال التمويل، ويؤكد التقرير على «اندماج الدول العربية في منظومة القوانين المتعلقة بالحقوق الكونية، يدعوها الى استكمال ما لديها من تشريعات للقطاع المرئي المسموع في مجال حمايته الناشئة، وحفظ كرامة الافراد وحريتهم والتصدي لمغالطة الرأي العام، ومنع بذور الفتن في المجتمع وتأمين حق الوصول الى المعلومة ولا تزال المنطقة العربية تحتاج الى قوانين متطورة تنظم العلاقة بين الدول وما صار اليه القطاع المرئي والمسموع، وبين التليفزيون العمومي والتليفزيون الخاص على اساس حفظ الحقوق وخدمة الصالح العام».. بدون مصداقية ومهنية وحيادية وسائل الاعلام لا تكتسب هذه الوسائل ثقة المتلقين ويذهب خبراء الاعلام الىان «اخلاقيات الاعلام واساليب الضبط الذاتي للاعلام اصبح الحديث عنها يشكل المعادل الموضوعي للحديث عن اهمية الاعلام ذاته وادواره ومهامه في المجتمع.. فإلى جانب التشريعات المتطورة التي تنظم وسائل الاعلام هناك التنظيم الذاتي للاعلاميين الذي تبلورت اشكاله في معظم دول العالم في اربعة اشكال تشمل مدونات السلوك وكتيبات التعليمات والمنظمات الاعلامية ومواثيق الشرف والاخيرة «عبارة عن صياغة اخلاقية لقواعد سلوكية مهنية ملزمة لمن صاغوها ويتضمن ميثاق الشرف الاعلامي، توصيفاً للجماعة المهنية التي تصدره ورؤيتها لدورها واهدافها ومسؤوليتها في المجتمع وواجبات الافراد فيها كما يحدد طريقة المتابعة لمدى الالتزام بما ورد فيه من قواعد مهنية واخلاقية وكيفية وجهة المحاسبة للمخالفين ونوعية العقاب او الاثابة» ومن الاشكاليات التي تعالجها المواثيق سيطرة ثقافة المالك على الوسيلة الاعلامية وكيفية تقنينها واقرار مبادئ لمواجهة ازمة المصداقية ومنع اعتماد الصحفيين على مصادر مجهلة وتجريم عدم الدقة فيما تقدمه . وسائل الاعلام مع الالتزام بتحسين المضمون ومن المبادئ التي تتضمنها مواثيق الشرف تجاه المواطن احترام حق الخصوصية وعدم الاساءة الى شرف الانسان وسمعته كما تتضمن هذه المواثيق مبادئ وقواعد عن مسؤولية الاعلام تجاه الدولة مثل حماية الامن القومي، وعدم نشر معلومات تضر بالمصلحة العامة، واحترام المؤسسات الديمقراطية والدستور والقوانين.. ولان مساحة العمود لا تتسع نتابع النقاش في مقال قادم.