أعجبتني مقولة للإمام الفيلسوف أبي حامد الغزالي مفادها «عند الشدائد تذهب الأحقاد» هي نصيحة تقال: كما يبدو من فحواها- لمن يضمهم وطن واحد، أو تجمعهم غاية واحدة.. وما أقربها إلى النصائح التي تقال لمن على ظهر سفينة واحدة، ألم بها خطر ماحق.. على كل من عليها أن يستشعروا مسؤولياتهم وإلا هلكوا جميعاً.. تحالفات البناء لا التمترس وما أشبهنا اليوم في هذا الوطن، بمن على سفينة واحدة.. ألمت بها الأخطار والشدائد، وعلينا أن نتذكر ونتمثل مقولة الإمام الغزالي، وأن ندع الأحقاد تذهب إلى حيث لا عودة، لا أن نتناساها مؤقتاً، ونتذكرها أو نستدعيها بعد زوال الخطر المهدد للجميع.. وطننا اليوم تحيط به وتعبث وتعصف شدائد جد خطيرة.. لا تتسع هذه المساحة لذكرها، كما أنها لا تخفى على الجميع حتى صغار السن منا، إضافة إلى أن الأقلام التي تتناولها يومياً لم تدع لنا ما نضيفه عنها، وعن مخاطرها بل كوارثها ان نحن استهنا بها أو حاول بعضنا أن يستغلها استغلالاً سيئاً.. نحن في حال يحتم ذهاب الأحقاد، ولا يسمح بتناسيها المؤقت بهدف إعادة النظر في تكتيكات وتحالفات مرحلية، لتسجيل نقاط ضد طرف معين أو كسر ذراع ذلك الطرف الذي صار خصماً.. إن ما نسمعه اليوم عن دعوات إلى تحالفات معينة، أو إعادة النظر في تحالفات كانت قائمة، وتم فضها أو التنكر لها، وكذلك ما نعايشه من تراشقات ومماحكات، وبداية تراشق عداوات وغير ذلك من مستجدات أفرزتها تحولات تشعر بعض الأطراف بمرارتها، وإلقاء التبعية على هذا.. والرغبة في الانتقام من ذاك.. كل ذلك- وما شابهه- نسمعه ونعايشه، ونتساءل عن الحكمة اليمانية أين ذهبت، لأن واقعنا المعاش يقول لنا: انتم تعيشون شدائداً تجبركم على ترك الأحقاد تذهب إلى حيث لا عودة.. أنتم بحاجة إلى تحالفات- صحيح- ولكنها تحالفات استدراك الخطر المحدق، تحالفات تردم بؤر التوتر، ونزعات الانتقام، وبواعث الفتن من مراقدها.. تحالفات لا تعيد النظر في المتارس القائمة والأسلحة المستخدمة، بل تهدم المتارس، وتلجم فُوهات أسلحة الموت والدمار، تحالفات تدعو الجميع إلى كلمة سواء، إلى الشراكة في بناء اليمن وإخراجه من محنته، لا إهدار مقدراته ومضاعفة جراحه، تحالفات تقرب الجميع للجلوس على طاولة الحوار والعقل والمنطق والقبول بالآخر، وتشخص علل أودت باليمن إلى ما يعانيه من مآسٍ ويتهدده من شرور مخططات خارجية يعرف الجميع ما تفعله بنا، وما ألحقته بشعوب عربية أخرى.. لا نريد تحالفات بهدف جولة أخرى من الاقتتال والدمار والتنافر، بل تحالفات تحمي الوطن، وتقوم على القبول بالآخر، والتنافس البناء القائم على العقل والبرامج ومفاهيم العصر، وتجسيد المسار الديمقراطي الذي انتهجناه وجعلناه أساساً وركيزةً أساسية ليمنٍ موحد خالٍ من القمع والإرهاب بكل أنواعه وأولها الإرهاب الفكري الذي نرى فيه أخطر معاول هدم المجتمعات.. لتكن تحالفاتنا ناتجة من استخلاص تجربة مريرة نمر بها فنجعل منها تحالفات الوفاق وليس تحالفات المتارس والجولات الأخرى من تكرار الخطأ.