من مقولات الإمام «أبي حامد الغزالي» قوله: «عند الشدائد تذهب الأحقاد« إنها مقولة صادرة من عالم حكيم له دراية بالحياة، وتجارب فيها. فعند الشدائد ينبغي، بل يجب أن ينسى الناس أحقادهم إن لم يتخلصوا منها ويدركوا بوعي كيف يكّونون صفاً واحداً لمواجهة ماحل بهم، وأين تكمن مصلحة الجميع، وكيف يدافعون عنها ويحافظون عليها. على أفراد المجتمع أن يواجهوا الشدائد التي تحل بمجتمعهم بإرادة واحدة، وموقف موحد يضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار، وهذا من المعايير المهمة لاختيار المواقف والمواطنة الصالحة والولاء الوطني. لأن أفراد المجتمع أوقياداته ،إذا ماواجهوا أية شدة من الشدائد بأحقادهم، ومصالحهم الشخصية وأنانيتهم وانتهاز الأحداث بطريقة غير شرعية؛ ذهبوا فريسة سهلة ،وتمزقت قوتهم، ونال الخصم منهم. على سبيل المثال أنّ أي مجتمع حديث بما فيه من قوى سياسية وتيارات مختلفة إذا ماتعرض لأية أزمة سياسية أوشدة اقتصادية، وجب على تلك القوى والتيارات أن تستشعر الخطر الذي يتهدد الجميع ،وأن تسموا فوق الأحقاد والخصومات والمكايدات السياسية ،وانتهاز الفرص بطريقة غير شريعة، وأن تقف صفاً واحداً للتعاون على تجاوز الأزمة ،وتجنيب الناس شرورها.. وبهذا تبرز مصداقية الولاء الوطني ،والممارسة الشريفة للعمل السياسي لمافيه مصلحة الوطن وكيانهم. أماإذا حدث ماهو عكس ذلك ،وعملت هذه القوى أوتلك التيارات على استغلال أية أزمة أو شدة يتعرض لها الوطن لركوب موجة المكايدات والمماحكات السياسية لسبب أولآخر؛ فإن ذلك لايفصح عن انتهازية مرفوضة وممارسات غير شريفة وحسب ،ولكنه يعكس الأنانية المفرطة التي لاتفرق بين المصلحة العامة، وبين الخيانة والتآمر على الوطن بأكمله، وعليه فإن مادعا إليه الإمام العزالي بقوله: «عند الشدائد تذهب الأحقاد» يقودنا إلى القول: بأن الشدائد تظهر معدن الرجال وأصالتهم ،وتضع وطنيتهم ومصداقيتهم في المحك العملي ،بعيداً عن المزايدات والإدعاءات التي لاتصمد أمام وهج الحقيقة.