تهل علينا مناسبة الذكرى ال49 ليوم الاستقلال المجيد 30 من نوفمبر 1967م والوطن اليمني الموحد والديمقراطي يتعرض لعدوان سعودي إقليمي ودولي مستمر للعام الثاني على التوالي يهدف إلى إبادة أبناء الشعب اليمني وتدمير وطنهم وغزوه واحتلاله وتقسيمه وتمزيقه إلى كيانات- جنوباً وشمالا- هلامية ضعيفة مناطقية وطائفية ومذهبية متناحرة وفقا لمقتضيات مخططات القوى الدولية المتحالفة المشاركة في هذه الحرب العدوانية الإجرامية القذرة والشاملة على اليمن والتي هي جزء من الحروب الاستعمارية الجديدة في المنطقة العربية الهادفة إلى إعادة إنتاج شرق أوسط كبير ينسجم مع استراتيجية الاستعمار الجديد القديم الأمريكي البريطاني. وهنا بالضرورة ونحن نتحدث عن مناسبة رحيل آخر جندي بريطاني من الأرض اليمنية قبل ما يقارب خمسة عقود نحتاج إلى إيقاظ الذاكرة النضالية والوطنية اليمنية التاريخية لنتمكن من الوقوف على عظمة يوم الاستقلال الوطني ال30 من نوفمبر 67م وعلاقة الترابط بين حضور المستعمر القديم في العدوان السعودي وتحالفه الهمجي الوحشي ضد الشعب اليمني الذي لا يمكن الفصل بين كفاحه الوطني من أجل خلاصه من الاستبداد والعزلة والتخلف وتحرره من الاحتلال الاستعماري والذي ما كان له أن ينتصر لولا توحيد نضاله الوطني في الشمال والجنوب بقيام الثورة اليمنية 26سبتمبر عام 1962م و14أكتوبر 1963م.. محققاً في وقت واحد الاستقلال الناجز وترسيخ النظام الجمهوري مقدما من أجل بلوغ هذه الغاية العظيمة الوطنية والإنسانية التضحيات الجسيمة على دروب التحرر والاستقلال والوحدة. اليوم وشعبنا يواجه هذه الحرب القذرة، على أبنائه أن يعودوا بالذاكرة ليكتشفوا ان أعداء الماضي هم أعداء الحاضر مع الأخذ في الاعتبار الفارق الزمني والممتد لأكثر من 50 عاماً والتي خلالها اليمن وثورته ووحدته لم يسلم من مؤامراتهم والذي استخدم فيه المال النفطي السعودي بشكل حاقد وحقير للتأثير على مسيرة نهوض وتطور الشعب اليمني.. مذكياً الفتن والصراعات والحروب الداخلية وبتصدير الإرهاب الوهابي والتكفيري وأخيراً عبر العدوان المباشر عليه والذي في صموده وتصديه ومواجهته له انما يخوض معركة الاستقلال الثاني المقدسة من الغزو والاحتلال والهيمنة والسيطرة على موقعه الاستراتيجي الجيوسياسي ومن ثم بعد ضرب وحدته الوطنية المقدسة وتمزيق نسيجه الاجتماعي يكون الهدف النهائي لهذه الحرب العدوانية الإجرامية القذرة والشاملة هو جود اليمن الوطني الحضاري التاريخي العريق والعظيم في المستقبل. الاستعمار البريطاني الذي امتد 129 عاماً من احتلاله لجنوب الوطن حاول- مستخدماً كل مكره ودهائه وخبثه- فمحو الهوية اليمنية عبر تقسيم الجنوب اليمني إلى مستعمرة عدن والتي في البداية اعتقد ان مسخ وهويتها اليمنية يمكن تحقيقه من خلال إحداث تغير ديمغرافي في تركيبتها السكانية عبر نقل سكان من مستعمراته وتوطينهم في عدن واعتبارهم أهم أبناء عدن الذين يملكون حق المواطنة بعد تقسيم بقية الجنوب إلى دويلات هيمن عليها باتفاقيات الحماية الاستعمارية والتي بلغت 21 إمارة وسلطنة وبإمكانه عزلها عن مستعمرة عدن وعن الشمال وعزل الشمال عن الجنوب معتمداً سياسة "فرق تسد" لكنه فشل وواجهه الشعب اليمني بالرفض لهذه السياسة عبرت عنها الانتفاضات التي شهدتها في فترات مختلفة المحميات التي تصل في كثير من الأحيان إلى أمن مستعمرة عدن فكانت القوة والدهاء الاستعماري الماكر ينجح في إخمادها ولكن إلى حين ومع ذلك لم تتطور إلى مشروع سياسي نضالي بسبب طابعها المناطقي.. حتى جاءت المتغيرات التحررية العربية والدولية والتي شهدت تحولاً بعد الحرب العالمية الثانية والتي معها بدأ الاستعمار البريطاني في التراجع، مستشعراً في هذا السياق ان سياسته إذا ما استمرت ستهدد وجوده في اليمن, فلجأ إلى محاولة محو الهوية اليمنية للجنوب وصولاً إلى إيجاد صيغة استعمارية جديدة تقطع الطريق على التوجه التحرري وبصورة استباقية بهندسة فدرالية بين المحميات الغربية بمعزل عن المحميات الشرقية التي ربطها بشكل من أشكال الكونوفيدرالية, ولكن اليمنيين افشلوا مخطط متطور لإقامة كيان تحت سيطرته في شكل دولة اسماها (الجنوب العربي) الذي واجهه شعبنا في الشمال والجنوب بتوحيد نضاله الوطني التحرري، فسقط المشروع الاستعماري والذي اسماه (الاتحاد المزيف)، كما اسقط البرلمان الشكلي ونقصد هنا المجلس التشريعي ليأتي تفجر الثورة اليمنية 26سبتمبر 1962م ليمثل الانطلاقة نحو توحيد نضاله الوطني ضد الإمامة والاستعمار. الثورة الوطنية اليمنية 26سبتمبر جسدت من يومها الأول آمال وتطلعات اليمنيين جميعاً في الانعتاق والتحرر والاستقلال والوحدة والديمقراطية وعبرت عن ذلك في أهدافها فكانت ثورة الشعب اليمني كله الذي هب للدفاع عنها والانتصار لنظامها الجمهوري في مواجهة قوى التخلف الداخلي والقوى الإقليمية الرجعية وعلى رأسها مملكة الشر السعودية الإجرامية الوهابية صنيعة الاستعمار البريطاني وأداته في ضرب المشروع الوطني التحرري الاستقلالي الوحدوي اليمني والعربي. ومن الأيام الأولى هب أبناء اليمن للدفاع عن الثورة متصدرا صفوفه أبناء الجنوب المحتل الذين خاضوا معارك بطولية في كافة جبهات الدفاع عن الثورة السبتمبرية، مجترحين مآثر ومسطرين ملاحم في الشجاعة والإقدام تشهد لهم جبال ووديان وسهول وصحراء حجة وعمران وصعدة ومأرب والجوف.. ولأن عدو الشعب اليمني الاستعمار وأذنابه من القوى الرجعية بدأ العمل في صنعاء وتعز من أجل التهيئة والتجهيز والاستعداد لتفجير الثورة اليمنية 14 أكتوبر 1963م ضد المحتل المستعمر الغاصب، فكانت الانطلاقة من جبال ردفان لتمتد إلى كل اليمن الواقع تحت الاحتلال والسيطرة الاستعمارية البريطانية, وسرعان ما انصهر اليمنيون جميعاً في لهيب الثورة اليمنية الأكتوبرية لتمتد زلازلاً وبراكين تحت أقدام الإمبراطورية الاستعمارية التي طالما فاخرت بعدم مغيب الشمس عنها لتجعلها إرادة اليمانيين آفلة والى الأبد لتثمر تضحياتهم الاستقلال الناجز في ذلك اليوم الخالد ال30 من نوفمبر عام 1967م.. ولكن هذا لم يوقف المؤامرات والدسائس المستهدفة لثورة اليمنية السبتمبرية الأكتوبرية، فزرعت الفتن ونفخت في كير الخلافات لتحولها إلى صراعات وحروب مستهدفة لسيادة اليمن ووحدته وأمنه واستقراره ونهوضه وتطوره الذي لن يتحقق إلا في ظل دولة يمنية موحدة وديمقراطية قوية قادرة وعادلة ولا يمكن أن يتحقق وجود هذه الدولة إلا باستعادة الشعب اليمني لوحدته أرضا وإنسانا.. وهو ما صنعه اليمنيون في يوم ال22 من مايو الأغر عام 1990م، ومع أن وحدة اليمن وبناء دولته الحديثة على أسس دستورية ديمقراطية تعددية فيها مصلحة ليس فقط لشعب اليمن بل لأمن واستقرار المنطقة كلها والعالم.. ولكن النظام السعودي بكبره وغروره وحقده وحماقته ازداد عتوا ونفورا في عدائه التاريخي لليمن وشعبه المسالم ودولته الموحدة وعبر عن ذلك مع بعض المشيخات الخليجية في حرب 94م ثم في الأزمات السياسية التي تلتها بعد أن استطاع نظام آل سعود تصدير إرهابه الوهابي وشراء القيادات الحزبية وتحريكها باتجاه إشعال الأزمات وصولاً إلى مؤامرات ثورات مخطط الشرق الأوسط الجديد والتي استطاع الشعب اليمني وقيادته الوطنية إفشالها وإسقاط رهاناتها.. ولتحقق المشروع الاستعماري الجديد شنت السعودية عدوانها ومعها قوى الاستعمار القديم والجديد في 25 مارس 2015م.. مستهدفة إبادة الشعب اليمني وتدمير وطنه وتقسيمه وشرذمته فجعل منها اليمانيون معركة استقلالهم الثاني للتحرر من الهيمنة والوصاية السعودية, التي بمشاركة القوى الاستعمارية المستمرة منذ ما يقارب العامين من شن حرب عدوانية قذرة وشاملة واجهها اليمانيون مسقطين رهانات الاستعمار ومرتزقتهم والذين من بينهم بعض أبناء وأحفاد من صنعوا بنضالهم وتضحياتهم الاستقلال الأول.. وهذا ما يؤسف له مع ذلك نقول الاستقلال الثاني لليمن الموحد قادم وسيظل ال30 من نوفمبر 1967م يوماً وطنياً تاريخياً عظيماً ملهماً لصناع مجد اليمن الجديد الموحد.. الحر المستقل.