ينسب الى المهفوف محمد بن سلمان الحاكم الفعلي لمملكة قرن الشيطان واكبر أداة في المنطقة لتنفيذ الأجندة الأمريكية انه قال في جلسة خاصة اثناء زيارته مؤخرا لواشنطن بأنه لن يرضى الا بيمن منزوع السيادة ويكون حكامه عبارة عن موظفين لديه يستلمون مرتباتهم من الرياض.. وبغض النظر عن صحة هذا القول من عدمه الا ان السعودية منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي كان هدفها الأساس من التدخل في الشأن اليمني هو ايصال اليمن الى مرحلة اللادولة لتتحكم فيه كيفما تشاء.. وقد أشرنا في مقالات سابقة نشرت في هذه الزاوية الى طبيعة التدخل السعودي في اليمن وكيف كانت تريد ان تجعل الشعب اليمني تابع لها.. كما أشرنا الى تلك الاتفاقية السرية التي وقعها القاضي عبدالله الحجري رحمه الله عندما كان رئيسا للحكومة وعضو في المجلس الجمهوري في عهد القاضي عبدالرحمن الارياني رحمه الله وسميت باتفاقية جرس السلام حيث كانت تهدف الى ان يكون اليمن بلاجيش وطني وهي من ستتولى الدفاع عنه في حالة الاعتداء عليه كما لايسمح للكوادر المتعلمة والمتخصصة بالعمل في اليمن وانما يتم اغراءها للعمل في الدول الأخرى وتحديدا في السعودية حتى لايستفيد اليمن منها.. وحين اختلف النظام السعودي مع القاضي عبدالرحمن الارياني رئيس المجلس الجمهوري بعد ان طلب من القاضي عبدالله الحجري ان يقدم استقالته من رئاسة الحكومة لأنه قام بالتوقيع على تجديد معاهدة الطائف الحدودية مع نائبه الأستاذ محمد احمد نعمان رحمه الله لكي تبقى سارية المفعول لعشرين عاما قادمة دون تفويض من المجلس الجمهوري ووصل الخلاف بين القاضي عبدالرحمن الارياني ونظيره الملك فيصل الى طريق مسدود لم يجد النظام السعودي طريقة للمحافظة على المكاسب التي حققها في عهد حكومة القاضي الحجري الا ان يقوم بالتواصل مع الشهيد ابراهيم الحمدي للقيام بانقلاب عليه والتخلص من المجلس الجمهوري ونفي رئيسه الى الخارج مع عضو المجلس الأستاذ احمد محمد نعمان واستبقاء القاضي عبدالله الحجري ليكون مساعدا لرئيس مجلس القيادة العقيد ابراهيم الحمدي من اجل تنفيذ ماتم الاتفاق عليه في عهد حكومته.. وفعلا فقد مارس النظام السعودي ضغوطا شديدة على الرئيس الحمدي خلال الشهور الأولى من عهده من اجل الاسراع بتنفيذ بنود اتفاقية جرس السلام التي تقضي بالغاء الجيش اليمني تماما والاكتفاء بشرطة مدنية وتحويل اليمن الى دولة سياحية وكذلك اجبار رئيس مجلس القيادة على إلغاء اتفاقية كانت حكومة الأستاذ محسن العيني قد وقعتها مع العراق لبناء مصفاة لتكرير النفط في اليمن واخرى وقعت مع الاتحاد السوفيتي سابقا للحصول على صفقة أسلحة متواضعة بحجة ان السعودية هي من ستقوم بذلك.. ولأن الحمدي قد وجد نفسه محرجا امام هذا الضغط السعودي فقد قام بجمع قادة وحدات القوات المسلحة اليمنية وعرض عليهم الطلب السعودي المتعلق بتفكيك الجيش فرفض القادة هذا الطلب وكان موقفهم الحازم انهم لن يسمحوا ان تكون اليمن بلا جيش وقد تعرض الكثير لهذا الموضوع في مذكراتهم. ولأن الشهيد الحمدي قد رمى الكرة في مرمى قادة الجيش اليمني أستشعر النظام السعودي بخطر توجهه السياسي عليهم ليزداد هذا الخلاف عقب دعوة الشهيد الحمدي لعقد مؤتمرا في تعز للدول المطلة على البحر الأحمر بعد الغارة الاسرائيلية عام 1976م على باب المندب وقد حضر هذا المؤتمر رؤساء السودان والصومال واليمنين الشمالي والجنوبي سابقا وتخلفت عن المشاركة فيه السعودية واثيوبيا.. ومما زاد الطين بلة تصريح الشهيد ابراهيم الحمدي الذي قال فيه ان حماية البحر الأحمر يجب ان تكون من مسؤولية الدول المطلة عليه فجن جنون فرنسا وامريكا وبريطانيا واعتبروا هذه الدعوة تحديا للدول الكبرى والملاحة الدولية التي تمر عبر باب المندب.. وهنا كثفت السعودية من ضغوطها على الشهيد الحمدي خاصة بعد تخلصه من رجالها وفي مقدمتهم المشائخ الذين كانت تعتمد عليهم السعودية لتنفيذ اجندتها واجندة الادارة الأمريكية في اليمن.. وحين أشتد توتر العلاقات بين اليمن والسعودية حينها اراد الشهيد الحمدي ان يلطف الجو منعا للدخول في صدام مباشرا مع السعودية فأستغل وجود الترويكا الحاكمة في لندن لقضاء اجازة والمتمثلة في الملك خالد بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير فهد الملك فيما بعد ونائبه الثاني الأمير سلطان بن عبدالعزيز وأرسل اليهم رجلهم القاضي عبدالله الحجري ليصارحهم بأن القادة في اليمن يصرون على بناء دولة تقوم على اساس حسن الجوار وتبادل المصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لليمن وهي رسالة قوية حملها القاضي الحجري وتكفل بإيصالها حتى ينفي عن نفسه التهم الموجهة له بأنه اصبح رجل السعودية الأول في اليمن واكثر رئيس حكومة نفذ لهم طلباتهم منطلقا من خلفيته الدينية المتشددة التي تتفق مع التوجه السعودي خاصة موقفه ضد التقدميين الذين كان يطلق عليهم صفة الشيوعيين..بينما كان يقول عنهم القاضي عبدالرحمن الارياني : أنهم ابناؤنا مسلمون وليسوا ملحدين.. وحسب ما فهمت من اللواء محمد عبدالله الارياني القائد العام الأسبق للقوات المسلحة والذي كان يومها سفيرا في لندن وحضر مقابلة ترويكا الحكم في السعودية مع القاضي الحجري انه شاهد الحجري لأول مرة يكون حادا في حديثه مع الملك خالد ونائبيه فهد وسلطان لدرجة انه استنكر على النظام السعودي تدخله في الشأن اليمن وقد اورد تفاصيل اكثر عن هذا اللقاء في مذكراته.. وكانت المفاجأة الكبرى انه تم اغتيال القاضي عبدالله الحجري بعد خروجه من هذا اللقاء هو وزوجته والوزير المفوض في السفارة اليمنيةبلندن الحمامي والذي كان يقود السيارة امام الفندق الذي كان ينزل فيه القاضي الحجري وقد تم إلقاء القبض على قاتله وهو شخص فلسطيني ينتمي الى جبهة التحرير الفلسطينية..وربما بالاتفاق مع السعودية التي لا يستبعد ان يكون لها دور في اغتيال القاضي الحجري بعد تغيير موقفه تم تمييع التحقيق وأطلق الجاني فيما بعد لتبقى قضية اغتيال الحجري سرا مدفونا حتى اليوم ولينتهي الأمر باغتيال الرئيس الحمدي نفسه فعادت السعودية من الباب الواسع للتدخل في الشأن اليمني بعد ان كادت تخرج من النافذة.. وما يجري اليوم من عدوان جائر مضى عليه عامان ليس إلا استمرارا للتوجه الأمريكي والسعودي لتجريد اليمن من سيادته ونزعها عنه.