إيهود أولمرت، وريث شارون، ليس اسماً جديداً. لكنه دائماً كان رجلاً ثانياً يبحث عن رجل أول يقف وراءه. وأهم من هذا أنه عيّنة على تحوّل متعاظم من «الصهيونية الايديولوجيّة» لاسرائيل الكبرى الى صهيونية أكثر ادراكاً لحدود القوّة وأشد إقراراً بضرورات المساومة. والسمتان هاتان منحتا أولمرت صيت «الانتهازي»، علماً أن المسألة، في آخر المطاف، أعقد. فإذا كان التحول المذكور يصوّر المأزق الراهن ل»ليكود»، ولزعامة نتانياهو، فهذا لا يعني ان التسويات التي يتوخّاها أولمرت، بعدما شارون، عادلة متوازنة، أو أن الموقع الذي يصدر عنه النجم الصاعد «معتدل». ذاك ان الفارق يرتد الى مسافة بين «صهيونية ايديولوجية» تلزم نفسها بهدف استراتيجي «سامٍ ومتعالٍ، وبين «صهيونية عمليّة» تقضم من الأرض ما يسعها قضمه وتتعفّف عما يتعذّر، تبعاً لتوازنات القوى والظروف السياسية المحيطة. وبالمعنى هذا، فإن الأخيرة، من دون أن تكبح شهيّتها، تتجنّب إلزام نفسها بما تمنعه العوامل الاقليمية والدولية، أو بما يحرجها كما أحرج حكومة نتانياهو يوم انسحبت من الخليل، أو حكومة شارون عندما فكّكت مستوطنات غزّة. فإذا اعتمدنا التصنيف الدقيق للكاتب مارك هِلَر، حيث الشارونية (والأولمرية) بعيدة من «العمليّة السلميّة» لليسار ومن «إسرائيل الكبرى» لليمين، وقعنا على موضعة دقيقة، أو قريبة من الدقّة. لقد ظهر اسم ايهود أولمرت، للمرة الأولى، في 1966. آنذاك، وكطالب حيروتي متحمّس طالب مناحين بيغن بالاستقالة من قيادة حزب «حيروت». يومها كان رجله الأول شموئيل تامير، أحد تاريخيي حيروت الذي انهزم في منافسته بيغن على الزعامة. فحين وقعت حرب 1967 أرجعته الى الواجهة عبارة قالها وغدت شعاراً: «ان الأراضي المحررة لا تعاد». وأُخرج تامير وباقي «المتآمرين» من الحزب القومي. وفي عداد هؤلاء كان مساعده الشاب أولمرت الذي انتقل، مع معلمه، الى «المركز الحر»، فلما لم يوصل هؤلاء الى الكنيست، في انتخابات 1969، الا نائبين عادوا، في 1973 الى الحظيرة التي وُسّعت باسم «ليكود»، محتفظين بتكتّلهم «المركز الحر». وإذ انتقل تامير الى صف القائلين بالتسويات الاقليمية والسلام، انفجر «المركز» وأنشأ أولمرت وآخرون «المركز المستقل». ولاحقاً انقطعت علاقة تامير بليكود وتوطّدت، بشيء من التعرّج، علاقة أولمرت ب»ليكود». ومع حرب لبنان في 1982، خاض أولمرت الحرب الإعلامية بنشاط، «مبرهناً» على ان تقدّم الجيش الاسرائيلي نحو بيروت ناجم عن تداعيات الأحداث نفسها وليس قراراً مسبقاً من وزير الدفاع شارون. ولم تستطع حججه أن تحجب الخديعة، فذهب أبعد في تصعيد ديماغوجي فوصف ب»الخائن المتعاون» اليساريَ أوري أفنيري، رئيس تحرير مجلة «هاعولام هاذه» يومذاك، لعبوره الى بيروت المحاصرة ولقائه ياسر عرفات. ومنذ أواسط الثمانينات غداً أولمرت أحد «أمراء ليكود» الجدد الذين شكلوا الصف القيادي الثاني وراء اسحق شامير وموشي أرينز، وفي عدادهم منافسه نتانياهو ودان ميريدور وروني ميلو. وهو لئن لم يبلغ مرتبة منافسه في استخدام الإعلام، استخدمه بإفراط لفذلكة مواقف اسرائيل ومجادلة يسار الداخل والرأي العام الغربي، فضلاً عن استمالة يهود الدياسبورا وجمع تبرعاتهم لحزبه. وكوجه ليكودي، انتُخب عمدة للقدس في 1993، ملحقاً الهزيمة بتيدي كوليك، وجه حزب العمل التاريخي الذي أدار المدينة قرابة أربعة عقود. فحين وُقّعت أوسلو وأعلن عرفات عن رغبته في زيارة المدينة، وعد رئيس البلدية الجديد بتعبئة مليون يهودي «دفاعاً» عنها. وقد لفّه آنذاك، مثل سائر الليكوديين، خُواف السلام كما أجّجه الاستنفار ضده. لكنْ كان لافتاً في انتخابات 1999، حيث تبارى العمالي باراك والليكودي نتانياهو، ان يظهر أولمرت في فيلم دعائي لحملة الأول، مؤكّداً لسكان القدس ان صاحب الحملة لن يقسّم المدينة. وعلى خيانته، عوقب في تمهيديّات 2003 فلم يرد اسمه على لوائح ليكود الا في المرتبة ال33. ويُنسب الى زوجته «اليسارية» دور في تحويله عن الصهيونية الايديولوجية، غير ان الثنائية التي فرضها صراع شارون ونتانياهو هي ما أسهمت في تظهير الفوارق بين النزعتين، وفي جعل الأولى خياراً سياسياً عريضاً. "صحيفة الحياة"