البعض يذهب الى القول أن الرئيس الحمدي لم يضع- وهو بصدد التقارب مع الشطر الجنوبي وتحقيق استقلال البلاد من الهيمنة السعودية- أي حساب للقوى العميلة في الداخل وكذلك للسعودية نفسها ومن يقف خلفها فذهب على عجل للتصادم معها واتجه بتحدٍ وإصرار نحو اغضابها وازعاجها غير ان الحقيقة ليست كذلك فالحمدي كان يدرك مستوى النفوذ السعودي في البلاد وتحديداً في الشطر الشمالي وعمل بشكل هادئ ودون أي ضجيج على التقليص من ذلك النفوذ وكان لا يصطدم بشكل مباشر بل يتخذ من الدبلوماسية اسلوباً لإيصال الرسائل لدرجة انه حاول توسيط الرئيس السوداني جعفر نميري وطالبه بمحاولة اقناع النظام السعودي بالكف عن التدخل في الشؤون الداخلية لليمن ودعم المخربين وقال إنه يريد ان يبني اليمن وعلى السعودية ان لا تقف امام ذلك. بهذا المضمون حاول الحمدي بعد ان ساءت العلاقة مع النظام السعودي إيصال رسالته التي لم يكن فيها أي تهديد او تحدٍ بقدر ما كانت محاولة لإقناع النظام السعودي بعدم اعتبار بناء اليمن وتطويره امراً يشكل خطراً على السعودية.. الحمدي كذلك في العلاقة مع الجنوب كان يعي تماماً مدى خطورة ذلك في ظل التجاذبات الدولية والصراع بين المعسكرين ولعله قبل اتخاذ أي موقف لم يغب عنه أمر التهيئة لأية خطوات قد يُقدم عليها الشطران ولهذا نجد ان الحمدي التقى بالسفير الأمريكي اكثر من مرة وكذلك كان يحاول التقليل من حجم المخاوف السعودية والخليجية عموماً من الشطر الجنوبي وشهدت تلك الفترة انفتاحاً من قبل الرئيس سالم ربيع علي مع دول الخليج وعلى رأسها الامارات والسعودية. هنا يمكن القول إن الاقدام على اغتيال الرئيس الحمدي لم يكن إلا مؤامرة سعودية بامتياز وهدف سعودي قبل ان يكون هدفاً لأية قوة أخرى.. نعم كانت تحركات الحمدي مزعجة للقوى الدولية وعلى رأسها واشنطن وتل ابيب سيما ما يتعلق بباب المندب والبحر الأحمر إضافة الى دعم القضية الفلسطينية لكنها لم تكن لتصل الى درجة التخلص من الرجل بتلك الطريقة فقد كانت كل تلك القوى ترغب في الإطاحة بالحمدي بابعاده عن السلطة أو إيقاف طموحاته وهو ما يجعل الكثيرين ينظرون الى ان قرار التخلص من الحمدي وان كان رغبة لقوى متعددة إلا انه كان قراراً سعودياً بامتياز. التقاء مصالح قوى إقليمية ودولية تعزز بعد تحركات الحمدي فيما يتعلق بأمن البحر الأحمر كون المساس بهذا الملف الشائك والخطير لا يزعج النظام السعودي فحسب بل يمتد الى الكيان الإسرائيلي الذي عزز من تواجده العسكري في منطقة جنوبالبحر الأحمر وكذلك الى الولاياتالمتحدة التي ترى في استراتيجيتها ضرورة السيطرة والتحكم بالممرات البحرية إضافة الى مصالح دول وقوى عالمية كفرنسا وبريطانيا. مصر هي الأخرى ورغم العلاقة المتميزة مع اليمن إلا انها كانت تفضل الرياض على صنعاء او عدن ولهذا نجد غياب القاهرة عن مؤتمر تعز كنتيجة لغياب الرياض ولا ننسى هنا إلى الإشارة الى الاستهانة الى اليمن لدرجة تجاهل الدعوة اليمنية لحضور المؤتمر فيمن الحمدي اصبح يزاحم الكبار في لعبة الإقليم كما يرى البعض واصبح الشطر الشمالي له رأي وموقف في اجتماعات القمم العربية وباتت صنعاء محطة رئيسية للزعماء العرب بعد ان حققت وفي فترة قياسية الكثير من الإنجازات التأسيسية للدولة من حيث البنى التحتية والمشاريع والبناء والتنمية والأرقام الاقتصادية التي تحدثت عنها الصحف الغربية بإعجاب شديد. ولهذا يمكن القول أن فترة الرئيس الحمدي أسست لليمن كدولة لها حضور على الصعيدين العربي والإقليمي لولا التآمر الخارجي والدور الخياني الذي تلعبه القوى العملية في الداخل.