قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54))سورة المائدة تتسابق إلى أذهاننا المفردات وتتزاحم في مخيلاتنا العبارات فنحتار أيها ننتقي، فمن هم هؤلاء الذين استحقوا محبة الله عز وجل دون غيرهم؟! إنهم المؤمنون الذين تحلوا بالصفات الإيمانية الصادقة،وهم المتوكلون على الله حق التوكل وترجموا ذلك بالفعل لا القول فقط.فالتوكل معناه:صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار وقد اتكلوا على الله في أمورهم كلها، وأيقنوا بأن لا نافع ولا معطي ولا مانع إلا هو سبحانه وتعالى،وهذه علامة لصدق الإيمان، وفيه ملاحظة لعظمة الله وقدرته،واعتقاد الحاجة إليه ،وعدم الاستغناء عنه وهذا أدب عظيم مع الخالق سبحانه وتعالى ويدل على محبة العبد لربه، فلذلك أحبهم الله وباهى بهم الملائكة ونادى بأسمائهم في الملاء الأعلى وأمر ملائكته بمحبتهم. وقد وصف الله سبحانه وتعالى حالهم وماهم عليه من الاتحاد في الآية الكريمة التالية،قال تعالى:( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفاًّ كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ (4)سورة الصف،فهم كما وصفهم يمثلون كتلة قوية متماسكة وصامدة كالبنيان المرصوص،الذي ضمت لبناته بعضها البعض ورصت لتؤدي رسالتها وتندفع بإقدام في سبيل إعلاء كلمة الله؛صامدون أمام آلات الشرك والكفر في كل زمان ومكان بكل مؤامراته وخططه الشيطانية؛لا لشيء وإنما محبةً لله ولدينه فاستحقوا بذلك نصر الله تعالى وتآييده لهم،وبالتالي محبته،فالله سبحانه وتعالى قد حث المؤمنين على الجهاد في سبيله وبين لهم الكيفية التي يجب أن يكونوا عليها من انتظام واتحاد الصف والكلمة، فالبنيان المرصوص تعني البنيان المرتب وذلك لما للترتيب من أثر واضح في حصول المساواة بين المجاهدين،وكذا التعاضد والتماسك وبهذا يرهبون أعداء الله . لأن وجود أي خلل في صفوفهم قد يتسبب في انهيارها،لذا فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حضر القتال صف أصحابه،ورتبهم في مواقعهم حتى لا يتكل بعضهم على بعض،بل تهتم كل مجموعة منهم بموقعها وتقوم بوظيفتها والمسئولية المناطة بها. كما أنهم برغم قوتهم وتماسكهم نجدهم رحماء متواضعين،وليني الجانب لإخوانهم المؤمنين،متسربلين بالعزة حيال الكافرين والمنافقين،يجاهدون في سبيل الله ونصرة الحق ولا يبالون بمن لامهم،فهم صلاب في دين الله ولا يخافون إلا الله وحده؛وهذا كله بفضل الله سبحانه وتعالى عليهم،وقد عرفوا من هو الأحق بالموالاة فأخلصوا في ولائهم لله ورسوله والمؤمنين، فخصهم الله سبحانه وتعالى بذلك النور الرباني الذي قذفه في قلوبهم،وهداهم سبيل الرشاد،فكانت تقوى الله هي أساس رقي حياتهم،وسر من أسرار محبتهم لله ومحبته لهم.