{ تنبأ بأن صمت الشارع لن يطول وسيثور بلا رؤوس تستغله { الشهيد الجاوي يفضح مبگراً المؤامرة السعودية الرامية لتكريس الانفصال والاحتراب بين أبناء اليمن الواحد { حمل علي عبدالله صالح المسؤولية عن حرب 94 ووقف متراساً صلباً في وجه المتآمرين على الوطن كتب / احمد يحيى الديلمي الشهيد عمر عبد الله الجاوي ابن الوهط محافظة لحج عاش حياة حافلة بالنضال والثورة وكان له حضور صاخب فكان السياسي الوطني صادق الانتماء للوطن والشاعر المبدع الذي حمل الوطن بين جوانحه هماً ذاتياً، وعبر عن هموم وتطلعات المواطنين بقصائد ذات أبعاد واضحة وغايات سامية تمحورت حول المطالبة بإعادة تحقيق وحدة الوطن اليمني والمطالبة بالحرية والديمقراطية وكل ما يسهم في الارتقاء بحياة المواطن وتحسين مستوى معيشته وتعزيز الاصطفاف والتلاحم والصمود في وجه الأعداء الذين حاولوا إخضاع اليمن وإذلال ابنائه من خلال تكريس الانفصال ودفع اليمنيين إلى دورات العنف والاحتراب لضمان بقاء اليمن ممزقاً ضعيفاً، وهو ما كان يؤرق المرحوم الجاوي ويدفعه أكثر إلى مقارعة سلطات الحكم وفضح مخططات الأعداء الإجرامية ودورهم الخطير في تكريس الانفصال وإثارة الفتن والصراع بين أبناء ا لوطن الواحد كلما وجدوا الفرصة سانحة. مع أن السياسة شدته بقوة إليها إلا أنه احتاط لنفسه واحتفظ بأمرين هامين: الأول/ لم يتخل عن معشوقة الأزلي, وهو الأدب بأفقه الواسع وأشكاله المختلفة فظل يكتب الشعر والقصة ويعبر عما يختلج في أعماقه بأسلوب أدبي جسد روح الثورة والتطلع إلى المستقبل الزاهر واستعار أسم “ذو نواس” لنشر كل إبداعاته الأدبية. الثاني/ لم ينزلق إلى دهاليز السياسة الموحش بأساليبه الانتهازية لكنه تعاطى معها بأفق مستنير حاول من خلاله ردم الهوة السحيقة بين النخب السياسية في الحكم أو المعارضة وبين الشارع الاجتماعي بأفقه البسيط واستكانته لما يأتي من أعلى، وأخيراً أكد أن صمت الشارع لن يطول وسينطلق في حراك عفوي بلا رؤوس تستغله ولا وسطاء يتاجرون به، لذلك وإن استخدم العنف والقوة فإنه سرعان ما يحوله إلى مشروع سياسي فاعل لا يعبأ بردود سلطات الحكم وإن وصفته بالساذج أو كالت إليه التهم الجزافية فسيظل هو ذاته الشارع صاحب الإرادة والقوة والفاعلية. أثناء حصار السبعين يوماً شغل منصب رئيس تحرير صحيفة الثورة ومن خلال هذا المنصب شكل جبهة قوية استطاعت نشر الوعي واستنهاض الهمم وتفرد بنشر أول كتاب عن ملحمة الحصار، فضح فيه دور المرتزقة من أمريكا والغرب في ذلك الحصار وفي تلك الهجمة الشرسة. . عندما أنتقل إلى عدن ووجد أن الاستعمار كرس فكرة الانفصال وأقام دولة مستقلة اتجه بكل حواسه وفكره إلى لم شمل الأدباء والكتاب اليمنيين في إطار واحد وتكللت جهوده بالنجاح فانبثقت أول منظمة جماهيرية موحدة ضمت كل الأدباء والمثقفين والكتاب اليمنيين، ولقد لعب هذا الاتحاد دوراً هاماً في تقريب وجهات النظر بين قيادتا الحكم في الشطرين، مع أن الفقيد المرحوم تعرض لمضايقات ومحاولات استهداف عديدة من قبل قوى الأمن في الشطرين، وأحياناً من قبل سلطات الحكم ذاتها إلا أنه ظل قوياً صلباً لم يستكن ولم يعرف التراجع عن هدفه ومبدأه وهو السعي إلى إعادة تحقيق الوحدة، وظل صريحاً صادقاً على نفس المنوال بعد تحقيق الوحدة بحيث مثلت افتتاحيات صحيفة التجمع الصادرة عن حزبه الذي أسسه قنابل موقوتة كانت تحذر من الانتكاسة أو التراجع عن الهدف العظيم، ومما قاله في إحدى الافتتاحيات (يبدو أن ثقة طرفي الإنجاز لا تزال محفوفة بالمخاطر لذلك كل أعمالهم تثير الريبة وهذا يعني أن أصابع الأعداء المتربصين بالوطن والإنجاز العظيم لا زالت ممتدة إلى خاصرة الوطن وتمارس دورا خطيرا وحقيرا هدفه العودة بالأوضاع إلى قبل 22مايو 1990م، الكل يحاول شيطنة الواقع والشياطين قابعة في كراسي الحكم) المقال طويل اعتقد أنه دفع السلطة إلى اغتياله والخلاص منه، وقد جرت المحاولة فعلاً ووجه المجرمين خفافيش الظلام رصاصات الاغتيال إلى الجاوي إلا أنها اخطأته وأصابت المرحوم الدكتور/حسن الحريبي- الشخصية المعروفة وأحد قيادات حزب التجمع، مع ذلك فإن الحادثة لم تؤثر في نشاط الجاوي ولم تفت من عضده، ما إن شُفي من الجروح والإصابات التي ألمت به حتى عاد إلى الميدان بنفس الروح والإرادة والثقة بالنفس يفضح الممارسات المشبوهة والسلوكيات الشاذة بحس وطني صادق وغيرة على الوحدة، وظف أفقه الثقافي الواسع لخدمة هذه الغايات وكانت هذه الخلفية هي التي جعلت المؤتمر والاشتراكي يعضدان العداوة المتأصلة لدى حزب الإصلاح للرجل والموغلة في الحقد وشكلوا حلفاً واحداً لإسقاطه وعدم السماح لفوزه بعضوية مجلس النواب في أول انتخابات حرة تمت بعد الوحدة . رغم مواقف المرحوم الجاوي واللقاءات المتكررة التي جمعته بالرئيس علي عبدالله صالح، إلا أن الأخير يبدو لم يعرف صفات الرجل والأسباب التي جعلته يمثل متراساً صلباً في وجه أي محاولات للنيل من الوطن أو الإساءة إلى أعظم انجازاته التاريخية ممثلة في إعادة تحقيق وحدة الوطن، هذا الإنجاز الكبير الذي كان للجاوي قصب السبق إلى بلورته وإخراجه إلى النور من خلال موقعه كأمين عام لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين خلال أربعة عقود من الزمن أو باعتباره مقرراً لجانب الشطر الجنوبي في اللجنة الدستورية المشتركة التي وضعت دستور دولة الوحدة . هذه الخلفية التي وصفها البعض بالهوس وجعلت المرحوم يردد (أنا أسعى إلى تحقيق الوحدة و لو على يد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر) هي التي جعلت المرحوم يعلن بيانه التاريخي الشهير رافضاً لما صدر عن الرئيس علي سالم البيض من إعلان الانفصال عام 1994م, حيث أدان البيان بشده ورفضه بشكل قاطع وهو في المعمعة وفي ظل الحرب التي كانت في أوج اشتعاله والفوضى عارمة والناس في حالة هلع يبحثون عن ملاذ يلجؤون إليه عند اقتراب قوات الشمال إلى دار سعد ومليشيات الإصلاح التي ضمت أيضاً عناصر من القاعدة وممن كان يطلق عليهم الأفغان العرب كانوا يتجولون بالقرب من عدن ويبحثون عن الجاوي كأهم صيد, لكن الجاوي لم يعبأ بكل هذه الارهاصات ولم يقف موقف المتخاذل المستكين بل بادر إلى إعلان البيان بقوة وصلابة وجاهر بالرفض المطلق لما ورد فيه، لم يضع أي حساب للتداعيات والنتائج التي ستترتب على ذلك، على ما يبدو أن الرئيس صالح لم يقرأ الموقف من هذا المنطلق على أساس أن هذه هي خلفية الجاوي الثقافية وهذا هو بعده الوطني، لكنه أراد من خلال إعجابه بالبيان أن يستقطب الجاوي إلى صفه فأمر وسائل الإعلام بأن تكرر إذاعة بيان الجاوي وتشيد بمناقبه وتمجده، وعندما وضعت الحرب أوزارها عاد الجاوي إلى صنعاء فاستدعاه الرئيس صالح وعرض عليه مكاسب ومناصب عده أهمها أن يتبنى حزب التجمع الذي أسسه الجاوي ويعتمد له ميزانية مجزية، إلا أن الجاوي كما هو معتاد عنه ضحك وقال (هل أعتبر هذه مساومة ؟!) وانطلق يتحدث عن أسباب ما جرى ليكتشف الرئيس صالح أنه حمله المسؤولية الكاملة عن أحداث 1994م مما أثار غضبه وجعله يستعجل مغادرة الجاوي لمكتبه, قال المرحوم من تلك اللحظة لم التق بالرئيس علي عبدالله صالح ولن ألتقي به, بالفعل هذا هو الموقف المتوقع من شخص في مقام وعظمة الجاوي ومكانته, ومن أراد الاستزادة في هذا الجانب فعليه العودة إلى مقالاته بالذات التي عبر فيها عن استهجانه ومقته لمواقف بعض الأدباء والمثقفين ممن كانوا ينتقدون مواقفه الحادة من السلطات الحاكمة من منطلق أن مداهنة الحاكم والإشادة بمواقفه والتغاضي عن ممارساته قد تسهم في تحقيق الإصلاح المنشود وتغيير الواقع المزري من خلاله٫ سمعته في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين يقول عقب حضوره مع عدد من الأدباء ومنهم الأستاذ المرحوم/ محمد علي الربادي رئيس الاتحاد آنذاك في لقاء مع الرئيس صالح بحيث التقى الاثنان على عدم إمكانية الجمع بين الذوبان في فم الحاكم أشعاراً وكلمات تمجده وتعلن الإعجاب بمواقفه وبين إدعاء الوطنية والمطالبة بالتغيير المنشود, أشار الاثنان إلى بؤس هذا الأسلوب على أساس أن الإصلاح الطبيعي الذي يصب في خدمة الوطن والمواطن ويرفع الظلم عن كاهل البسطاء من يعانون الألم والخوف ولسعات الجوع يتطلب التغلب على الطيش ونزوات النفوس المريضة التي تقدس المصلحة الخاصة والمنفعة الذاتية وإن كانت على حساب نهب الحق العام وسلب المواطن العادي وانتهاك كرامته, قال الجاوي مثل هذه السلوكيات الشاذة مبعثها اهتزاز في الذهنية واختلال في العقل والتفكير وإفلاس في المعلومة فكيف يمكن لهذه الشخصية أن تقود الإصلاح أو تحقق التغيير, النضال الدؤوب والمستمر بأفقه الواسع هو الذي يرتقي بذهنية المواطن العادي لكي يصبح رديفا قويا يحقق التغيير المنشود, وهنا تقع المسؤولية على الأدباء والمثقفين إذا ما التزموا بصدق الكلمة وعرفوا معناها التغييري فإنهم لن يتمادوا في الغي ويشاركوا في ذبح معانيها أو عرضها في سوق النخاسة, فالكلمة الصادقة هي مفتاح الأمل وهي التي تشعل روح الثورة وتذكي الحماس لدى الجماهير وتضمن وجود قاعدة عريضة تعيد الثورة إلى مسارها الصحيح وتضفي عليها شرعية شعبية تجعل أي نظام قادر على التغيير وترجمة تطلعات الجماهير والتعاطي مع الواقع بأفق وطني صادق, وختم قائلاً (إن المطالبة بالتصحيح دون أن تكون من مصدر قوة عبارة عن سراب وتمثل حالة استجداء لا يقبلها العقل ) انتهى كلام الجاوي رحمه الله . وأكرر رحم الله الجاوي فلقد عاش مخلصاً للوطن, طاقة متوهجة, ذكاء متقداً جعله يمتلك قدرة خاصة لقراءة المستقبل ومعرفة ما يختزله من احداث, استشهد هنا بمقطع صغير ورد في كلمة له أثناء انعقاد المؤتمر الرابع لاتحاد الأدباء والكتاب العرب في بغداد, حيث قال (الحديث اليومي الممل عن العروبة والقومية وتمجيد الوحدة والأخوة لا تمثل سوى حالة مرضية أنانية انتهازية بالذات أن الممارسات في الواقع تناقض هذا الكلام تماماً بل تدفع إلى الفرقة والانقسام وهذا هو الخطر الداهم لأنه سيسهم في تمزيق الروابط ويهدد الوحدة والقومية وتكون النتيجة تكريس الانقسام والتخلف والتبعية للاستعمار وأخيراً وهو الأخطر مداهنة الحركة الصهيونية باعتبارها النموذج المتميز في المنطقة). تخيلوا هذا الكلمات قالها الجاوي في الثمانينات ونعيشها اليوم قولاً وعملاً, إلا تدل على قوة الذهنية والنبوءة المبكرة والقدرة على قراءة المستقبل, كم نحن بحاجة إلى أمثالك اليوم يا عمر الجاوي!! والكلام يطول وإن شاء الله في تناولة قادمة سنتطرق بالتفصيل إلى حياة هذا الرجل الذي ظُلم مرتين, الأولى في حياته والثانية عند موته, وهو الذي أرتضى الثانية بنفسه فأمر أن يدفن في الليل سراً كما فعلت فاطمة الزهراء عليها السلام حتى لا يسير خلف جنازته المنافقون والدجالون وأرباب السوابق الذين وضعتهم الأقدار في مقام المسؤولية وهم أقل بكثير من أن يحتلوا مركز جندي بطل يدافع عن الوطن. أكتفي بهذا والله من وراء القصد ..