البحر هادئ اليوم ولعب الكرة بجانبه امر ممتع, رمل الساحل ناشف وأصبح أكثر نعومة, الأطفال يتقافزون فوقه كطيور صغير هربت سرا من عش أمها, كرة القدم هي ملاذهم في هذا الساحل الذهبي الجميل, يخرج من هنا أفضل مواهب الوطن, ملاعب متنوعة كرة القدم في جهة وكرة الطائرة يمارسها أناس كبار حتى الألعاب أخرى ك الجمباز والألعاب القتالية, هناك مع من يمارس كرة القدم طفل صغير يلعب حارسا للمرمى لفت الأنظار بشدة إليه, مجيئه إلى الساحل باستمرار جعله يكسب مشجعين يهتفون له ويشجعونه, كان يملك مرونة عجيبة وقفزات مثيرة للدهشة, يصد كرات بعيدة وينزلق لكرات زاحفة, لم يخش سرعتها ولم يخاف من قوتها, هكذا كان يمتع كل من ذهب الى البحر, يتجه قرص الشمس نحو الغروب ويغادر الأطفال الساحل ويبقى هو للحظات متمنيا لو بقى النهار ولم يأت الليل حراسة المرمى يحتاج إلى أبطال, بل الى فدائيين, وكان بطلنا واحد من أولئك المقاتلين والمحاربين الذي أكمل وضع حدا لحياته وهو يدافع ويذود عن الشباك, الأمر غريب نعم ولكن هذه حقيقة ويعرفها كل من عرف إخطبوط الحراسة اليمنية وحامي عرينها وشرفها المسلوب, عارف عبدربه هكذا عرفه الجمهور وبهذا الاسم كان يرن بحنجرات المعلقين, في مباراة الصين الشهيرة التي نفتخر فيها الى اليوم, الجمهور يتذكر صالح بن ربيعة الذي سجل هدف المباراة, وأنا أتذكر حارس تلك المباراة والفدائي الذي أنقذ أكثر من عشرة أهداف, كانت الكرة تعود من قدميه ويركلها المهاجم الصيني مرة أخرى ويصدها بجسده حتى يبعد الهجمة وخطرها عن مرمى منتخبنا, ليلتها كنا نرفع بن ربيعة على الأعناق فرحين بصاروخه الذي أطلقه على الشباك الصينية, وعارف وقف بجانب القائم مبتسما للفرحة التي يراها في مدرجات ملعب المباراة, خرج وحيدا من أرض الملعب كجندي مجهول قاتل حتى النهاية ولم يجد من يتذكره بوضع أكليل الزهور على قبره.. الشعلة الفريق العدني صاحب الشعبية الصفراء, كان يتنافس على حراسة مرماه حارسان عملاقان المخضرم خالد عاتق والعملاق عارف عبدربه, كان هذا التنافس يشكل مصدر أمان للجمهور الأصفر, وكان يعود هذا التنافس المثير بشكل إيجابي على المرمى الأصفر, وربما كان التلميذ عارف يتفوق أحيانا كثيرة على الأستاذ خالد, مما جعل عاتق يبرح في الدكة لسنوات طويلة ولم يستطع ان يقف في مرمى الشعلة إلا بعد رحيل عارف عبدربه عن الحياة, سنوات كنا نراها طويلة ومواسمها متلاحقة ولكن بعد رحيل عارف لم نعد الأيام او نحسبها فقد مر اجملها, وذهب مع رحيل أفضل حارس مرمى يمني في عقد التسعينيات في إحدى مقولات كرة القدم الشهيرة «الحارس نصف الفريق», وعارف كان كل فريق الشعلة, عندما يأتي الفريق الأصفر الى ملعب الظرافي مواجها للأهلي كان عارف يقف شامخا واثقا من الانتصار او الخروج من عرين الأسد اقل شيء بنقطة, يتحول الى أسد مغوار في وسط المرمى يذود عن الشباك, يقتل هجمات الإمبراطور وكان يصنع ملحمات كروية لا يطيقها جمهور الأهلي, يومها اشتهرت عقدت الشعلة للأهلي الصنعاني, أصبح ذلك واقعا يتذوقه الفريق الأحمر وجمهوره بمرارة, كنا نرى ذلك بأم أعيننا, يا إلهي ماذا يفعل هذا العارف بتلك المباريات؟, يا رباه على تلك التصديات الخرافية وردة الفعل الجنوني, وعندما رحل عارف عن الحياة زالت العقدة وانفرطت حلقاتها وأصبح الشعلة بعد عارف ممراً سهلاً للأهلي وغير الأهلي, وضاعت هوية الفريق ولم يتبق إلا الفنيلات الصفراء تتحرك فوق العشب الأخضر! وزملاؤه اللاعبون غادروا الملاعب ونحن نعرف ذلك, طرقوا أبوابنا يستأذنون الرحيل, شاهدت أحذيتهم معلقة على جدران منازلهم, منهم من ذهب الى العمل مع منتخباتنا الوطنية وآخرون فضلوا البقاء في أنديتهم للعمل الإداري او الفني, الكثير غير هؤلاء تركوا مجال الرياضة, ودوما نتواصل معهم ونتجاذب إطراف الحديث عن ذكريات ماضية وإخبار سالفة, لكن عارف عبدربه كان رحيله مختلفاً, وغير البقية رحل دون استئذان ولم يخبر احداً بمغادرته الملاعب, بل الحياة بأكملها, عارف لم يودع الجماهير ولم يودع زملاءه ولم يودع عائلته, تركنا نتحسر على فراقه الذي كان مؤلماً للجميع, لقد سقطت حافلة الشعلة في نقيل الحبيلين «احد مرتفعات اليمن» عند عودتهم من صنعاء إلى عدن, عارف لم يقبل بالموت كالبعير لم يرض ان يأتي الموت إليه, لقد ذهب إليه بمحض إرادته, وقفز من نافذة الحافلة إلى أسفل المنحدر, هناك نجد أحذيته الرياضية معلقة على رأس شجرة يانعة, لقد ترك الجميع ووضع رسالة لكل من يحب هذا الأسطورة مفادها «الحياة قصيرة فاستمتعوا بها وبكل ما تقومون به», رحمة الله على عارف عبدربه وعلى روحه الطاهرة!