وتلت محاولة انقلاب 55 محاولة اغتيال الإمام أحمد عام 1961 م أثناء زيارته لأحد مشافي مدينة الحديدة الساحلية غربي اليمن حيث أقدم الضابط محمد العلفي ومعه زميلاه اللقيه والهندوانة على اطلاق النار على الإمام أحمد وهو يمر في أحد ردهات مستشفى الحديدة وقد تظاهر الإمام بالموت بعد اصابته بالرصاص وما هي الا ساعات قلائل وتفشل الحركة ويقتل منفذوها ويعود الإمام احمد لمواصلة مهامه كحاكم مطلق وقوي لليمن رغم الجراح التي اصيب بها حتى وفاته متأثرا بها بعد مرور عام ونصف ويتولى ابنه الإمام محمد البدر الحكم خلفا لوالده وبعد اسبوع فقط من توليه الإمامة يخلع البدر منها في اعقاب ثورة شعبية شارك فيها مجموعة من ضباط الجيش المدعومين عسكريا من مصر هي ثورة 26 سبتمبر 1962 م التي انهت الحكم الإمامي الملكي وأسست اول نظام حكم جمهوري في اليمن حاكى التجربة المصرية بكل تفاصيلها وايجابياتها وسلبياتها التي استمرت وإلى اليوم. ومع كل التطورات والتغيرات التي طرأت على اليمن خلال المراحل والفترات التاريخية الماضية التي عاشتها بأتراحها وأفراحها كانت السعودية حاضرة ومتابعة ومتربصة ومترصدة ومتوثبة . كما كانت السعودية في ذات الوقت على أهبة وأتم الاستعداد وعلى مستوى كافة الاحتمالات لتدخلاتها في اليمن وفرض رؤاها وسياستها على ما حدث ويحدث وكانت في تلك الأثناء ولا تزال ترقب الوضع اليمني المتدهور والمتفاقم والمتردي غالبا بعين واهتمام المعني والمصر على التدخل في شؤون الغير وحشر نفسها وأنفها في مالا يعنيها في بلد عانى الكثير جراء سياستها العدائية والتآمرية عليه وتحمل ولا يزال الكثير من المتاعب والأعباء بسبب ذلك العنت والعداء والصلف السعودي المدفوع بدوافعه السياسية والاقتصادية والتاريخية والجغرافية وحتى الثقافية والدينية والاجتماعية المتنوعة والمتصلة ببعض اتصالا وثيقا لا يكاد ينفك أو يضعف بأي حال من الأحوال. وللتدخلات السعودية المباشرة في شؤون اليمن الداخلية على مدى سنوات القرن المنصرم وحتى اللحظة تحديدا صور ونماذج وأمثلة كثيرة تدل وتؤكد حقيقتها ومن ذلك مثلا لا حصرا : تعمدها استبقاء وتأخير وفد جامعة الدول العربية من زيارة اليمن بعد أيام من قيام ثورة 48 م ومقتل الإمام يحيى للاطلاع عن كثب مستجدات وتطورات الوضع في البلاد وذلك لتمكين الإمام أحمد من التحرك ومنحه الفرصة والوقت الكافي حينها للقضاء على الثورة والسيطرة على صنعاء العاصمة وهو ما تحقق وتم بالفعل. وفي خطوة مماثلة ومشابهة قيل كما سبق وذكرنا أن السعودية ساعدت الإمام أحمد في القضاء على حركة 55 م بتعز وارسل عاهل المملكة عبد العزيز طائرتين عسكريتين لقصف معسكر قائد الانقلاب المقدم أحمد الثلايا وكان لخطوتها هذه الدور الأبرز في القضاء على المحاولة الانقلابية الفاشلة والقبض على رموزها ومن ثم قتلهم ومن بينهم اثنان من أشقاء الإمام أحمد. وأثناء ثورة 26 سبتمبر 1962 م وبعدها التي أطاحت بالنظام الإمامي الذي كان يحكم اليمن منذ آلاف السنين وصل التدخل السعودي في شؤون اليمن إلى ذروته وبلغ درجاته القصوى وازداد حدة واتساعا ونشاطا وأخذ أكثر من قبل يتمدد ويتوغل في العمق اليمني ويحقق بسهولة ويسر مالم يتمكن من تحقيقه من قبل. حيث ألقت مملكة آل سعود آنذاك بكل ثقلها وسخرت امكانياتها وقدراتها وعلاقاتها الإقليمية والدولية لتقف في الصف المعادي للثورة اليمنية وتعلن موقفها المعادي والرافض لنظامها الجمهوري الوليد بصنعاء المدعوم من مصر عبد الناصر بعد أيام قلائل من قيامه، وسارعت الرياض إلى اقامة معسكرات التدريب وحشد الحشود لقوى الملكية داخل الأراضي اليمنية وفي عمق الأراضي السعودية وزجت بمقاتلي الفلول الملكية بقيادة الإمام المخلوع محمد البدر وبعض أفراد أسرته إلى جبهات وساحات المواجهة مع قوى الثورة والجمهورية ومعها القوات المصرية المساندة لها ومولت السعودية وأنفقت بسخاء على حرب الثمان سنوات بين الجمهورية الوليدة في اليمن وحليفها المصري وفلول قوى الملكية الذين يقودون ثورة مضادة ويسعون لوأد النظام الجمهوري في اليمن حتى مكنت الملكيين من الوصول إلى اطراف صنعاء من عدة جهات وفرض حصار محكم عليها دام 70 يوما كادت صنعاء خلاله أن تسقط بين ايدي محاصريها من الملكيين ويسقط بالتالي نظام الثورة الجمهوري لولا صمود واستبسال وثبات قلة من ابطال السبعين يوما بينهم الفريق حسن العمري والقائد العسكري المحنك عبد الرقيب نعمان ورفاق دربهم النضالي في تلك الملحمة الوطنية الخالدة. بل ان السعودية حشدت الحشود واستنفرت همم أعداء ثورة اليمن وجمهوريته آنذاك وأقامت جسوراً بحرية وجوية وبرية شبه يومية لدعم القوى المناوئة للثورة والجمهورية ودعمها بالمال والسلاح في معركتها المفتوحة مع الثورة وحليفها المصري وقد نجحت الرياض في اقناع بعض الدول في التحالف معها ضد نظام الجمهورية الوليد في اليمن وضم ذلك التحالف عدة دول إلى جانب السعودية هي: بريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية والمملكة الأردنية وفرنسا وإيران وحتى إسرائيل. وكانت جالونات الذهب وقوافل الأسلحة والأغذية والملابس والأموال النقدية وغيرها تصل تباعا إلى معسكرات الملكيين عبر عدة طرق جوا وبحرا وبرا وما بخلت السعودية حينها بشيء على حلفائها الملكيين. ولم تعترف الرياض بالنظام الجمهوري في اليمن إلا بعد عدة سنوات من قيام الثورة وذلك في أعقاب مؤتمر المصالحة بين الجمهوريين والملكيين وانسحاب القوات المصرية من اليمن نهاية ستينيات القرن الماضي ومطلع السبعينيات منه وجاء الاعتراف السعودي بنظام الجمهورية العربية اليمنيةبصنعاء على مضض وعلى اساس قاعدة : مضطر أخوك لا بطل « وبعد أن يئست واستيأست من النجاح في افشال الثورة اليمنية وعودة النظام الملكي المنهار للحكم مجددا بصنعاء واكتفت المملكة حينها بفرض عناصر محسوبين على الملكيين ضمن قائمة النظام الجمهوري الجديد في اليمن والبحث مجددا عن مبررات ووسائل أخرى وظروف أنسب للتدخل في شؤون اليمن والاستمرار في هذه اللعبة والهواية السعودية المفضلة !.. ***** يتبع ****