الأطفال كما جاء في كتاب الله الحكيم هم زينة الحياة الدنيا، وهم الأمل والمستقبل المشرق الذي من خلالهم تبنى وتعمر الأوطان، وكلما توفرت الأجواء الصحية والنفسية لهذه الشريحة الأساسية في تكوين المجتمع يكون المجتمع سليماً معافى ومستقبله أفضل، وكلما تعرضت هذه الجوانب للتهديد والمساس بها أوجدنا مجتمعاً يعاني من الأمراض النفسية والعاهات المجتمعية ومستقبلاً مصيره مجهول، وهذا هو حال أطفالنا في اليمن الذين ضاعت طفولتهم وفقدوا المعنى الحقيقي لها واندثرت في حياتهم وفي ذاكرتهم هذه المرحلة من مراحل نموهم ليحل محلها الموت والجوع والفقر والمجاعة والتشرد وهو الجحيم بكل ما تعنيه الكلمة من معنى والسبب في ذلك هي الحرب والحصار الجائر الذي فرضه العدو الأمريكي السعودي الإماراتي ومرتزقتهم على بلدنا الحبيب، وكان لها أثرها الكارثي الذي أنعكس سلباً على فلذات أكبادنا وأصبحت معاناتهم رهيبة ومخيفة، وبحسب تقارير المنظمة المعنية بحماية الطفولة(اليونيسيف) فإن نصف أطفال اليمن دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية المزمن. لقد كان للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي انتهجها عدوان العدو السعودي في حربه العبثية على وطننا دوراً كبيراً فيما وصل إليه حال أطفالنا في اليمن ونتج عنه الكثير من السلوكيات والظواهر مثل ظاهرة عمالة الأطفال التي زادت في الآونة الأخيرة بسبب الأحداث التي يواجهها الوطن وغياب أي سياسات من قبل الجهات المعنية والمنظمات الحقوقية لحمايتهم من تلك الانتهاكات التي يتعرضون لها والعمل على رعايتهم اجتماعياً وتعليمياً، إضافة إلى أنعدام الوعي المجتمعي بالنسبة لخطورة عمالة الأطفال، واستغلال بعض أصحاب الأعمال لصغار السن من خلال توظيفهم بوظائف لا تليق بهم ولا تتناسب مع أعمارهم وضعف أجسادهم ، وقد شدني لكتابة هذا الموضوع موقف استنفز مشاعري لطفل صغير لا يتجاوز عمره العشر سنوات يعمل في أحد المطاعم بدوام كامل ، وعندما سألته لماذا تشتغل وأنت في هذا العمر ولماذا لا تدرس كبقية زملائك ؟ أجابني بصوت حزين: أنا كان لدي أخ أكبر منى وكان يعيلني أنا وأهلي ولكنه أستشهد في الجبهة وليس لأهلي أحد سواي. وسألته كم ساعات الدوام وكم يعطيك رب عملك؟ أجابني دوامي من الساعة التاسعة صباحاً وحتى العاشرة مساءً.. وبأجرة زهيدة جداً أمام دوام كامل لا يرحم سن طفل بعمره ، هذا ليس هو الطفل الوحيد الذي ترك دراسته للالتحاق بسوق العمل ولكن يوجد الآلاف من الأطفال الذين يعانون من وحشية الظروف القاسية التي ألمت بالوطن وأجبرت الكثير من فلذات أكبادنا عبر الالتحاق بهذا السوق الموحش الذي لا يفرق بين صغير وكبير.ولم يكن سوق العمالة للأطفال هو نتاج هذه الحرب الظالمة فقط بل أيضاً بسبب التدمير الشامل للنظام الصحي في بلادنا الذي أدى بدوره إلى تفاقم الأوضاع الصحية وخاصة في هذه الشريحة فانتشرت الأمراض والأوبئة القاتلة التي لا ترحم تلك الأجساد الصغيرة الهزيلة غير القادرة على مقاومتها بسبب سوء التغذية وانعدام الغذاء الصحي لبناء أجسادهم وتقويتها. وهنا نتساءل أين دور المنظمات المعنية بحماية هذه الشريحة المهمة في المجتمع؟ وأين نتائج تقاريرها التي أصمت أذاننا ودائماً تروج لها عبر كل الوسائل الإعلامية والمحافل الدولية عن الوضع الإنساني لأطفال اليمن وما يعانوه من أزمات خطيرة متمثلة بالصحة والتعليم والفقر وعدم الأمان والتجنيد الإجباري؟ ولماذا لا نجد لها خطوات على الواقع لإيصال دعمها الحقيقي بشكل أكبر ومستمر والالتزام بتعهداتها بحماية أطفالنا من الحرب العبثية وتقديم البرامج والمساعدات الإنسانية ودعم النظام الصحي من أجل القضاء على الإمراض والأوبئة المنتشرة التي تفتك بأطفالنا؟ وكذلك نتساءل عن دور وزارة حقوق الإنسان في هذا الجانب أين برامجها التوعوية التي تسهم في حماية حقوق الأطفال من أي انتهاكات يمارسها العدو اليوم وبعض من فقدوا ضمير الأخلاق والإنسانية ومتى سيعي أولئك الذين باعوا إنسانيتهم وأنفسهم للعدو وقبضوا ثمنها أشلاء أطفالنا ليدمروا بغبائهم وبإجرامهم الوطن والمستقبل.