لقد كانت السيدة الزهراء نسخة من أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحاً وأخلاقاً وتقوى وعبادة وصلة بالله وانسجاما مع تعاليمه، لذا فقد كانت سلام الله عليها مثلا أعلى للمرأة المسلمة في قداستها وطهرها وعبادتها المنقطعة النظير. قال الحسن بن علي سلام الله عليهما: (رأيت أمي فاطمة في محرابها ليلة، فلم تزل راكعةً ساجدةً حتى اتضح عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر من الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: (يا أماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثم الدار). ويقول الحسن البصري: ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة عليها السلام إنها كانت تقوم حتى تتورم قدماها، وكانت تتضرع لربها من أجل الآخرين وتطلب الخير لهم قبل أن تطلبه لنفسها. وروي عنها أنها سلام الله عليها لما سمعت قوله تعالى: (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ (44))سورة الحجر، سقطت سلام الله عليها على وجهها وهي تقول:(الويل ثم الويل لمن دخل النار). شدة تسترها وحياءها عليها السلام: (عن علي بن الحسن بن علي عليهم السلام أن رجلا أعمى استأذن عليها فاحتجبت فقال لها النبي صلى الله عليه واله وسلم: لما احتجبتي وهو لا يراك؟ فقالت: يا رسول الله إن لم يكن يراني، فأنا أراه وهو يشم الريح، فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم: أشهد أنكِ بضعة مني). هذه ومضات يحار العقل البشري عند استذكارها والتفكير بها، وحين يقف المرء عندها تخشع جوانحه إجلالا وإكباراً لها، لذا فعلى نساء الأمة الإسلامية أن يكن هن السباقات للاقتداء بسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها. كرمها سلام الله عليها وإيثارها: روي أنه في أشد الأيام عسرة حين آلمت الضائقة المالية والأيام القاسية اقتصاديا دخل على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم شيخ كبير تبدو عليه من ملامحه شدة فاقته فالثياب رثة والظهر أصبح محدودبا والوهن بدى بارزاً على تقاسيم وجهه فقال: يا رسول الله إني جائع الكبد فأطعمني، وعاري الجسد فاكسني وفقير فأثرني، فيقول له: ما أجد لك شيئاً، انطلق إلى ابنتي فاطمة وأمر بلالاً رضي الله عنه أن يدله على بيت الزهراء عليها السلام ولما بلغ الشيخ بيت فاطمة رفع صوته قائلاً: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، ومختلف الملائكة، يا بنت محمد أقبلت عليك مهاجراً من شقة عاري الجسد جائع الكبد فواسيني يرحمك الله، فتسرع الزهراء عليها السلام إلى جلد كبشٍ مدبوغ كان ينام عليه الحسنان عليهما السلام، لكنه لم يقبله منها فعمدت إلى عقد كان في عنقها أهدته لها فاطمة بن حمزة رضي الله عنها فدفعته إلى الشيخ، وقالت: له خذه وبعه فعسى الله ان يعوضك بما هو خير لك منه، ويذهب الشيخ إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ليبيع العقد، فيقول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعمار اشتريه فوالله لو اشتره فيه الثقلان ما عذبهم الله في النار، فيشتريه منه عمار بن ياسر رضي الله عنه بمبلغ عشرون ديناراً ومائتي درهم وبردة يمانية وراحلة تلفيه إلى أهله، فدعا الشيخ لفاطمة الزهراء عليها السلام وأمن الرسول صلى الله عليه واله وسلم على دعائه، أما عمار بن ياسر فقد طيب عقد الزهراء ولفه ببردة يمانية ودفع بالعقد مع خادمه وقال له أنت لرسول الله وأعاد العقد هدية لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم وما أن يصل العبد وبصحبته العقد إلى رسول الله حتى يبعثه إلى فاطمة عليها السلام فتأخذ العقد وتقول للعبد: أنت حر لوجه الله لتضيف بذلك مكرمة عظيمة إلى مكارمها الأخرى، فتبسم العبد وهو يقول: ما أكثر بركة هذا العقد أشبع جائعاً، وكسا عارياً، وأغنى فقيراً وأعتق مملوكاً،ثم عاد إلى أهله... من الأدعية التي وردت عنها سلام الله عليها: دعاء يوم أحد (اللهم أجعل أول يومي هذا فلاحاً وآخره نجاحاً وأوسطه صلاحاً، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد واجعلنا ممن أناب فقبلته وتوكل عليك فكفيته وتضرع إليك فرحمته). ومن دعاؤها لطب حوائج الدنيا والآخرة: (اللهم قنعني بما رزقتني واسترني وعافني أبداً ما أبقيتني وأغفر لي وارحمني إذا توفيتني، اللهم لا تعنني في طلب ما لم تقدره لي، وما قدرته علي فاجعله ميسراً سهلاً، اللهم كاف عن ولدي وكل من نعمه علي خير مكافأة، اللهم فرغني لما خلقتني له ولا تشغلني بما تكفلت لي به، ولا تعذبني وأنا استغفرك ولا تحرمني وأنا أسألك، اللهم ذلل نفسي في نفسي، وعظم شأنك في نفسي وألهمني طاعتك والعمل بما يرضيك وتجنب ما يسخطك يا أرحم الراحمين). اللهم بحق هذا الدعاء نسألك بأن تحرس اليمن واليمنيين بعينك التي لا تنام، اللهم احفظهم من كل مكروه وسوء واحقن دماءهم، وألف بين قلوبهم واصلح ذات بينهم وانصر جيشنا ولجاننا الشعبية على المعتدين والخونة وكل من دار في فلكهم من أمم الشرك أجمعين. اللهم إنا نعوذ بك من أن نتولى لك عدواً أو أن نعادي لك ولياً، اللهم من صليت عليه فصلواتنا عليه ومن لعنته فلعنتنا عليه، اللهم من كان في موتهم فرجاً لأمة سيد الأنام محمد صلى الله عليه واله وسلم فأرحنا منهم وأبدلنا منهم من هم خيراً لنا منهم حتى ترينا من علم الإجابة ما نعرفه في أيدينا ومعايشنا وأوطاننا برحمتك يا أرحم الرحمين. واليكم بعض ما روته السيدة الزهراء من أحاديث عن أبيها صلى الله عليه واله وسلم: 1- عن ليث بن أبي سليم عن عبدالله بن الحسن عن أمه فاطمة الكبرى بنت الحسين عن أبيها عن أمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن أبيها انه قال: (خياركم ألينكم مناكبا وأكرمكم لنسائهم). 2- قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خير أو ليصمت، إن الله تعالى يحب الخير الحليم المتعفف، ويبغض الفاحش الضنين البذاء السنال المدحف، إن الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة، إن الفحش من البذاء والبذاء في النار. وقالت عليها السلام في وصف ما هو خير للنساء: (خير لهن ألا يرين الرجال ولا يرونهن) فعلى نساء امة محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم الاقتداء بسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء وعليها السلام منها القدوة والنموذج والمثل الأعلى لكل امرأة مسلمة تعيش حياة العزة والكرامة حتى يرث الأرض ومن عليها. قصة جاريتها فضة: جدير بشخص يعيش مع أهل البيت الثقل الذي تركه الرسول الأعظم صل الله عليه واله وسلم بين ظهراني الأمة وقرنه بالقرآن الكريم ان يكون مثل هذه المرأة الصالحة التي كانت جارية عند آل علي عليه السلام فقد روى المؤرخون عن هذه المرأة الصالحة اقتدت بآهل البيت عليها السلام وبالزهراء خاصة، فكانت مثال التقوى والعبادة والورع والقيام بالفرائض والنوافل كعادة أسيادها عليهم السلام فكانت كذلك قد تأدبت بأدبهم، فقد روى أن هذه المرأة الصالحة لا تتكلم إلا بالقرآن مدة عشرات السنين فكانت إذا طلبت شيئا أو طلب منها شيء تجيب بآية من القرآن تحمل المعنى المطلوب ورحم الله الشاعر الأمير أبو فراس الحمداني القائل: يخاطب أناس استلموا الأمارة والحكم ليصف الفرق بينهم وبين أهل البيت عليهم السلام إذ يقول: تتلى التلاوة من آياتهم سحراً وفي بيوتكم الاوتار والنغم وكانت السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام قدوة حسنة وأسوة وقد تتلمذت جاريتها فضة رضوان الله عليها على يديها وفد المؤرخون هذه الحادثة معها قال ابو القاسم القسري: انقطعت في البادية عن القافلة فوجدت امرأة فقلت لها: من آنت؟ فقالت: من يهدي الله فلا مضل له. فقلت أمن الجن أنت أم من الأنس؟ قالت: يا بني آدم خذوا زينتكم. فقلت: من أين أقبلت؟ قالت: ينادون من مكان بعيد. فقلت أين تقصدين؟ قالت: ولله على الناس حجم البيت. فقلت! متى انقطعت؟ فقالت: ولقد خلقنا السماوات والأرض في ستة أيام. فقلت: اتشتهين طعاماً؟ فقال: وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام. قاطعتها ثم قلت: هرولي وتعجلي. فقالت: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.. فقلت: أردفك؟ فقلت: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتها. فنزلت فأركبتها فقالت: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. فلما أدركنا القافلة قلت لها: ألك احد فيها؟ فقالت: ”يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض وما محمد إلا رسول».. «يا يحيى خذ الكتاب»، «يا موسى اقبل ولا تخف». فصحت بهذه الاسماء فإذا بأربعة شباب متوجهين نحوها، فقلت من هؤلاء مثلك؟ فقالت: المال والبنون زينة الحياة الدنيا. فلما اتوها قالت: يا آبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. فكافأوني بأشياء فقالت: والله يضاعف لمن يشاء فزادوا لي فسألتهم عنها، فقالوا: هذه أمنا فضة جارية الزهراء عليها السلام ما تكلمت منذ عشرين عاماً إلا بالقرآن. فسلام الله على أهل بيت الرسول الأعظم محمد صلوات ربي وسلامه عليه وآله الأطهار.