عبد الوهاب الشرفي* في تصريحاته ومنشوراته المثيرة للجدل، نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منشوراً لافتاً لا يمكن للمراقبين تجاهله دون التمعّن فيه ومحاولة فهم مضمونه. فقد كتب: "أنا مرسل بمهمة من الرب، ولا أحد يمكنه إيقاف ما هو قادم". فما هي هذه المهمة؟ وما هو هذا "القادم" الذي لا يمكن إيقافه؟ نشر ترامب هذا التصريح في 29 مايو 2025، أي قبل بدء العدوان الأمريكي والإسرائيلي على إيران بنحو نصف شهر فقط. وقد جاء ذلك بعد عدة تصريحات له، ألمح فيها إلى أن أموراً ما ستحدث لروسيا، أو أن شيئاً كبيراً سيقع في إيران أو في الشرق الأوسط. وهو ما يُفهم منه أن ما جرى في ولايته الأولى، وما سيجري لاحقاً، إنما هو ضمن أحداث مخططة مسبقاً ويتم تنفيذها بالتدريج. يتحدث ترامب عن "الرب" بشكل لافت في تصريحاته، وأحياناً بأسلوب يُوحي بأنه رجل دين، لا زعيم سياسي. ومن تابع حملته الانتخابية سيتذكر كيف روّج له بعض أنصاره على أنه مرسل من الرب، بل إن بعضهم يعتقد أنه "المخلّص" الذي جاء ليقاتل "الأشرار". من الواضح أن فكرة "المخلّص" وكذلك "المسيح" هي فكرة دينية مسيحية، وترامب مسيحي. لكن تلك الفكرة، وفق العقيدة المسيحية، تفترض أن المسيح سيأتي من السماء، وهو ما لا ينطبق على ترامب. في المقابل، ينسجم اعتقاد أنصاره أكثر مع العقيدة اليهودية، التي تؤمن بقدوم "الماشيحين" اثنين: الأول يقود اليهود في حروبهم ويمهد الطريق للثاني، الذي هو "الماشيح" الملك المنتظر. لم يعلن ترامب صراحة أنه صهيوني، كما فعل الرئيس السابق جو بايدن، لكنه أكد في أكثر من مناسبة أنه حليف قوي للصهيونية وللشعب الإسرائيلي، وأعلن دعمه اللامحدود لإسرائيل. بل إن من أبرز قراراته خلال ولايته الأولى كان نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو قرار لم يتجرأ أي رئيس أمريكي سابق على اتخاذه. ما سبق يوضح أن "مهمة الرب" التي يتحدث عنها ترامب تنطلق من تصوّر مرتبط بالصهيونية والكيان الإسرائيلي، غير أن ما يجعل هذه الفكرة أكثر وضوحاً هو تصريح مايك بومبيو – وزير الخارجية السابق ومدير CIA وعضو الكونغرس – الذي قال فيه: "الرب أرسل ترامب لإنقاذ اليهود". هذا التصريح من شخصية بهذا الوزن السياسي يُعد بمثابة "وضع للنقاط على الحروف". شخصية ترامب ودور الصهيونية يتّضح من تصرفات ترامب وتصريحاته أنه شخص مصاب بما يُعرف ب"العتة" – نقص في العقل دون جنون – مصحوب بنرجسية مفرطة وأنا عالية، يُمحور كل شيء حول ذاته. ويبدو أن الصهيونية قد استغلت هذه الصفات فيه، وأقنعته بأنه "المخلّص"، أو ما يُعرف في العقيدة اليهودية ب"الماشيح ابن يوسف"، الذي يأتي ليُمهد الطريق ل"الماشيح ابن داود" – ملك اليهود المنتظر. من هنا، تتجلى طبيعة المهمة التي يزعم ترامب أن الرب أرسله لتنفيذها، وهي مهمة دينية – سياسية تتماهى مع العقيدة اليهودية لا المسيحية، وتتمثل في التمهيد لظهور "الماشيح الثاني". خطوات التمهيد وفرض السيطرة وفقاً لهذه الرؤية، فإن أولى خطوات التمهيد كانت الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو ما فعله ترامب في ولايته الأولى. وقد صرّح آنذاك بأن "فلسطين صغيرة"، وهو تصريح ينبع من قناعته بمفهوم "أرض إسرائيل الكبرى"، التي تشمل: القدس والضفة الغربية وقطاع غزة جنوبلبنان (حتى نهر الليطاني) جنوبسوريا حتى دمشق البحر الميت ونهر الأردن وكل ما غربه أجزاء من الأردن الحالي وهذه الخريطة تتسق مع التصور اليهودي ل"أرض إسرائيل" وحدودها التاريخية، التي تشمل أيضاً ما يسمونه "أراضي نفوذ إسرائيل"، والتي تمتد إلى: سيناء ودلتا النيل أجزاء من شمال الجزيرة العربية (في الأردن والسعودية واليمن) مراحل التنفيذ يتطلب استكمال هذا المشروع أمرين رئيسيين: 1. القضاء على "أعداء إسرائيل": كل دول المنطقة تُعتبر ضمن هذا التصنيف. البعض يتم التعامل معهم بوسائل غير عسكرية، أما حركات مثل حماس، حزب الله، وإيران فتتم مواجهتهم بالقوة العسكرية. كل هذا في إطار مفهوم يردده ترامب: "فرض السلام بالقوة"، وهو جزء من عقيدة "الماشيح الأول" الذي يُمهد لظهور الثاني. 2. تهيئة النظام العالمي لحرب كبرى: التدخل في الأنظمة المعادية لإسرائيل قد يهدد الأمن القومي لدول كبرى مثل روسيا والصين. هذا قد يؤدي إلى نشوء تحالف شرقي مقابل الناتو، ثم اندلاع حرب عالمية ثالثة. أهداف هذه الحرب إعادة رسم خرائط المنطقة لصالح إسرائيل. تقويض الأممالمتحدة والنظام الدولي. تدمير القوى غير الصهيونية وإرهاق الشعوب للقبول بما يُفرض عليها. ما بعد الولاية الثانية ما تبقى من ولاية ترامب الحالية ثلاث سنوات، وهو وقت غير كافٍ لإكمال هذه الخطة. ربما لهذا تحدث ترامب بشكل غريب عن إمكانية ترشحه لفترة رئاسية ثالثة، قائلاً إن هناك "ثغرة في الدستور" تسمح له بذلك. وهو ما قد يكون جزءاً من المخطط الصهيوني لتمكينه من الاستمرار، باعتباره "الماشيح الأول". وإذا لم ينجح في الوصول لولاية ثالثة، فربما – بحسب الفكرة اليهودية ذاتها – يُغتال طعناً، وتُستخدم حادثة اغتياله لفرض استكمال المشروع تحت ذريعة الأمن القومي الأمريكي. في الختام قد يعتبر البعض هذا التحليل متأثراً بالرؤية الدينية اليهودية لنهاية العالم، لكن من المهم أن نُدرك أن: ترامب نفسه هو من قال إنه مرسل بمهمة من الرب. ما قام به فعلياً حتى الآن، يتطابق مع مراحل هذه الرؤية. هذا لا يعني حتماً نجاح هذا المخطط، فالله هو المدبر، وهو القادر على إحباط ما يُراد. * كاتب ومحلل سياسي – اليمن [email protected]