الحراك الجنوبي يثمن إنجاز الأجهزة الأمنية في إحباط أنشطة معادية    المال العام بين النهب والصمت    العودة إلى منطق الدولتين.. المخرج الأخلاقي والعملي لاستقرار الجنوب واليمن    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    حزام الأسد: بلاد الحرمين تحولت إلى منصة صهيونية لاستهداف كل من يناصر فلسطين    ليفركوزن يكتسح هايدنهايم بسداسية.. ولايبزيج يرفض هدية البافاري    تركتمونا نموت لوحدنا    علموا أولادكم أن مصر لم تكن يوم ارض عابرة، بل كانت ساحة يمر منها تاريخ الوحي.    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    عملية ومكر اولئك هو يبور ضربة استخباراتية نوعية لانجاز امني    البخيتي :حربنا مع السعودية لم تعد حدودية بل وجودية    المهرة.. جمرك شحن يعلن تعرض موظفيه للتهديد على ذمة الإيرادات والسلطة المحلية تنفي وتؤكد التزامها بالإصلاحات    "مفاجأة مدوية".. ألونسو مهدد بالرحيل عن ريال مدريد وبيريز يبحث عن البديل    الإصلاح الإخواني ينهب إيرادات تعز لتمويل الإرهاب والتكفير    قيادة وزارة الشباب والرياضة تزور أضرحة الشهداء الصماد والرهوي والغماري    الجواسيس يكشفون أساليب التدريب والتقنيات المستخدمة واستغلال "المنظمات" للتجسس والإجرام    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    أبناء الحجرية في عدن.. إحسان الجنوب الذي قوبل بالغدر والنكران    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    نائب وزير الشباب يؤكد المضي في توسيع قاعدة الأنشطة وتنفيذ المشاريع ذات الأولوية    الشعب ينهي مبارياته بتأكيد العلامة الكاملة وأهلي الغيل يحسم الصراع مع الأخضر لصالحه في بطولة البرنامج السعودي للكرة الطائرة    فرع القدم بوادي حضرموت يعقد أجتماعا موسعا باللجان .. ويناقش المرحلة المقبلة و اعداد الخطط الخاصة بذلك ..    عين الوطن الساهرة (1)    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    صنعاء.. جمعية الصرافين تعمّم بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    الدوري الانكليزي الممتاز: تشيلسي يعمق جراحات وولفرهامبتون ويبقيه بدون اي فوز    جرحى عسكريون ينصبون خيمة اعتصام في مأرب    قراءة تحليلية لنص "رجل يقبل حبيبته" ل"أحمد سيف حاشد"    الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري تعزّي ضحايا حادث العرقوب وتعلن تشكيل فرق ميدانية لمتابعة التحقيقات والإجراءات اللازمة    الوزير البكري يحث بعثة اليمن المشاركة في العاب التضامن الإسلامي في الرياض على تقديم افضل أداء    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    الرئيس الزُبيدي يُعزّي في وفاة السفير فكري السقّاف    نقابة المعلمين تستنكر تأخير الرواتب وتلوّح بالتصعيد    المستشفى العسكري يدشن مخيم لاسر الشهداء بميدان السبعين    وفاة جيمس واتسون.. العالم الذي فكّ شيفرة الحمض النووي    بحضور رسمي وشعبي واسع.. تشييع مهيب للداعية ممدوح الحميري في تعز    وصول أولى قوافل التجهيزات الطبية الإمارات لمشافي شبوة    الهجرة الدولية ترصد نزوح 69 أسرة من مختلف المحافظات خلال الأسبوع الماضي    تغاريد حرة .. قل ما تريد ونحن نقطقط ما نريد    القبض على مطلوب أمني خطير في اب    لاعبة عربية تدخل قوائم المرشحين لجوائز "فيفا"    المحاسبة: من أين لك هذا؟    مدير ميناء المخا: الميناء، اصبح جاهز لاستقبال سفن الحاويات    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    الذهب يصعد مدعوما بالإغلاق الحكومي الأمريكي    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الصحفي مطر الفتيح يطمئن على صحة الإعلامي القدير عبدالسلام فارع بعد رحلة علاجية في مصر    قياسي جديد.. 443 ألفا انتظار حفل مجيد    بنحب مصر وبلا حراسات.. زعماء أوروبا يمددون إقامتهم ويندمجون في الحياة المصرية    ضيوف الحضرة الإلهية    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة تحليلية لتاريخ الوجود اليهودي في أوروبا وعلاقتهم بالكنيسة والمجتمع
كيف ولد قانون تجريم معادات السامية؟
نشر في الجمهورية يوم 23 - 01 - 2015

الذي لا يعرف تاريخ اليهود في أوروبا وكيف عاشوا لن يستطيع فهم قانون تجريم معادات السامية خصوصاً إذا انطلق من قضية الصراع العربي الإسرائيلي.. الكنيسة الكاثوليكية في الغرب طوال1700 سنة كانت تنظر إلى اليهود على أنهم قتلة السيد المسيح عليه السلام، وأنهم قالوا كما في الإنجيل لبيلاطس النبطي اقتله ودمه علينا وعلى أولادنا، وأنهم قذفوا مريم العذراء بالزنا وعلى هذا الأساس عاملتهم وحصرتهم في “الجيتو” والذي لا يعرف الجيتو فهو عبارة عن مستوطنة معزولة مسورة بأسوار عالية لها أبواب للدخول والخروج يتم حشر السكان اليهود داخلها للسكن والعيش وفي المساء يغلقون على أنفسهم من الداخل وعند الصباح يخرجون إلى المدينة يعملون وعند المساء يعودون إلى الجيتو، وحرمت الكنيسة عليهم معظم المهن في القرون الوسطى .
وزاد من هذه النظرة السلبية لليهود انغلاق اليهود على أنفسهم وغموضهم الشديد وتعاملهم بالربا وإثارتهم للدسائس والمبالغة في الاستفادة من مظلومياتهم بل وتحويلها أحياناً إلى عروض للتجارة والربح المادي كما قال كارل ماركس عنهم في مقالته عن المسألة اليهودية.
عندما بدأت الثورة العلمانية والانثروبوليجية في الغرب منذ القرن السابع عشر اعتبرت اليهود ضحايا الاضطهاد الكنسي على أساس ديني فرأينا هؤلاء يقولون قتل المسيح ليست مشكلة اليهود المعاصرين حتى وإن كانوا يعتقدون أن المسيح مهرطق فهذا حقهم في الاعتقاد الديني.
ففي فرنسا وبعد الثورة الفرنسية في سبتمبر عام 1791 صدر قانون تحرير اليهود في فرنسا ونص القانون على إزالة كافة أشكال التمييز العنصري والقانوني ضد اليهود ومنحهم حقوقًا مساوية لغيرهم من مواطني البلد.
ثم تلت فرنسا اليونان في عام 1830 صدر قانون مشابه للقانون الفرنسي في اليونان، وفي بريطانيا العظمى في عام 1858 صدر قانون الحقوق المدنية لليهود، ثم لحقت إيطاليا عام 1870 ، وأما ألمانيا فقد تأخرت إلى عام 1891 بسبب قوة الكنائس اللوثرية التي مازالت تعادي اليهود إلى ذلك التاريخ.
لقد كانت الكنيسة الكاثوليكية تحمل اليهود كل مصيبة تحدث في الطبيعة فهم يغضبون الرب؛ لأنهم وحدهم يعملون في الربا، وبالمناسبة الديانة اليهودية تجيز الربا إلى حدود العشر، يعني مسموح الربا عندهم إلى 10 % مع غير اليهودي، وبعض المذاهب اليهودية تجيز الربا بين اليهودي واليهودي في غير الطعام وتحصر تحريم الربا في الطعام، وأما النقد والذهب والحرير والفضة فيجوز عندهم المراباة فيها إلى حدود 10 %، لهذا من يقرأ مسرحية تاجر البندقية لشكسبير يدرك كيف كان المجتمع الأوروبي المسيحي ينظر إلى اليهودي كمرابي مفترض مثير لغضب الرب.
بل وأثيرت إشاعات عن أن اليهود في كل عيد فصح يذبحون طفلاً مسيحياً يقومون باختطافه وذبحه وخلط دمائه بالفطير الذي يأكلونه في عيد الفصح، وقد نسجوا كثيراً من هذه الحكايات المرعبة عن اختطافهم للأطفال المسيحيين وذبحهم كقرابين بشرية عبر ما سموه برميل الإبر، فيزعمون أن اليهود يخطفون شاباً أو شابة من المسيحيين قرب عيد الفصح ويقومون بتسمينه ثم يضعونه في برميل مليء بالإبر التي تنغرز في جسده وتسيل الدماء إلى وعاء أسفل البرميل فيصنعون منها بلورات تخلط بالفطير الذي يقدمونه يوم عيد الفصح اليهودي.
ووصلت هذه الإشاعات عبر المسيحيين إلى البلاد العثمانية؛ ففي عام 1530م اختفى شاب يوناني كان يعمل قريباً من الحي اليهودي بمدينة أماسيا فاتهم المسيحيون اليهود بذبحه، وقامت السلطات العثمانية بإعدام جماعة كبيرة من اليهود من ضمنهم الحاخام يعقوب افايو، وبعد أيام ظهر الشاب اليوناني الذي زعموا أن اليهود ذبحوه فأعدمت السلطات العثمانية من زعموا ذلك، وقدم السلطان سليمان القانوني يومها اعتذاراً لليهود، وقال مقولته الشهيرة: «لا أريد أن يتعرض أفراد هذه الجماعة (اليهود) لأي نوع من الظلم أو الاعتداء؛ لأنهم يدفعون الجزية لي، فمثل هذه الادعاءات سيتم محاكمتها في ديوان القصر ولن تحدث في أي مكان دون أمري».
هذه الإشاعة كانت سبباً في تفشي ظاهرة البوغروم Pogrom، وهي أن تقوم مجاميع غاضبة من الشعب بين فترة وأخرى بإحراق معابد اليهود ونهب محلاتهم التجارية وقتل أفرادهم في الشوارع كما حدث في لندن 1189 - 1190 .
في عام 1349 اجتاح الطاعون الأسود معظم القارة الأوروبية ولم يجدوا أي تفسير علمي لانتشاره فادعت الكنيسة أن اليهود هم من أثاروا غضب الله بكفرهم واعتقادهم أن المسيح عليه السلام مهرطق وابن زنى، ومريم العذراء زانية، وقوى هذا الاعتقاد أن الطاعون فعلاً بدأ من أحياء اليهود، وفي ذلك العام اتهم البابا كليمنت السادس بابا الكنيسة الكاثوليكية في ذلك الحين اليهود بالتسبب في تفشي الطاعون الأسود، وعندها وفي شهر شباط ثار السكان على اليهود وقتلوا ألف يهودي في ستراسبورغ، وهدموا المعابد ونهبوا الحوانيت، وطالبوا بطرد اليهود من البلاد بسبب اعتقادهم أن اليهود هم سبب الطاعون.
في عام 1665 وعندما بدأ الطاعون في بريطانيا وامتد إلى كثير من بلدان أوروبا اتهم البابا ألكسندر السابع اليهود بأنهم سبب الطاعون؛ لأنهم أغضبوا الرب في السماء بالكفر وعدم قبول المسيح مخلصاً لهم من الخطيئة ومعاملتهم بالربا.
برر العلمانيون الماديون فيما بعد تفشي الطاعون في أحياء اليهود «جيتو» والمناطق القريبة منها بسبب عدم التزام اليهود في ذلك الوقت بالنظافة الشخصية، ولأن الجيتو كانت أسواره عالية والمنازل داخله متزاحمة جداً ونوافذها قليلة وضيقة لا تدخل إلى معظم أزقتها ونوافذها الشمس والهواء النقي لتطهيرها من الجراثيم، ثم تقوم الفئران والذباب والبعوض بمهمة نقل الجراثيم إلى بقية الأحياء فالمدن.
في حوالي 1350 ظهرت شائعات شعبية مصدرها كالعادة بعض رجال الدين الكاثوليكي تزعم أن اليهود لهم قرون تشبه قرون الشيطان يخفونها تحت أغطية رؤوسهم، ولهم أذناب كالحيوانات وألسنتهم بارزة وأطول من ألسنة بقية البشر، وأنهم قادرون على إخفاء هذه الأشكال البشعة ويظهرونها متى يريدون.
وفي تلك الفترة ظهرت شائعة تقول: إن جميع اليهود أنوفهم طويلة ويستطيعون شم الذهب والفضة من على مسافات بعيدة، وأن لليهودي عينان ماكرتان، وكلهم يتشابهون بعيونهم الماكرة وأنوفهم الطويلة.
في أيار 1349 اتهمت السلطات في برندنبورغ بألمانيا اليهود بالقيام بتسميم آبار المياه من أجل قتل السكان المسيحيين وقاموا بطردهم من المدينة.
ثم ظهرت فكرة خنزرة اليهود؛ فقد استغل رجال الدين المسيحي كون اليهود يحرمون لحم الخنزير، وحتى ذكر اسمه عند بعضهم حرام، فأثاروا الشائعات بأوروبا أن الرب عاقب جماعة من اليهود فجعلهم خنازير، وأن اليهود يحبون الخنازير، ويتبركون بفضلاتها سراً لهذا يحرمون ذبح الخنزير وأكله ويوهمون الناس أن الخنازير نجسة حتى ينفروا عن أكلها وذبحها؛ لأنهم يحبونها ويتبركون بها، وهذه الشائعة من وحي التراث المسيحي القديم.
عندنا في الإسلام مفهوم قريب من هذا أن الله تعالى عاقب جماعة من اليهود فمسخهم قردة وخنازير، لكن لم يجعل لهم نسلاً كما في حديث ابن عباس الناسخ لحديث الفارة، ولم تكن هذه القضية قاعدة تفسيرية أو مفهوم ديني في التراث الإسلامي إلا في النادر جداً عند بعض العوام.
المعروف أن الكثير من اليهود امتهنوا الشعوذة والطب الشعبي، وهذا كان مبرراً للكنيسة والسلطات باتهامهم بممارسة السحر وتعمد قتل المرضى المسيحيين، وقد أصدر مجلس كنيسة Valladolid وكنيسة Salamanca قرارين موحدين يمنع المسيحيين من التداوي عند الأطباء اليهود.
في عام 1228 ألف الراهب روجر وندوفر Wendover R. كتابه Flores Historiarum أو زهور التاريخ بالإنجليزية Flowers history وادعى فيه أن اليهودي الذي وشى بالسيد المسيح إلى الرومان، وشهد عليه عند بيلاطس مازال على قيد الحياة عقوبة له من الرب يسوع المسيح، وادعى أن قابل ذلك اليهودي في أرمينيا، وأن اسمه كارتوفيلس، وادعى الراهب أن هذا الرجل بعد أن حكموا على المسيح بالصلب ضرب المسيح على ظهره وقال له: اسرع إلى حتفك، فقال له المسيح: أنا ذاهب إلى أبي، ولكنك ستظل حياً حتى أعود وهنا يقول العلامة ديورانت في قصة الحضارة مجلد 25 ص 180 :«وكرر أرمنيون آخرون زاروا دير سانت ألبان في سنة 1252 نفس القصة، وزاد عليها القصص الشعبي وروى كيف أنه في كل مائة عام أو نحوها يصاب ذلك اليهودي بمرض عضال، ويروح في سبات عميق يفيق منه شاب يمتلئ رأسه بذكريات لاتزال حية عن محاكمة المسيح وموته وقيامته، وانقطع ورود القصة على الألسنة فترة، ولكنها ظهرت من جديد في القرن السادس عشر».
هذه القصة ساهمت أيضاً في أسطورة اليهود وربطهم بالغموض والمجهول لتخويف الناس منهم، في عام 1290 أصدرت السلطات البريطانية قانوناً يقضي بطرد اليهود من إنجلترا وطردوا من فرنسا في سنة 1306، ومن فلاندرز في سنة 1370. ثم عادوا إلى فرنسا عام 1315 شريطة أن يعطوا الملك ثلث أي مال يكونون قد جمعوه من فوائد القروض التي عقدوها قبل طردهم، لكن الملك عاد ثانية وطردهم جميعاً عام 1321 ثم عادوا إلى فرنسا عام 1333 ثم طردوهم ثانية أيام الطاعون (1349) ولما وقع الملك الفرنسي جون الثاني الملقب بجون الطيب في أسر الإنجليز عام 1360 وطلب الإنجليز فدية مالية كبيرة لجأ الفرنسيون إلى اليهود، واقترضوا منهم الأموال بدون فوائد مقابل إعادتهم إلى فرنسا، وفعلاً تم تحرير الملك وظلوا في فرنسا حتى كان العام 1394 ارتد شاب يهودي عن اليهودية، واعتنق المسيحية، وتم تعميده في الكنيسة، ثم اختفى في ظروف غامضة، واتهمت الكنيسة اليهود بقتله وشرب دمه، وتم اعتقال جماعة منهم، واعترفوا أنهم نصحوه بالعودة إلى اليهودية فأعدموا جميعاً وثار الشعب فاضطر الملك شارل السادس إلى إصدار أوامره بطردهم جميعاً، فذهبوا إلى براغ وفي عام 1421 عندما استولت جيوش هس على براغ اعتقلوا اليهود جميعاً، ولم يقبلوا منهم الجزية بل خيروهم بين المعمودية «اعتناق المسيحية» أو الموت بخلاف المسلمين؛ لأن اليهود شعب الله، ويجب أن يؤمنوا أو يقتلوا حتى يتصالح الله مع بقية البشرية في زعمهم، ويعود المسيح ثانية، فاعتنق اليهود المسيحية ثم هربوا جميعاً إلى بولندة وارتدوا إلى اليهودية من جديد.
في عام 1385 أودع السجون كل اليهود في مدن «العصبة السوابية» وعددها36 مدينة، ثم أطلقوا سراحهم على شريطة إلغاء كل الديون التي لليهود، وكانت القروض قد بلغت ما يعادل 700.000 دولار.
في عام 1399طرد اليهود من كولون وفي عام 1435 طردوا من سيبير ومن ستراسبورج، وفي عام 1439 طردوا من أولم بألمانيا وفي عام 1499 أقر مكسيمليان الأول طردهم من نورمبرج على أساس أنهم قد كثر عددهم وأنهم بفضل معاملاتهم الربوية وضعوا أيديهم على ممتلكات كثير من أفاضل المواطنين - قصة الحضارة مجلد25 صفحة 101 وما بعدها.
في عام 1467 أصدر مانويل الأول ملك البرتغال قانوناً قضى بتعميد كل أطفال اليهود الذين ولدوا بالبرتغال من سن 4 إلى سن 14 باسم الأب والابن والروح القدس ليدخلوا في المسيحية والعائلات التي ترفض عليها أن تغادر البلاد وفعلاً بدوا تعليم هؤلاء الأولاد في مدارس دينية تابعة للكنيسة ثم بدأوا يجبرون الكبار أيضاً على تغيير ديانتهم فهربوا إلى تركيا ودخلوا في حماية الدولة العثمانية.
اليهود بأوروبا اشتغلوا في الربا وتجارة الرقيق واحتكار الذهب والفضة والسلع الحيوية كالحرير والفحم والحبوب، وكعادتهم كانوا سبباً في كثير من الأزمات المالية التي عصفت بالممالك الأوروبية والحروب وإغراق الدول بالقروض الربوية والمؤامرات، الأمر الذي قوى الاعتقاد بسلبيتهم لدى المجتمع الغربي.
أمام كل هذا التاريخ المليء بالمآسي والاضطهاد جاءت حركة الإصلاح الدينية في أوروبا على يد المصلح الديني مارتن لوثر، وبدلاً من تصحيح الوضع المدني والقانوني لليهود باعتبار المواطنة إلزامية، وأن اليهود المعاصرين لا علاقة لهم بمن قذفوا مريم عليها السلام بالزنى أو ووشوا بالمسيح إلى الرومان، لكن ما حدث هو العكس تماماً؛ ففي البداية دعا مارتن لوثر للعطف على اليهود؛ لأن المسيح ولد يهودياً، وكان كاهنا يهودياً من أجل أن يهتدوا، ولكن اليهود رفضوا اعتناق المسيحية اللوثرية فشن لوثر حملة شعواء عليهم وكتب نحو 60,000 مقالة جمعها بعد ذلك في كتاب سماه اليهود وأكاذيبهم نشر عام 1543 قبل وفاته بثلاث سنوات، ووصفهم في الكتاب بأنهم جميعاً أولاد زنا وليسوا نسل إبراهيم ولا شعب الله المختار ووصفهم أنهم براز الشيطان الذي تتمرغ فيه الخنازير ووصف المعبد اليهودي بأنه عاهرة الفاسد وعاهرة الشر الوقحة، و دعا إلى حرق المعابد والمدارس اليهودية في النار، وتدمير كتب صلاتهم، ومنع الحاخامات من التبشير وتدمير منازلهم، ومصادرة ممتلكاتهم وأموالهم. وقال: ينبغي أن لا تظهر لهم أي رحمة أو عطف، و لا تمنح لهم الحماية القانونية وفي خاتمة الكتاب قال إنهم مثل الديدان السامة، ينبغي أن يجبروا على العمل القسري أو الطرد من بلدان المؤمنين ثم قال: «إن لم نقتلهم فنحن على خطأ عظيم» لهذا يرى كثير من المؤرخين الأوروبيين أن مارتن لوثر كان أصل معاداة السامية الحديثة، لهذا اهتمت ألمانيا النازية بكتابات لوثر وأعادت طباعتها وتوزيعها على نطاق واسع في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، الأمر الذي دفع بالكنيسة الكاثوليكية ومن باب عدو عدوي صديقي إلى تخفيف لهجتها تجاه اليهود نكاية بالبروتستنانتية وآخرهم هو البابا يوحنا بوليس الثاني الذي منحهم صك براءة من دم المسيح!!
مع أن الكتاب المقدس يقول : «فلما رآه رؤساء الكهنة والخدام صرخوا قائلين اصلبه اصلبه» وفي متى 27 - 25 يقول: فلما رأى بيلاطس أنه لا ينفع شيئاً بل بالحري يحدث شغب أخذ ماء وغسل يديه قدام الجمع قائلاً إني بريء من دم هذا الرجل البار، فأجاب جميع الشعب وقالوا دمه علينا وعلى أولادنا!
مع كل هذه النصوص الواضحة برّئ البابا يوحنا بوليس الأول عام 1965 شفوياً اليهود من دم المسيح في مناقشة أطروحة طرحها الكاردينال الألماني بيا، واستند إلى أن يهود عصرنا لا علاقة لهم بيهود ذلك الزمان، ولم يكن سائر الشعب اليهودي يومها موافقاً على كلام الكهنة.
يومها اعترض المطران الهندي «كوتنهو» وطالب بحذفَها، ورد قداسة البابا المصري الراحل كيرلس السادس على الوثيقة بعنف مستدلاً بما جاء في سفر الخروج أنا الرب إلهك، إله غيور، أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء الخروج 20 - 15 وقد عدلوا الوثيقة يومها إلى ما يلي فإن ما ارتكب لا يمكن أن يعزى إلى جميع اليهود الذين كانوا عائشين إذ ذاك، ولا إلى يهود أيامنا!
كان ذلك تأسيساً للبراءة الصريحة التي أعلنها يوحنا بوليس الثاني وأول جميع النصوص السابقة وقال: «فإن الكنيسة كانت ولاتزال تعتقد بأن المسيح قد مر بعذابه وقتله بحربة بسبب ذنوب جميع البشر ونتيجة حُبٍ لا حدَّ له».
إذاً المسيح مات على الصليب بمحض إرادته ومشيئة الله ليفتدي جميع البشر من الخطيئة فسواء شارك اليهود أو لم يشاركوا في قتله وسواء خلق بيلاطس النبطي أو لم يخلق كان لابد من الصلب والفداء، وبهذا تصالحت الكاثوليكية مع اليهود.
نحن المسلمين نعتقد أن المسيح عليه السلام لم يصلب ولكن شبه لهم الكنائس اللوثرية بدورها في عام 1980 ورداً على الكاثوليك تنكرت من تصريحات مارتن لوثر حول اليهود، ورفضوا استخدامها للتحريض ضد اليهود أو ضد اللوثرية بأي شكل من الأشكال وقدموا اعتذاراتهم وقالوا إنها كانت مرحلة زمنية خاصة.
عندما قامت الثورة العلمانية والإنثروبولجية في الغرب كنتاج طبيعي للثورة الصناعية والطفرة العلمية والفلسفية والأدبية والكشوفات والتقلب في البلاد والتعرف على الحضارات الهندية والصينية والإسلامية وغيرها نشأت حركة استنارة نفعية في المجتمع الغربي حاولت الاقتراب من اليهود وإنصافهم والاستفادة من نفوذهم المالي، في البداية تخوف اليهود منها لهذا شن المفكرون اليهود على اليهود التقليديين حملات قاسية، وكانت قبل ذلك قد ظهرت حركة إصلاح يهودية من الداخل تستهدف تقريب اليهود من المجتمعات المسيحية على يد الفيلسوف العلامة اليهودي موسى مندلسون صديق الفيلسوف الألماني كانط، ثم انتشرت انتشار النار في الهشيم؛ لأن مندلسون كان محبوباً من اليهود والمسيحيين، وكانوا يسمونه موسى الثالث يعني سيدنا موسى بن عمران والحاخام الطبيب موسى بن ميمون طبيب صلاح الدين الأيوبي والثالث هو موسى مندلسون هذا، وساعده في ذلك الشاعر والأديب اليهودي نفتالي هرتس ويسلي، وهذا شاعر يهودي رقيق ذائع الصيت في ألمانيا والنمسا ولحق بهم الحاخام اليهودي الإصلاحي أبراهام جايجر الذي أسس الصحيفة العلمية للاهوت اليهودي، وهذا المفكر اليهودي التنويري هو صاحب المقولة المشهورة «فليختر الله شعباً غيرنا»، ثم نصل إلى عام 1820 إلى المفكر التنويري اليهودي ديفيد فرايد لندر، وهو تلميذ مندلسون وأحد أبرز ناشري مذهبه الإصلاحي، وقد نادى بدمج اليهود كلياً في المجتمعات الأوروبية واعتبارهم جزءاً من الشعب الأوروبي في إطار التنوع والتعدد الديني والاثني، ونفى أن يكون لليهود أرض ميعاد مزعومة بل وطالب الكنيسة الروتستانتية في برلين أن تسمح لليهود بالصلاة وحضور القداس فيها دون أن يقولوا المسيح ابن الله، فقوبل طلبه بالرفض، وديفد هذا هو الذي نفى ظهور الماشيخ في آخر الزمان، وقال: إنما سيكون هناك عصر ماشيحاني تصل فيه البشرية إلى مرحلة من النضج السياسي الرشيد وليس ملاك ينزل من السماء ليقيم مملكة إسرائيل كما يزعم الحاخامات التقليديون.
ثم جاء الحاخام العلامة والفيلسوف إسرائيل يعقوبزون ودعا إلى التمرد على سلطة المعبد وأقام لأصحابه معبداً داخل بيته ببرلين وهو القائل: «إن الدنيا كلها تتغير من حولنا، فلماذا نتخلف نحن عن البشر»، وهذا نفس سؤال النهضة العربي تقريباً.
ثم نصل إلى عام 1855 وفيها ذاع صيت المفكر والعلامة والفيلسوف والباحث اللغوي اليهودي إسحاق صمويل ريدجو والعلامة صموئيل هولدهايم ودعياً إلى إلغاء السبت واستبداله بالأحد وألغيا الاحتفال باليوم الثاني من ولادة الشهر القمري، وهو من زعماء هيكل برلين عام 1849 «يعني أن هيكل اليهود في وطنهم وليس في بيت المقدس»، والأخير الذي أباح الاختلاط بين الجنسين في الصلاة، وهو صاحب التصريح الشهير: إن اليهودية عقيدة دينية وأخلاقية صرفة ليس فيها ما يشير إلى خصائص قومية.
وكان الحاخام إسرائيل جاكبسون قد أنشأ معبداً في سيسن برنزويك وأطلق عليه الهيكل من أجل إلغاء فكرة هيكل بيت المقدس، ثم نصل إلى الحاخام والفيلسوف سولومون فورمستشر صاحب كتاب «ديانة الفكر» الذي شاع وذاع صيته في أوروبا عام 1841، وهذا دعا إلى أن تكون اليهودية ديانة عالمية وليست محصورة لشعب معين، ثم نصل إلى عام 1924 زمن العلامة والفيلسوف الإصلاحي اليهودي الأمريكي إيوجين بورويتز وهو صاحب كتاب «لاهوت يهودي جديد يُولَد»، وشن حملة قاسية على الشعب المختار، ودعا إلى الاندماج في المجتمعات القومية على أساس وطني لا ديني وقال بجواز الأدعية باللغات القومية غير العبرانية ومنع تغطية الرأس أثناء الصلاة أو استخدام تمائم الصلاة، واختصر الأدعية العبرانية المطولة والمملة، وأجاز العمل يوم السبت، وسارع اليهود إلى الاحتماء بالعلمانية كونها المنقذ الوحيد القادر على حمايتهم، وكان ليهود المارانو دور أساسي في علمنة اليهود من الداخل كما يقول المسيري وتوجيههم للالتحاق بحركة علمنة المجتمع الغربي، ويهود المارانو هؤلاء لا يؤمنون بالشريعة اليهودية والفيلسوف اليهودي اسبينوزا ينتمي إلى هؤلاء.
عمل اليهود على دعم التنوير والعلمانية، وهنا وضع العلمانيون في اعتبارهم الوضع المدني والقانوني لليهود في البلدان الأوروبية موضع الاعتبار، ثم أخيراً ظهرت الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر كحركة علمانية يهودية، وسيطرت على اليهود جميعاً إلا القليل منهم، وهم المتشددون، ويأتي نجاح الصهيونية على حساب حركة الهسكلاه التنويرية الإصلاحية؛ لأن الصهيونية رفعت مطالب دينية روحية وقومية وفي نفس الوقت انطلقت من حركة الإصلاح التنويري، فقالوا: نؤمن بكل ما قال الإصلاحيون لكن لابد من وطن قومي لليهود.
تحالفت الصهيونية مع العلمانيين الغربيين الناقمين على الكنائس الغربية التي اضطهدت العلماء والأدباء والفلاسفة واليهود والوثنيين والمسلمين على أساس ديني، ولعب اليهود دوراً كبيراً من خلال نفوذهم المالي والتجاري والإعلامي في دعم الحركة التنويرية العلمانية الغربية.
لكن المجتمع الغربي بقي أسيراً لفكرة أن اليهود قتلوا المسيح واتهموا السيدة العذراء بالزنى، واختلط هذا المفهوم الديني بالمفاهيم الشعبية والقومية الناقمة على اليهود؛ باعتبارهم تجاراً محتكرين مرابين لتظهر في شكل النازية ولأسباب مختلفة تبنى هتلر الفكرة التي انتهت إلى الحرب العالمية الثانية وما رفاقها من مآسي وويلات ومنها المحرقة، ولم يحرق اليهود وحدهم بل أحرق أيضاً الغجر والبولنديين والسلافيين والألطيين والأفارقة وحتى المثليين جنسياً والمرضى والمعاقين وهذه حقيقة وليست أسطورة، وإن كان الرقم مبالغاً فيه 6ملايين يهودي، لكن حصلت فعلاً تصفيات على أسس عرقية، وعندما انتصرت أوروبا الحديثة المتمثلة في الحلفاء على أوروبا القديمة التي برزت في شكل النازية بدأوا يناقشون وضع قوانين تضع حداً لأسطورة اليهود وازدرائهم وإذلالهم ومعاناتهم بسبب الدين والقومية فولد قانون تجريم معاداة السامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.