وقد عرف لنا «معجم لسان العرب» الاستبداد بالقول: «استبد بفلان أي انفرد به دون غيره». أما « المعجم المنجد في اللغة العربية المعاصرة» فيعرف « كلمة أستبد» بأنها تعني :» حكم بأمره ‹ تصرف بصورة مطلقة غير قابلة للإعتراض «. فيما عرف نفس المعجم المذكور كلمة « استبداد» بأنها تعني :» تعسف « أي تسلط وتحكم ‹ . كما أورد معنى وتعريفا آخر للإستبداد وقال : أنه يعني «ظلم» أي فرض الإرادة من دون مبرر . في حين عرفت لنا « الموسوعة السياسية « الإستبداد بأنه :» حكم أو نظام يستقل بالسلطة فيه فرد أو مجموعة من الأفراد دون خضوع لقانون أو قاعدة ودون النظر إلى رأي المحكومين». وأوردت « الموسوعة السياسية « أيضا تعريفا للداعية الإسلامي والمفكر المصري المعروف الشيخ محمد محمد عبده - تلميذ جمال الدين الأفغاني - لكلمة « مستبد « بقوله :» إن الحاكم المستبد هو الذي يفعل مايشاء «. ووصف الشيخ محمد عبده المستبد بأنه :» شخص غير مسؤول وأنه يحكم بما يقضي به هواه. «. وتأسيسا على ماتقدم فما من شك فإن « الإستبداد السياسي « في كل الأحوال لايمكن ان بعني شيئا جميلا أو محمودا في حياة الأمم والشعوب حتى لو ادعى البعض خلاف ذلك وزينوا للحكام المستبدين فكرة الإستبداد ونزعته التملكية والتسلطية البغيضة واكثروا الثناء والإطراء عليه بدافع من مصالحهم التي يحرصون عليها . بيد أن الإستبداد السياسي بتعريفاته المختلفة لايمكن اعتباره إلا أنه يعني : « التغلب والإستفراد بالسلطة وسيطرة الحكام المستبدين التامة على مقاليد الدولة واغتصابها من الأمة دون مشورة ورضى من المحكومين « وعلى رأسهم أهل الرأي والشورى . ومن الجائز اعتبار الإستبداد هذا جزء من الطغيان وليس مرادفا له والسكوت على الإستبداد والتماهي معه بأي شكل من الإشكال فيه تفريط بحق الأمة وهضما له وفيه ضرر كبير عليها وعلى مصالحها العليا. ومنذ أن عرفت الأمة العربية والإسلامية « الإستبداد السياسي « وظهوره في وقت مبكر وتحديدا في أعقاب اقدام معاوية بن أبي سفيان على تحويل « نظام الخلافة الإسلامي» إلى نظام حكم ملكي وراثي مستبد دخلت الأمة وأبنائها في دوامة مستمرة من النزاعات والصراعات الدامية والمريرة على الحكم والسلطة وذهبت ريحها وهيبتها وخارت قواها وتمكن الأعداء منها غير مرة . وفي ظل حكم الإستبداد وسلطانه كانت علاقة الحاكم بالمحكوم في العالم العربي والإسلامي ولا زالت علاقة صدامية متوترة ومتأزمة وغير سوية ولا طبيعية يسودها منطق البغض والكراهية وانعدام الثقة والمصداقية والوئام والإنسجام بين طرفيها. وبدا الجفاء والقطيعة والخصومة بين الحاكم والمحكوم العربي وكأن ذلك يمثل القواسم المشتركة الوحيدة بينهما والميزة والصفة الأبرز لعلاقات الجانبين الثنائية المحكومة بإنعدام وتعذر التفاهم والوفاق والإحترام المتبادل . وعندما يتعلق الأمر بالحكم والسلطة وحب التملك والإستئثار والإنفراد بالجاه والسيادة والسلطان دون منازع ولا منافس فإنك تجد المستبدين عبر التاريخ الإنساني ككل لايتورعون عن ارتكاب أكبر الجرائم والفضائع واقتراف أعظم الذنوب والإقدام على فعل أي حماقة ومغامرة طائشة غير محمودة العواقب والنتائج . و حتى لو تسببت هذه المغامرة والحماقة والنزوة الآنية المقيتة في اهلاك الحرث والنسل في سبيل التشبث بكراسي التسلط والإستمرار في الحكم على أي مذهب وملة كانت وتوريثه لإعقابهم وفي سياق لهثهم لهث الضواري ونزعتهم المستمرة للتسلط والإستبداد بالأمر في كل الأحوال والظروف . ومن أجل هذه الغاية النرجسية المدفوعة بحب التملك والأنا والسيطرة حتى لو كان وصولهم للحكم قد جاء في زمانه ومكانه عن طريق الحيلة والمكر والخديعة والإغتصاب وعلى غفلة من الزمن والتاريخ فإنك ستلحظ وتجد هؤلاء المستبدين ورموز التسلط من الطغاة والحكام الديكتاتوريين أشد من يحرصون على التخلص من معارضيهم ومنافسيهم الذين ينارعونهم الأمر بأية طريقة ووسيلة كانت حتى ولو تجردوا بإستخدامها واستغلالها من كل القيم والمبادئ والمثل والأخلاق فهذا لايهم ولا يعني لهم شيئا يذكر أمام بريق الكرسي وإغراءات السلطة ومغانمها الكثيرة وادمانهم لحب التملك والتسلط على رقاب العباد أطول فترة ممكنة من الزمن !. وفي تاريخنا العربي والإسلامي على مدى أكثر من ألف واربعمائة سنة حتى اليوم شهدت ماشهدت من الأهوال العظيمة والأحداث الجسام يوجد في هذا التاريخ بمختلف فتراته ومراحله نماذج وصور شتى للإستبداد السياسي ورموز كثيرة تجسده وتمثله على أقبح هيئة وشكل سنخصص الحلقة القادمة والأخيرة من هذه الإطروحة والتناولة البحثية لها للوقوف عند محطات من ذلك التاريخ القاتم شديد الحلكة والسواد ونسلط قدر من الضوء على رجاله وصناعه كشفا للحقيقة وخدمة للحق ليس إلا !!.. { يتبع