هذا ما حدث وما سيحدث.. صراع العليمي بن مبارك    الأرصاد يتوقع استمرار هطول الامطار ويحذر من التواجد في بطون الأودية    عدوان مستمر على غزة والاحتلال بنشر عصابات لسرقة ما تبقى من طعام لتعميق المجاعة    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    الهلال السعودي يقيل جيسوس ويكلف محمد الشلهوب مدرباً للفريق    اللجنة السعودية المنظمة لكأس آسيا 2027 تجتمع بحضور سلمان بن إبراهيم    خلال 90 دقيقة.. بين الأهلي وتحقيق "الحلم الآسيوي" عقبة كاواساكي الياباني    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    في حد يافع لا مجال للخذلان رجالها يكتبون التاريخ    غارات اسرائيلية تستهدف بنى تحتية عسكرية في 4 محافظات سورية    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    إذا الشرعية عاجزة فلتعلن فشلها وتسلم الجنوب كاملا للانتقالي    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    الطيران الأمريكي يجدد قصف ميناء نفطي غرب اليمن    مسلحون يحاصرون مستشفى بصنعاء والشرطة تنشر دورياتها في محيط المستشفى ومداخله    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    باحث يمني يحصل على برأه اختراع في الهند    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    "الأول من مايو" العيد المأساة..!    وقفات احتجاجية في مارب وتعز وحضرموت تندد باستمرار العدوان الصهيوني على غزة    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ اليمن .. مقبرة الغزاة..للباحث / عبدالله بن عامر( الحلقة السادسة عشرة )
نشر في 26 سبتمبر يوم 28 - 09 - 2019

بحث مقارن لحملات الغزاة المتعاقبة على اليمن عبر التاريخ خلص إلى آن الغزاة لايستفيدون من التجارب
اتساع المعارضة السياسية المقنعة بالمسيحية أعطى أكبر قوتين منافسة لليمن تتربصان به طمعاً في ثرواته وسعياً لإخضاعه الذريعة للتدخل العسكري المباشر ومكنه من احتلاله
الغزو الحبشي الثاني لليمن والمدعوم من روما دافعه الحقيقي ثأري وانتقامي للإخفاقات والهزائم التي مني بها الأحباش في غزوهم الأول
المؤرخون يؤكدون أن «ذونواس» كان يهودياً صورياً وأن الصراع الذي نشأ بينه والحلف الروماني الحبشي كان طابعه سياسي يسعى لفرض الوصاية الخارجية على اليمن
الغزو الحبشي الثاني لليمن في القرن السادس الميلادي هو المبحث التاريخي الذي تضمنه الفصل الرابع من هذا الكتاب وهو ما استعرضنا جزءاً منه في الحلقة السابقة..
في هذه الحلقة سنستعرض الصراع السياسي الدولي على اليمن في تلك الفترة بين روما ومملكة أكسوم من جانب والدولة الحميرية الموحدة آنذاك والقوية من جانب آخر وسنسلط الضوء على ما ذكره الباحث من تأثيرات الصراعات الداخلية بين قوى النفوذ داخل اليمن على الملك واستدعاء الأجنبي واستغلال هذا الأجنبي للأقليات الدينية في التدخل المباشر في غزو اليمن ونشوء حلف روما الحبشة لغرض غزو اليمن والسيطرة على ثرواتها بذريعة نصرة المسيحيين المعارضين الذين بطش بهم الملك الحميري يوسف أسأر «ذونواس» في ثورته على الملك معد يكرب الموالي للأحباش والروم سنة 517م.. فإلى الحصيلة:
عرض/ امين ابو حيدر
صراع سياسي بغلاف ديني :
إن الصراع الديني لم يكن سبباً لثورة اليمنيين ضد الأحباش بل كان نتيجة أسباب هي في الأصل سياسية تمثلت في التوظيف السياسي لحالة التنافس الثقافي بين الديانتين اليهودية والمسيحية اللتين تتصارعان على الانتشار في بقية المناطق اليمنية وتحاولان كسب أكبر عدد من بقية اليمنيين الذين لم يكونوا وقتها قد اعتنقوا أياً من الديانتين وتتمثل خطورة ذلك الصراع في مدى تأثيره على مركز الدولة فالمسيحية كانت مرتبطة بقوتين منافستين لليمن وتسعيان بشتى الطرق إلى احتلاله وإخضاعه وبالتالي فإن توسع الجالية المسيحية في اليمن يشكل خطراً سياسيا على الدولة وذلك الخطر يستدعي الإجراءات الوقائية والاستباقية ومنها الحرب ، وعلى ما يبدو أن تحرك الملك يوسف لم يأتِ إلا بعد أن كانت روما والحبشة ترعيان المعارضة اليمنية ضده وتقدمان الدعم السياسي لتلك المعارضة بل وتخططان للتدخل العسكري المباشر، وهو ما يتضح جلياً في التحالف السياسي والعسكري الذي تألف قبل العدوان العسكري بعام واحد فقط من الإمبراطورية الرومانية الشرقية بيزنطة وأكسوم مع أعيان العربية الجنوبية من المسيحيين وكل المعارضين للملك يوسف .
وعلى أية حال فإن كافة ما ورد سابقاً يؤكد أن الدولة الحميرية كانت تواجه خطراً حقيقياً وأن ردة الفعل من قبل الملك يوسف كان لها مبررات منطقية على الأقل من الناحية السياسية إن لم تكن في الأساس ضرورة وطنية للتصدي للأطماع الخارجية أما فيما يتعلق بالدعم الذي تلقته اليهودية في تلك الفترة فقد كان على ما يبدو ضمن الإجراءات السياسية التي اتخذها الملك الحميري بهدف تقليص نفوذ المسيحية واستهداف المسيحية لم يكن لذاتها بل كان لارتباطها بقوى خارجية منافسة وطامعة وعدوة، فيما اليهودية لم تكن في تلك الفترة مرتبطة بأيّة قوة خارجية بل إن البعض رأى أن اليهودية أصبحت مرتبطة بالدولة الحميرية وأنها أصبحت ديانتها الرسمية .
التي لم تكن تمتلك أجندة سياسية لها علاقة بقوة أجنبية صديقة أو عدوة، للأسف الشديد أن الكثير من المؤرخين ذهبوا وفي إطار قراءتهم للخارطة الدينية اليمنية في ذلك الوقت إلى اعتبار أن الصراع كان مسيحياً يهودياً متناسين وجود الوثنية وكذلك التوحيدية فجميع القوى اليمنية وعلى ما يبدو لنا من النقوش وكذلك الإخباريات اتحدت ضد النصرانية المسيحية وهو ما يشير أصلا إلى صراع سياسي بالدرجة الأولى وليس دينياً وهو ما دفع بعض الباحثين الأجانب إلى القول إن اعتناق الملك يوسف اليهودية لم يكن إلا صورياً وكان يعني قطع العلاقات مع الحبشة .
فيما يرى آخرون أن أسباب استهداف المسيحيين يعود إلى علاقاتهم بالحبشة وإرسالهم الهدايا إلى ملكها ودفعهم الضرائب لها ؛ الأمر الذي يعد جريمة تستحق العقاب.
ثورة 517م ضد الوصاية الخارجية :
حكم اليمن قبل الملك يوسف أسأر يثأر ملك يدعى معد يكرب يعفر الذي ورد اسمه في أحد النقوش المسندية المؤرخة بشهر ذي القيض من سنة 631حميري الموافقة لسنة 516للميلاد ، وكان لهذا الملك ارتباط كبير مع الأحباش والرومان بفعل نفوذ القوتين داخل اليمن بل إن البعض يرى أن التدخل الحبشي في الصراع اليمني كان في بدايته لصالح نظام معدي كرب يعفر الذي اصطدم بمعارضة شديدة من قبل بعض الأقيال والأذواء لأنه لاينتسب إلى العائلة الحاكمة وفي ذات الوقت عملت علاقاته الخارجية مع الأحباش على تأجيج المشاعر الوطنية الرافضة للمزيد من التدخلات الخارجية باليمن، وكان يمثل هذا الطرف الملك يوسف أسأر يثأر الذي أعلن ثورته على الأحباش في العام 517م .
وعلى ما يبدو أن يوسف أسأر تمكن من الإطاحة بالملك معدي كرب لكنه واجه صعوبات كبيرة تتعلق بالرفض الحبشي للثورة التي لم تكن مجرد انقلاب على معدي كرب بقدر ما كانت ثورة ضد الوصاية الخارجية وتحمل طموحات وطنية بعودة الدولة الحميرية إلى مرحلة القوة وكل ذلك أصاب الرومان والأحباش بصدمة كبيرة فسارعوا في بداية الأمر إلى مواجهة المعارضة السياسية للملك معد يكرب.وذلك من خلال دفع أتباعهم من الأحباش والرومان المتواجدين في اليمن إضافة إلى اليمنيين المسيحيين لرفض تلك الثورة ومواجهتها وهو ما انعكس على حالة الانقسام الواضحة في الموقف من تلك الثورة لدى طبقة الأقيال والأذواء فمنهم من قرر الوقوف مع الملك يوسف للتحرر من الوصاية الخارجية سيما الأذواء اليزنيين الجدنيين الذين كانوا يبسطون سيطرتهم على النصف الشرقي للدولة الحميرية المتحدة .
وآخرون انحازوا إلى الأحباش وأتباعهم ومعظمهم من معتنقي الديانة المسيحية وأمام هذه الوضع المضطرب وحتى لا تخسر أكسوم نفوذها الكبير في اليمن الذي تحقق دفعت بكتائب عسكرية إلى الساحل اليمني وبدأت تلك الكتائب بالتسلل إلى مناطق تمركز المسيحيين، وكذلك إلى الجزر وسيطروا على جزر فرسان .
ورغم أن النقوش لم تذكر لنا كافة تفاصيل تلك المرحلة إلا أن بعضها يشير إلى الحروب التي خاضها الملك يوسف أسأر والتي تعني بالتأكيد أن الطائفة المسيحية أو بالأصح أتباع أكسوم وروما تمكنوا من السيطرة على أهم المدن كنجران وظفار وعدن إضافة إلى انتشارهم في المناطق الغربية وفي الحقيقة أن هذا الانتشار ليس وليد تلك اللحظة بل يعود إلى مرحلة سابقة عملت فيها كل من بيزنطة وأكسوم على توطيد نفوذهما في اليمن تحت الستار الديني فقد كانت الجماعات التبشيرية تتمدد وتتوسع داخل الدولة الحميرية قبل أن يتأجج الصراع ويتحول إلى مواجهات عسكرية دامية وبحسب أغلب المؤرخين فإن الملك الحميري يوسف أسأر يثأر لم يقرر ابتداء استخدام القوة ضد معارضيه بل اتبع أسلوب الحوار فقد كان يستدعي كبار الجاليتين الحبشية والرومانية وأتباعهم من اليمنيين وينصحهم بالتوقف عن نشاطهم المضر بالدولة إلا أنهم لم يرتدعوا وبالتالي قرر التحرك العسكري للقضاء عليهم حفاظاً على استقلال الدولة .
أما في روايات الإخباريين فإنهم لا يذكرون الملك معد يكرب يعفر بل يشيروا إلى اسم ملك آخر قالوا إنه حكم قبل ذي نواس زعموا أن اسمه «لخيعة ينوف ذو شناتر»، وقالوا: إنه لم يكن من بيوت المملكة، بل كان من حمير، وثب على الملك، فملك حمير، وقتل خيارهم، وعبث ببيوت أهل المملكة منهم. وكان امرءاً فاسقًا، وعندما سمع بغلام من أبناء تلك الملوك قال له زرعة ذو نواس بعث إليه؛ ليفعل به كما كان يفعل بأبناء الملوك قبله، فلما خلا به، وثب عليه ذو نواس بالسكين فطعنه به حتى قتله، ثم اجتز رأسه، فخرجت حمير والأحراس في أثر ذي نواس حتى أدركوه، فقالوا له: ما ينبغي لنا أن يملكنا إلا أنت؛ إذ أرحتنا من هذا الخبيث فملَّكوه، واستجمعت عليه قبائل حمير وقبائل اليمن، فكان آخر ملوك حمير .
حروب الملك يوسف أسأر يثأر ضد الأحباش وأعوانهم:
أخذ الملك الحميري على عاتقه مهمة إعادة بناء الدولة الحميرية وتحقيق استقلالها الكامل واتخذ في سبيل ذلك القوة العسكرية لفرض حضور الدولة وطرد العملاء وتطهيرها من أي تواجد عسكري أجنبي وقبل ذلك خاض معارك لاستعادة العاصمة ظفار قبل أن يتجه إلى نجران وامتدت عملياته الحربية إلى تهامة وباب المندب واعتمد الملك الحميري على اليزنيين والجدنيين في تلك الحروب والمعارك كما توضح النقوش المكتشفة منها المتعلقة بالحملة العسكرية الواسعة التي استهدفت نجران في العام 518م وكان اليزنيون يحرصون على تدوين نتائج تلك الحملات العسكرية ضد الأحباش وأتباعهم في النقوش وهو ما يؤكد أهمية وحجم دورهم في تلك الفترة .
وتتحدث أحد تلك النقوش (جام 1028) عن مؤازرة الأقيال اليزنيين للملك يوسف ومشاركتهم في الحرب ضد الأحباش في ظفار وكذلك حربه ضدهم في بلاد الأشاعر والركب وجزر فرسان والمخا وكذلك الحرب على نجران وتحصين دفاعات باب المندب وشاركت في تلك الحروب قبائل همدان والبدو وكندة ومراد ومذحج .
(نص النقش بالعربية الحديثة ليبارك الله الذي له السماء والأرض يوسف أسأر يثأر ملك كل الشعوب وليبارك الأقيال لحيعة يرخم وسميفع أشوع وشرحبنيل أشوع وشرحبئيل أسعد أبناء شرحبئيل يكمل سادة ذيزن وجدن الذين آزروا سيدهم الملك يوسف في تدمير (إحراق) القليس (الكنيسة) وقتل الأحباش بظفار وفي حربه ببلاد الأشاعر والركب وجزر فرسان والمخا وفي حرب التقدم على نجران وتحصين دفاعات سلسلة باب المندب وعندما التفوا حوله وأمدهم بجيش ، وعندما ظفر وأفلح الملك بتلك الغزوة (12500قتيل) و (11000 أسير ) و (29000) من الإبل والبقر والضان.. سطر هذا النقش القيل شرح إيل اليزني الذي تقدم إلى نجران بشعب (قبيلة) همدان من سكان المدن والأعراب (البدو) والرماة اليزنيين وأعراب كندة ومراد ومذحج وضع هذا المسند بحماية السماء وولاء وقوة الجند من كل خسيس ومخادع ويستعيذ بالرحمن العلي من كل مخادع يحاول مسحه.. صاغ وسطر وقدم النقش باسم الرحمن صاغ النقش تميم ذو حضية برب هود ومحمد) وقد شاركت تلك القبائل في صناعة الاستحكامات الدفاعية (الخنادق) في سلسلة باب المندب وذلك للتصدي لأي هجوم عسكري قد يشنه الأحباش، وكان تاريخ النقش شهر المذراء (يوليو) 633قتباني 518ميلادي .
وهناك نقش (ريكمانز 508) في بئر الحمى بنجران قام بزبره القيل شرح إيل بن شرحبئيل يكمل اليزني ومعناه بالعربية الحديثة : القيل شرح لإيل بت شرحبئيل يكمل أبناء يزن وجدن وحب ونسأن وجبات سطروا هذا النقش قبل أن يرجعوا من مشاركتهم في غزوة بمعية سيدهم الملك يوسف أسأر على الأحباش بظفار وتدمير القليس الكنيسة وقتل هناك 300من الأحباش .
وتقدم الملك على الأشاعر وإمدادهم بجيش في الحرب على المخا وقتل أحرارهم وتدمير القليس والحرب على كل المنشآت الصعبة والسهلة بالأشاعر عندما التف جيش الملك حوله تمكن من قتل واغتنام (13000 قتيل - 9500أسير -238000من البقر والماعز) .
ومن كل ما سبق نستنتج أن اليمن وقتها كانت بالفعل تعاني من محاولة احتلال واضحة من قبل الأحباش وأن اليمنيين بقيادة الملك يوسف تصدوا لتلك المحاولة وما تظهره تلك النقوش من حجم الرقعة الجغرافية التي شهدت الصدامات العسكرية بين الجيش الحميري أو بعضٍ من ذلك الجيش مع القبائل المساندة له من جهة وبين الأحباش وأتباعهم من جهة أخرى ومما يتضح لنا أيضا أن العاصمة ظفار باتت تحت السيطرة الحبشية المباشرة أو غير المباشرة من خلال أتباعها اليمنيين ولهذا نجد أن الملك قرر في بداية الأمر استعادتها وتطهيرها من الموالين للأحباش الذين تمردوا على الدولة وكان لاتصالاتهم المتكررة مع أكسوم دور كبير في تلك الصراعات ونجد أن النقوش القديمة تحرص على ذكر المتمردين للدولة ومواجهة الملك لهم ولم تذكر صراحة أن تلك الحملات العسكرية الكبيرة لاستعادة الدولة اليمنية كانت ضد أتباع الطائفة المسيحية بل أتباع الأحباش .
وهذا له مدلوله الذي يجب أن نتوقف عنده كثيراً فهو يعني أن الملك الحميري قاد حرباً وطنية وليست عرقية أو طائفية بل إذا جاز التعبير حرباً عسكرية لها أهداف وطنية سيما بعد أن أصبحت اليمن تحت رحمة التبعية الخارجية فقد كان الأحباش ينتشرون في الكثير من المناطق وهذا الانتشار تحول في لحظة الصراع إلى انتشار عسكري وقد أورد السفير البيزنطي (نونو سوس) أنه رأى سكاناً ببشرة سوداء في جزر فرسان وبدوا له كالمتوحشين وأجسادهم مليئة بالشعر ويعيشون عراة لايسترون سوى العورة .
الحملات العسكرية للأحباش خلال القرن السادس الميلادي :
شهدت العشرة الأعوام التي سبقت الحملة العسكرية الكبرى للحبشة 525م حروباً شرسة بين الملك يوسف ومن معه من اليمنيين (بقايا جيش الدولة الحميرية والقبائل اليمنية) وبين الأحباش ومرتزقتهم من اليمنيين الذين أصبحوا وفق المفهوم السياسي عملاء لدولة أجنبية تحاول ابتلاع اليمن، وقد اشتدت الحرب بين الطرفين في العام 518م وهو ما توضحه نقوش تلك الفترة .
وعن أسباب الحملة العسكرية الكبيرة 525م فإن روما والحبشة اتخذت من اضطهاد الأحباش مبرراً للغزو، وكانت الأطماع الخارجية قبل الإسلام مرتبطة بقوتين الروم وفارس وكانت اليمن هي القوة الثالثة لكن عندما بدأت هذه القوة بالتهاوي والضعف تسابقت القوتان، فكانت الحبشة كدولة مسيحية قوية، حليفة لروما المسيحية، فأوعز لهم الإمبراطور الروماني بأن يتقدموا إلى اليمن لكي يفرضوا نفوذاً للمسيحية وبالتالي لروما، أكثر مما هو للحبشة (حمود العودي) وفي الحقيقة أن روما كانت تخفي الأهداف الحقيقة للحملة ، ويرى آخرون أن من البواعث لغزو الأحباش لليمن (الثاني) الجواب على الغزو اليمني للحبشة والذي قام به الملك الحميري شمر يهرعش في نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع .
وقد اختلف المؤرخون في تحديد الغزوات الحبشية على اليمن خلال القرن السادس الميلادي فمنهم من يقول إنها حملة واحدة وآخرون يؤكدون أنها أكثر من حملة وعلى ما يبدو أن الأحباش اتخذوا عدة طرق من أجل السيطرة على اليمن وحتى تتضح الصورة للقارئ نصل إلى استنتاجات من واقع النقوش القديمة وكذلك ما توصل إليه الباحثون والمؤرخون المتخصصون في تاريخ اليمن قبل الإسلام.
أولاً: استيطان جاليات حبشية في مناطق تهامة ونجران ومحاولة الوصول إلى ظفار ومن ثم التأثير على القرار السياسي وكان ذلك على ما يبدو نهاية القرن الخامس الميلادي ولم يأتِ القرن السادس الميلادي إلا وكان النفوذ الحبشي الديني والاقتصادي قد تحول إلى سيطرة سياسية وهو ما يتضح من خلال الصراع بين اليمنيين والأحباش في تلك الفترة سيما في عهد الملك معد يكرب.
ثانياً: بدأت أكسوم في إرسال حملات عسكرية لدعم أتباعهم المتواجدين باليمن الذين باتوا القوة المهيمنة والمسيطرة على مركز القرار، وتمكنت تلك الحملات من بسط السيطرة على الساحل الغربي وامتدت إلى نجران وقاومهم في تلك الفترة رجل يقال له مسروق وقد تمكن مع المقاومة من حصار نجران وهاجم ظفار وهو المتهم بحسب كتاب الشهداء الحميريين بإحراق نصارى نجران ، ويبدو أن مقاومة مسروق كانت قبل مقاومة الملك يوسف أو بالتزامن معه وكل ذلك يعني أن المقاومة اليمنية للاحتلال الخارجي ظلت مستمرة في تلك الفترة دون توقف.
ثالثاً: عندما قرر الملك يوسف محاربة الأحباش بعد ثورته العارمة ضد معدي كرب يعفر قررت أكسوم وبدعم من روما إرسال حملة عسكرية كبيرة في عام 525م وقبلها كان هناك حملات لكن لم تكن بذلك المستوى من القوة فقد كانت تفشل أمام قوى المقاومة اليمنية ولهذا نجد أن الملك يوسف كان يحرص على تحصين الدفاعات في السواحل الغربية خشية وصول إمدادات جديدة من أكسوم لأتباعها في اليمن بعد أن تمكن من القضاء على حملة عسكرية سنتحدث عنها لاحقاً .
رابعاً: بعد الحملة العسكرية الكبرى في 525م بقيادة كالب كان هناك حملة أخرى في 533م بقيادة أرياط وأبرهة واستمرت أكسوم في إرسال تعزيزات عسكرية إلى اليمن لمواجهة الحركات الثورية والانتفاضات الشعبية بمعنى أن الحرب مرت بمراحل متعددة واستغرقت وقتاً ليس بالقصير ، وكل ذلك يؤكد أن هناك أهدافاً خفية تسعى روما لتحقيقها ولا يمكن أن تتم إلا باحتلال اليمن بأسره وإدخاله ضمن مناطق نفوذها وإخضاعه لسيطرتها بصورة غير مباشرة .
هزيمة الحملة العسكرية الأولى :
أدت ثورة الملك يوسف إلى غضب كبير في روما والحبشة حتى أن الإمبراطور جستنيان جهز قوة عسكرية وأراد المضي بها نحو اليمن قبل أن يبعث إلى الحبشة بضرورة التحرك العسكري لاستعادة النفوذ والوصاية على اليمن سيما والتنافس كان على أشده بين الإمبراطورية البيزنطية والإمبراطورية الساسانية وخشي الرومان من تنامي النفوذ التجاري الفارسي في اليمن سيما مع وجود علاقة تجمع الملك يوسف بملك الحيرة المنذر الثالث الذي كان محسوباً على فارس الأمر الذي يعزز من مخاوف خروج اليمن من دائرة النفوذ الروماني فتحركت الأساطيل وبلغت الحملة العسكرية سواحل اليمن وما إن وصلت حتى لاقت التأييد من المسيحيين .
وبحسب ما أورده بعض المؤرخين فإن قوام تلك الحملة وصل إلى 30ألف جندي يتقدمهم الملك الأصباحا وتمكنت تلك الحملة من الوصول إلى ظفار بعد أن انسحب الملك يوسف مع جيشه إلى المناطق الشرقية ثم انطلق من تلك المناطق لشن حرب شعواء على الأحباش وكل من ساعدهم ووقف إلى جوارهم ويرى البعض كنشوان الحميري أن الملك يوسف فرق الأحباش على المخاليف وكتب إلى رؤساء حمير بأن يذبحوا كل ثور أسود عندهم فوثبوا على الحبشة فقتلوهم حتى أفنوهم فوجه ملك الحبشة بإرسال جيش عظيم .
وحول زمن الحملة العسكرية الأولى فمن المرجح أنها كانت عقب ثورة الملك يوسف مباشرة أي ما بين العام 518 و522م ، وعلى ما يبدو أن مهمة الحرب على الرومان والحبشة كانت تحتاج إلى جهود كبيرة نظراً لتوغلهم في اليمن عسكرياً واقتصاديا ولهذا أراد الملك يوسف تشكيل تحالف يضم ملوك الحيرة ومن ورائهم الفرس وذلك لمقاومة الأحباش والرومان وبحسب المؤرخ جواد علي فإن ذلك كان بعد أن تحالف الأحباش والرومان من جهة مع أقيال من حمير مناهضين للملك يوسف وأن المخطط الروماني الحبشي تضمن احتلال اليمن ومن ثم التوسع نحو الحجاز والسيطرة بذلك على أهم جزء من جزيرة العرب والهيمنة الكاملة على البحر الأحمر والمحيط الهندي وإنزال ضربة عنيفة بسياسة خصوم الروم وهم الساسانيون .
الإعداد للحملة 525م:
دفعت روما المسيحية حليفتها في المنطقة والقريبة من اليمن إلى شن حملة عسكرية بذريعة اضطهاد معتنقي الديانة المسيحية وقدمت روما ما يقارب 60سفينة من أسطولها البحري مليئة بالسلاح والمؤن لنقل ما يقارب 70ألفاً من الجنود من الضفة الغربية للبحر الأحمر إلى الضفة الشرقية فيما تكفلت أكسوم بتوفير 20سفينة أخرى ولعل الحماسة الرومانية لشن الحرب على اليمن نابعة من الأطماع التاريخية وسبق أن أشرنا إليها بالتفصيل إضافة إلى حملة التطهير بقيادة الملك يوسف والتي طالت التجار الرومان في اليمن .
وكانت بيزنطة تود إرسال قوات برية عبر النوبة غير أنها تراجعت لعدم جدوى مثل هذه الخطة نظراً لوعورة الطريق التي ستسلكه مثل هذه القوات وربما لأن الأكسوميين لم يرغبوا في قبول قوات أجنبية حتى وإن كانت من الحلفاء( أشار إلى ذلك الأشبط في كتاب اليمن والحبشة )وتقول الكتابات الكلاسيكية الرومانية في عهد (برو كوب) إن الانتصار اللاحق لدولة أكسوم المدافعة عن المسيحية جاء بمساعدة السفن البيزنطية وهذا الانتصار قد غمر العالم المسيحي بالسرور والاعتزاز .
وقبل أن تبحر السفن الحبشية والبيزنطية معاً إلى الساحل اليمني تحت ستار الدين ينبغي الإشارة إلى الأطماع الرومانية الممتدة إلى ما قبل ظهور المسيحية ،فعندما فشلت في تحقيق تلك الأطماع بحملتيها السابقتين والمتمثلة في السيطرة على الممرات التجارية كهدف استراتيجي اقتصادي وسيِّرت لذلك الجيوش الجرارة التي تاهت فوق الأرض اليمنية الوعرة «وفتكت بها الأمراض دفعت بالحبشة بعد أن نصرت ملكها ووجدت عن طريقه موطئ قدم لها في المنطقة يتحمل نيابة عنها كل التضحيات البشرية وتحقق بواسطته أحلامها القديمة وهي السيطرة على همزة الوصل بين الشرق والغرب وطوَّع الشعب الحبشي تطويعاً تعسفياً وزج به في اقتتال مع جيرانه وأهله لتجني روما الثمار وتعيش في نشوة النصر بلا تضحيات» .
المعارك الخمس في المخا ومقتل الملك الحميري :
بحسب مؤرخين فإن الأطماع الخارجية في اليمن وتمكن بيزنطة من احتواء الحبشة أدى إلى إشعال سلسلة حروب مدمرة عانى منها الشعب اليمني الكثير، فراح يعبئ كل طاقاته البشرية والحضارية لردع العدوان ومحاصرة الخراب .
وأبدى اليمنيون صلابة غير عادية في مواجهة التحالف الروماني الحبشي الذي كشر عن أنيابه مرة أخرى ودفع بقوات هائلة لاحتلال اليمن وإجهاض ثورة الملك يوسف أسأر يثأر التي كانت تستهدف الوصاية الخارجية ، وقد وصلت السفن الحبشية إلى السواحل اليمنية وعلى ما يبدو إلى منطقة ما بين المخا وباب المندب والأقرب إلى الصواب أنها نزلت في المخا وهناك من يرى أنها نزلت في غليفقة .
وعلى ما يبدو أن اليمنيين كانوا يتوقعون وصول حملة عسكرية كبرى إلى سواحلهم ولهذا عمدوا إلى بناء تحصينات في باب المندب لكن لم يكن الجيش الذي يقوده الملك يوسف على كامل استعداده للمواجهة المحتملة وبحسب الإخباريين العرب فإن القوات الحميرية خاضت عدة معارك مع الأحباش بعد وصولهم إلى الساحل الغربي وهو ما يعني أن الهزيمة التي تحدث عنها المؤرخون العرب لم تأتِ إلا بعد أن كانت القوات اليمنية المتصدية للغزاة قد قدمت كل ما بوسعها وبذلك كل ما لديها من طاقات في سبيل الانتصار سيما إذا ما قارنا بين حجم القوات الحبشية المدعومة من روما بالسلاح والعتاد والذي قُدِّر بسبعين ألفاً بقيادة أرياط وهناك من يقول إن العدد ثلاثين ألفاً بقيادة كالب .
وبين القوات اليمنية المنهكة والتي وصلت إلى الساحل الغربي بعد خوضها معارك استنزافية شاقة في الداخل وقد أدت تلك المعارك إلى هزيمة مؤلمة لليمنيين الذين وقعوا بين القتل والأسر على أيدي القوات الغازية .
ولم تتقدم القوات الحبشية إلا بعد أن وصل أحد المعارضين للملك يوسف إلى قيصر الروم شاكياً إليه اضطهاد النصارى وعندها بعث القيصر إلى ملك الحبشة يأمره بالتقدم باتجاه اليمن .
وتقول الإخباريات العربية إن ملك الحبشة عيَّن أرياط على رأس قوة عسكرية قوامها سبعون ألفاً والتي اتجهت إلى المخا في الوقت الذي تقدم الملك يوسف والتي تصفه الإخباريات العربية بذي نواس ومن أطاعه من قبائل اليمن «فلما التقوا انهزم ذو نواس فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه وجه فرسه في البحر ثم ضربه فدخل به فخاض به خضخاض البحر حتى أفضى به إلى غمره فأدخله فيه وكان آخر العهد به ودخل أرياط اليمن فملكها» .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.