إن عملية (نَصرُ من الله) التي نفذها الجيش واللجان الشعبية والمجاهدون في مناطق المواجهة مع المملكة السعودية ومن يقف خلفها من دول الاستكبار العالمي جعلت العالم يعيش حالة من الذهول والصدمة الحقيقية التي لاشك انها أربكت واضعي الاستراتيجيات العسكرية والحربية والدفاعية وجعلتهم يعيدون تصوراتهم وحساباتهم وخططهم وتكتيكاتهم لكيفية خوض المعارك على المدى المنظور القريب والبعيد. لقد كانت عملية «نَصرُ من الله» فريدة من نوعها من جميع الجوانب الاستخباراتية والاستطلاعية والتكتيك والإعداد العسكري والاستدراج ووضع الكمائن، فعلى الرغم من فارق القوة والعدة والعتاد العسكري وعدد المقاتلين بين الجيش اليمني واللجان الشعبية من جهة وبين الجيش المعادي وحلفاؤه من جهة اخرى إلا اننا تمكنا من كسر شوكتهم وإلحاق الهزيمة النكراء بهم بطريقة ابتكارية لم يحسبوا حسابها على الاطلاق وهذا الامر ايضا لم يتوقعه او يستوعبه اكبر المحللين العسكريين وواضعي الخطط العسكرية والحربية، إذ كيف استطاع عدد محدود من فتية يمانية (ايمانية) يمتلكون أقل من 10% مما يمتلكه جيش العدوان من عتاد حربي وبشري يخوض تلك الملحمة البطولية النادرة وينتصر فيها بشكل لم تألفه ساحات القتال والمواجهات العسكرية على مدى التاريخ. فقد تمكن عدد محدود من الجيش واللجان الشعبية بسلاحهم الشخصي (الالي) ودون غطاء جوي من التوغل في عمق العدو السعودي وسحق ثلاثة ألوية عسكرية بكامل عتادها وعدتها الحربية والبشرية علاوة على ما يمتلكونه من الدعم والاسناد الجوي لاسراب من المقاتلات وحوامات الاباتشي فكانت النتيجة مغايرة لتوقعاتهم وخططهم وامانيهم فهزموا في عقر دارهم هزيمة نكراء مجلجلة واقتيد مقاتليهم وقياداتهم كالنعاج وبعثرت مدرعاتهم ومدافعهم وآلاتهم الحربية بشكل لم يشهده العالم من قبل حين كانت تصطدم ببعضها وتحترق اثناء فرارها من أمام بضعة جنود كانوا يطاردونها بسلاحهم الشخصي . إنها معجزة يمانية فريدة وملحمة بطولية نادرة للجيش واللجان الشعبية اليمنية لاشك أنها جعلت العدوان يفقد توازنه ويدخل في غيبوبة سياسية وخيبة امل وانكسار عسكري وسياسي ونفسي ومعنوي لن يفيق منها بعد اليوم مهما تظاهر بعكس ذلك لان هذه الانتكاسة المدوية للسعودية ومن يقف خلفها من دول العدوان كانت فوق تفكيرهم واحتمالهم. لقد كانت هذه العملية بمثابة صفارة إنذار للسعودية ومن معها في عدوانها على بلادنا ومنها امريكا واسرائيل، وجرس تحذير ليقفوا برهة مع انفسهم ويعيدوا حساباتهم من جديد ويتساءلون لماذا انهزموا جميعا وعجزوا في مواجهة اليمن هذه الدولة الفقيرة المحاصرة برا وبحرا وجوا منذ اكثر من اربعة اعوام؟ وكيف سقطت أسطورة الباتريوت وعجزت عن حماية مطارات ومدن السعودية ومنابع النفط في (بقيق) وكيف تمكنت الطائرات اليمنية المسيرة من الوصول الى العمق السعودي وتنفذ ضرباتها بتلك الدقة والقوة العاليتين التي اعجزت صواريخ الباتريوت لحليفتها الاكبر (أمريكا) وجعلتها تفقد سمعتها كسلاح فتاك زعموا انه فخر الدفاعات الجوية الاعتراضية في العالم قبل ان يُمسَح بسمعتها الارض مؤخرا حين عجزت عن اعتراض صواريخنا البالستية- محلية الصنع- والطيران المسير في اكثر من جبهة من جبهات المواجهة في خميس مشيط ونجران وجيزان وعسير وابها والرياض والدمام وغيرها. لقد عجز الطاووس الامريكي (ترامب) وجيشه العرمرم عن الرد ولو من باب استخدام حق الدفاع عن النفس مُفضلاً سحب قواته العسكرية من قاعدة عيديد في قطر خوفا من استهدافها وهذا ليس دليل عجز أمريكا عن حماية حلفائها في الخليج فحسب, بل وعجزها في الدفاع عن نفسها حين فضل (ترامب) امتصاص آثار اللطمة بتصريحات مخجلة مفادها ان اميركا ليست علي استعداد للدفاع عن الغير من اجل النفط لأن لديها ما يكفي لسد حاجتها منه، مؤثرا جر ذيول الهزيمة والهروب بقواته إلى حيث يجد لها الامان. وفي هذا الحال وهو الاهم لماذا لا تتساءل دول العدوان لماذا لا يكون هناك تفكير جِدي بالحوار المباشر مع اليمنيين الذي لقنوهم كل تلك الهزائم منذ اربعة اعوام ونصف حتى الان؟ ومن ثم التفكير الفعلي لوقف العدوان والخروج بما يحفظ ماء الوجه إن كان هناك بقية من ماء الوجه لهذه المملكة التي أصبحت تترنح بل باتت قاب قوسين من الافول بفعل السياسات الطائشة الهوجاء غير محسوبة العواقب والتي كلفتها تريليونات الدولارات في رحلة عبثية للبحث عن الزعامة والهيمنة التي لم تجن منها إلا الهوان والخسران والانكسار والهزائم المتتالية على اكثر من صعيد. شيئا آخر يوجب على دول العدوان وخاصة المملكة السعودية إعادة التفكير فيه وهو هل كذبة إعادة الشرعية (المزعومة) تستحق كل هذه الخسائر الفادحة التي لحقت بها على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والنفسي والأخلاقيِ وإن كُنا نعلم أن للسعودية أهدافاً استراتيجية خاصة تسعى لتحقيقها تحت عباءة إعادة (هادي)، في الوقت الذي عجزت عن إعادته إلى (عدن او حضرموت او مأرب او غيرها من المدن اليمنية) فما بالكم بإعادته الى صنعاء كما تزعم ولاشك أنها ستعجز ايضاً عن تحقيق تلك الاهداف الخاصة مهما دفعت من مال. تحية من الاعماق للاخ اللواء محمد ناصر العاطفي وزير الدفاع الذي كان في مقدمة الصفوف في تنفيذ هذه الملحمة البطولية الاستثنائية بكل المقاييس والذي اقتحم الخطوط الامامية للعدو بدون غطاء جوي ولم تهتز له شعرة واحدة غير مبالِ بالموت من اجل كرامة الوطِن وعزته، وتحية لكل ضابط وجندي وفرد في الجيش واللجان الشعبية الذين حملوا رؤوسهم على اكفهم من اجل الدفاع عن حياض الوطن والذين سطروا فصول هذا الملحمة واقتحموا الردى بكل شجاعة واستبسال مؤمنين بأن النصر حليفهم لا محالة تصديقا لوعد الله حين قال في محكم كتابه (أُذن لِلٌذين يُقَاتَلٌون بِأنهُم ظُلِموٌا وإنّ الله على نَصرِهم لقديرُ). صدق الله العظيم.