إلا الزنداني!!    جنرال أوروبي: هجمات الحوثيين ستستمر حتى بعد الحرب على غزة    صافح الهواء.. شاهد: تصرف غريب من بايدن خلال تجمع انتخابي في فلوريدا    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    تصريحات مفاجئة لحركة حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والانخراط ضمن منظمة التحرير بشرط واحد!    البحسني يشهد تدريبات لقوات النخبة الحضرمية والأمن    عقلية "رشاد العليمي" نفس عقلية الماركسي "عبدالفتاح إسماعيل"    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    الشيخ الزنداني رفيق الثوار وإمام الدعاة (بورتريه)    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    فيديو صادم: قتال شوارع وسط مدينة رداع على خلفية قضية ثأر وسط انفلات أمني كبير    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    فينيسيوس يتوج بجائزة الافضل    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    المجلس الانتقالي بشبوة يرفض قرار الخونجي حيدان بتعيين مسئول أمني    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    الإطاحة بشاب أطلق النار على مسؤول أمني في تعز وقاوم السلطات    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    رجال القبائل ينفذوا وقفات احتجاجية لمنع الحوثيين افتتاح مصنع للمبيدات المسرطنة في صنعاء    حقيقة وفاة ''عبده الجندي'' بصنعاء    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ اليمن .. مقبرة الغزاة..للباحث / عبدالله بن عامر الحلقة (21)
نشر في 26 سبتمبر يوم 20 - 10 - 2019

بحث مقارن لحملات الغزاة المتعاقبة على اليمن عبر التاريخ خلص إلى آن الغزاة لايستفيدون من التجارب
توجه الجيش الأيوبي نحو عدن بهدف السيطرة عليها لأهميتها الاستراتيجية وعوائدها المالية وتصدت له قوات تابعة لدولة بني زريع ودارت معركة كبيرة
خلال فترة وجيزة تمكنوا الأيوبين من التقدم إلى تعز دون أن تقف أمامهم أية قوة
المعركة الفاصلة أدت إلى سيطرة الأيوبيين على ميناء عدن وإدارته لصالحهم
نستكمل في هذه الحلقة عرض الفصل الخامس من هذا البحث والذي تضمن الحديث عن التواجد الفارسي في اليمن أسبابه ودوافعه وصولاً إلى نتائجه ونضع القارئ في الفصل السادس أمام الفتوحات اليمانية التي شهدها العالم الإسلامي في عصر صدر الإ
سلام والدويلات المستقلة ونختم هذه الحلقة باستعراض الفصل السابع الذي خصصه الباحث للغزو الأيوبي لليمن في القرن الحادي عشر الميلادي.. فإلى الحصيلة:
عرض/ امين ابو حيدر
يراهن على ضعف الأيوبيين في القتال بمنطقة تهامة دون أن يدرك أن المقدرة القتالية للأيوبيين في المناطق المفتوحة كانت أعلى من المناطق الجبلية وزبيد من المناطق المفتوحة .
وإضافة إلى ذلك فإن الخلافات اليمنية اليمنية أدت إلى وقوف حاكم المخلاف السليماني الشريف قاسم إلى جوار الأيوبيين وهذا بالطبع أثر على سير المعركة مع دولة بني مهدي وضمن انتصار الأيوبيين وما يؤكد على تلك الخلافات هو عودة قاسم بن غانم مع جنوده إلى حرض بعد انتهاء المعركة التي مثلت بالنسبة له انتقاماً من ابن مهدي وبالتالي عاد إلى مخلافه، ولعل قراءة تلك المعركة تشير إلى كفاءة كبيرة تمتع بها الجيش الأيوبي في وقت كان فيه مقاتلو بني مهدي قد أصابتهم الحروب الداخلية بحالة من الضعف لدرجة أنهم لم يستمروا في الصمود أمام الغزاة، الأمر الذي دفع قائدهم للتعويل على الظروف المناخية متناسياً الكثير من المتطلبات العسكرية لتحقيق الانتصار كالاستطلاع مثلاً لمعرفة حجم القوة الحقيقية للعدو وطريقة قتاله وأيّة معلومات عن تكتيكاته العسكرية وأهم أسلحته ونقاط ضعفه، وبالتالي فقد كشفت تلك المعركة أن اليمن بتلك الفترة لم تكن تمتلك أي جيش نظامي بل مجاميع قتالية بمعنى أن المعركة كانت بين جيش مدرب ومنظم من جهة وبين مقاتلين قاتلوا بشكل عشوائي لكن رغم العشوائية وغياب التخطيط المسبق فإن الصمود لمدة ثلاثة أيام أكد أن الجهد المبذول كان فردياً من قبل المقاتلين الذين رفضوا الاستسلام للقوة الغازية في ظل غياب الحنكة والدهاء العسكريين عن عقل القائد الذي لم يكن يمتلك أيّة خبرة حربية، وكم هي الحوادث التي يقدم فيها اليمنيون خسائر كبيرة للتغطية على ضعف القادة وقلة خبرتهم العسكرية .
مقاومة في تعز :
أدى انتصار الأيوبيين في زبيد إلى حالة من الخوف لدى بقية المقاتلين التابعين لبني مهدي فقد أصابتهم تلك الهزيمة بانهيار نفسي حتى أن الأيوبيين تمكنوا خلال فترة وجيزة من التقدم إلى تعز دون أن تقف أمامهم أيّة قوة وما تبقى من حاميات بني مهدي لجأت إلى الجبال وأثناء تواجدهم بالجبال عمل الأهالي على رفع معنوياتهم وتشجيعهم على القتال والتصدي وبالفعل فإن الأيوبيين الذين تمكنوا من قطع المسافة بين زبيد وتعز اصطدموا بمقاومة عنيفة من قبل أبناء جبل صبر .
وعلى ما يبدو أن بقايا جنود بني مهدي كانوا قد لجأوا إلى تلك المنطقة إضافة إلى جبل حبشي فالمقاومة انطلقت من تلك المنطقتين، فعندما تقدم الجيش الأيوبي تصدى الأهالي له وقاوموه بكل ما لديهم من قوة وإلى جوارهم جنود بني مهدي حتى تمكنوا من إجباره على المغادرة وتحويل وجهته إلى الجند، ويعيد بعض المؤرخين عدم تمكن الأيوبيين من السيطرة على جبل صبر وجبل حبشي إلى منعة تلك الجبال ومنعة الحصون عليها إلا أن ذلك مردود عليه ،فالجغرافيا المعقدة عامل مساعد للمقاتل الذي بدونه لا يمكن أن تُهزم أيّة قوة تحاول التقدم باتجاه تلك المناطق.
معركة عدن :
عبر البر ومن تعز توجه الجيش الأيوبي نحو عدن بهدف السيطرة عليها نظراً لأهميتها الاستراتيجية وعوائدها المالية الكبيرة، فما إن وصلت طلائع الجيش الأيوبي إلى عدن حتى تصدت لهم قوات تابعة لدولة بني زريع بقيادة ياسر بن بلال المحمدي، وبحسب أغلب المصادر التاريخية فقد دارت معركة كبيرة بين الطرفين في منطقة خارج مدينة عدن وذلك في يونيو من العام 1174م وعندما شعر اليمنيون بقوة الجيش الأيوبي حاولوا العودة إلى المدينة والتحصن بها إلا أنهم تفاجأوا بوجود قوة من الجيش الأيوبي كانت قد سبقتهم إلى المدينة، لتصبح قوات بني زريع بين فكين، حيث كان توران شاه قد أرسل مجموعة من جنوده للسيطرة على عدن بينما بقية الجيش استمر في القتال خارج عدن وكانت حيلة ذكية وخدعة عسكرية تؤكد ما بلغه القائد الأيوبي وقتها من خبرة ودهاء، وقد تطرقت أغلب المصادر التاريخية إلى أن توران شاه منع جنوده من نهب المدينة وقال مقولته الشهيرة: (ما جئنا لنخرب البلاد وإنما جئنا لنملكها ونعمرها وننتفع بدخلها) .
ولكن ما الذي دفع توران شاه إلى منع نهب المدينة وكان جيشه لايتورع عن النهب والسلب والقتل والسبي وما حدث في زبيد خير دليل فعدن قاومت الأيوبيين بشراسة كما فعلت زبيد لكن لم ينتقم توران شاه من عدن فما الذي يختلف هنا وما الفارق؟
في الإجابة على كل تلك الأسئلة نجد أن أهمية عدن كميناء استراتيجي وحرص القائد الأيوبي على الانتفاع منه والاستفادة من أهميته الاقتصادية هو ما دفعه إلى منع نهب المدينة وتدميرها وهذا يكشف حقيقة أن الأيوبيين لم يأتوا إلى اليمن إلا من أجل الثروة وأن أطماعهم في السيطرة على اليمن كان من أجل نهب خيرات اليمنيين، ثم إن تصرف توران شاه في عدن يؤكد ما ذهبنا إليه سابقاً في أن هذا القائد يتمتع بحنكة ودهاء وهنا تبرز حنكته السياسية إلى جانب العسكرية، فترك المدينة للجنود لاستباحتها بالتأكيد كان سيعرض أجزاء منها للتدمير وهو ما يتعارض مع هدف توران شاه الذي لن يتحقق إلا ببقاء المدينة كما هي دون أن يصيب ميناء عدن ومرفأها البحري والتجاري أي مكروه .
وما يمكن قوله من خلال قراءة تفاصيل تلك المعركة وما سبقها ووضع اليمن في تلك الفترة وما تبعها أيضا من تقدم للأيوبيين وسيطرتهم على أهم ميناء يمني أن مواجهة الغازي بشكل متفرق وكل على حِدة لم يكن في صالح اليمنيين الذين كرروا الخطأ بعدن بعد زبيد وذلك في عدم تقدير قوات الغزو وعدم الاستعداد الكامل للمواجهة إضافة إلى قلة الخبرة العسكرية، فالجيش الأيوبي كان من حيث المهارة العسكرية والخبرة القتالية يجمع ما بين دهاء القادة وكفاءة الجندي وهما ما يحتاجهما أي جيش لكي يصبح قوياً وقد تجسدت حنكة توران شاه في إرسال فرقة عسكرية إلى داخل عدن في الوقت الذي كانت فيه المدينة بلا حماية عسكرية حيث كانت قوات بني زريع تقاتل في المعركة الدائرة خارج عدن، أي أن توران شاه لم يقدم على مهاجمة عدن إلا بعد أن كان قد اطلع وبشكل كامل على الطبيعة الجغرافية للمدينة وبعقلية القائد العسكري وضع كل الاحتمالات وتعرف على التحصينات المنيعة والتحصينات الهشة وعلى الثغور أي أنه درس بشكل كامل ظروف المعركة من الناحية الجغرافية بل وحتى المعنوية.
وحول تحصينات عدن الطبيعية يقول ابن الأثير (من جهة البر كانت من أمنع البلاد وأحصنها وصاحبها إنسان اسمه ياسر فلو أقام ولم يخرج عنها لرجعوا خائبين وإنما حمله جهله وانقضاء مدته على الخروج إليهم ومباشرة قتالهم فسار إليهم وقاتلهم فانهزم ياسر ومن معه وسبقه جيش شمس الدولة فدخلوا البلد قبل أهله فملكوه وأخذوا صاحبه ياسر أسيرا) .
ولعل من أهم نتائج هذه المعركة الفاصلة تحقق الهدف الرئيسي للأيوبيين وهو السيطرة على ميناء عدن وإدارته لصالحهم وحول أهمية عدن في عقلية الأيوبيين يقول الباحث عبد السلام المخلافي:
كانت السواحل اليمنية تحتل أهمية خاصة في فترتين هي فترة الدولة الأيوبية في اليمن وفترة الدولة الرسولية، في هاتين الفترتين بالتحديد وخاصة في الفترة الأيوبية استطعنا أن نكتشف أن ميناء عدن شكل حلقة وصل عالمية فيما يخص التجارة وفيما يخص الاهتمام الاستراتيجي لدى القوى المتصارعة في العالم، من الواضح جداً أن صلاح الدين الأيوبي عندما أرسل حملة بقيادة توران شاه إلى اليمن للسيطرة على اليمن كانت هذه الحملة تستهدف بالأساس تأمين ميناء عدن كميناء استراتيجي، نحن نعلم أن توران شاه قدم من صبيا على الحدود اليمنية السعودية اليوم، واتجه إلى زبيد وخاض معارك شرسة مع اليمنيين هناك واتجه كذلك إلى جبلة اليمنية، ثم وصل إلى ميناء عدن، الغريب في الأمر أنه عند وصوله إلى ميناء عدن وبعد محاولة بعض جنوده القيام بعملية لنهب المدينة، قال عبارة شهيرة جداً، قال ما جئنا لنخرب البلاد وإنما لنملكها ونعمرها وننتفع بدخلها، هنا من الواضح جداً أن توران شاه قدم من أجل هذا المكان تحديداً، من أجل الميناء، التنمية التي قام بها الأيوبيون للميناء رفعت عائدات الميناء إلى أربعة أضعاف .
التوجه إلى جبلة :
أغرت انتصارات الأيوبيين في زبيد وعدن القائد توران شاه على التطلع للسيطرة على مناطق المرتفعات الوسطى والشمالية وكانت مناطق غنية بالمحصولات الزراعية والثروة الحيوانية فكان الهدف القادم جبلة في إب وسط اليمن وكانت تلك المنطقة تدعى وقتها مخلاف جعفر ولا تشير المصادر التاريخية إلى مقاومة يمنية للغزاة الذين وصلوا إلى ذي جبلة وسيطروا على حصن التعكر وذلك في يوليو 1174م ثم إلى نقيل صيد (سمارة) ثم دروان ، ويعيد بعض المؤرخين عدم مقاومة أبناء تلك المنطقة إلى ميلهم للمسالمة وهذا على خلاف ما تؤكده الأحداث التاريخية في أكثر من مرحلة سيما في مرحلة الغزو المملوكي وكذلك التركي كما سنرى في الفصول القادمة فأبناء هذه المناطق قاوموا بشراسة كل محاولات الغزو وشاركوا في الثورات ضد الغزاة.
معارك ذمار :
سارع الجيش الأيوبي في تقدمه نحو المناطق الشمالية معتمداً على تمكنه من تحقيق انتصارات في زبيد وعدن وكذلك عدم وجود مقاومة في مخلاف جعفر فعبر نقيل صيد (سمارة) ووصل إلى تخوم ذمار وهناك اصطدم بمقاومة عنيفة لقبائل ذمار وهناك اختلاف في تحديد أول منطقة تصدت للأيوبيين هل دروان في يريم أم حصن ذروان شرق ذمار غير أننا نجد أن اسم قائد المقاومة واحد في كلا الروايتين وهو الشيخ عبد الله بن يحيى الجنبي الذي تزعم المقاومة وشارك في أكثر من معركة خاضتها قبائل ذمار ضد الأيوبيين حتى اضطروا إلى طلب الصلح فاستجاب الشيخ الجنبي لذلك وتم الصلح بين الطرفين وقد تمكن الأيوبيون من خلال ذلك الصلح من تحييد القبائل الموالية للجنبي في الوقت الذي تفرغوا فيه لمواصلة تقدمهم للقضاء على أيّة مقاومة أخرى فاتجه توران شاه إلى حصن المصنعة واستولى عليه بعد معركة مع القبائل ثم تمكن الأيوبيون من دخول ذمار والسيطرة عليها .
وبعد أن أدرك توران شاه ضراوة مقاومة أبناء ذمار سارع إلى مغادرتها باتجاه صنعاء إلا أنه اصطدم مرة أخرى بالقبائل التي أرادت توجيه ضربة قاصمة لقواته فدارت معركة تعتبر من أشهر المعارك بين اليمنيين والأيوبيين حتى كاد الجيش الأيوبي أن يتعرض لهزيمة ساحقة وذلك في 1174م لولا مسارعة توران شاه إلى تحسين موقفه العسكري برفع الروح المعنوية لجنوده فقد وضعهم أمام مصيرهم المحتمل فيما لو خارت قواهم واستسلموا للقبائل اليمنية، فقال مقولته الشهيرة والتي وردت في أغلب المصادر التاريخية التي تحدثت عن تلك الفترة: أين أنتم من ديار مصر قاتلوا على أنفسكم وإلا أكلتكم العرب .
وقد كان لهذه الكلمات أثر كبير في استماتة الجيش الأيوبي بالقتال وتمكنه في نهاية الأمر وبعد أن تعرض لخسائر كبيرة من التغلب على القبائل اليمنية ومواصلة المسير نحو صنعاء، وللأسف أن غالبية المصادر التاريخية ورغم اعترافها بضراوة المقاومة في ذمار إلا أنها لم تتطرق إلى ذكر حجم الخسائر في صفوف الجيش الأيوبي .
واكتفت بالإشارة إلى الخسائر في صفوف القبائل التي خسرت ما لايقل عن 700شهيد أما بقية المقاتلين فقد تحصنوا في حصن هران شمال ذمار فيما الخسائر بصفوف الغزاة تعتبر هي الأكبر منذ دخول قواتهم اليمن إضافة إلى تعرض قواتهم للإنهاك الشديد ناهيك عن ترك ذمار دون إخضاعها فلم يُعين توران شاه حاكماً على المدينة يخلفه فيها ويدير شؤونها كما كان يفعل بعد دخوله أيّة مدينة أو منطقة يمنية إضافة إلى أن المقاومة العنيفة حققت ما يلي:
أولاً: أن مدينة ذمار لم تتعرض للنهب والسلب من قبل الغزاة الأيوبيين كما تعرضت مدن يمنية أخرى وهذا دليل على أن الجيش الأيوبي لم يحقق أي انتصار على القبائل اليمنية بل حاول من خلال الخديعة ومكر القائد توران شاه عبور المدينة وتركها دون ضمها وعادة لايحدث السلب والنهب إلا في الانتصارات الساحقة التي يتغلب فيها طرف على الطرف الآخر..
وثانياً: أن قبيلة جنب ومن معها من قبائل ذمار استفادت كثيراً مما حدث في مناطق يمنية أخرى إضافة إلى أنها عندما شعرت بضعف موقفها العسكري لجأت إلى الصلح حتى تتمكن من إعادة ترتيب صفوفها وهو ما تظهره خارطة المعارك والمواجهات التي دارت شرق ذمار أو بالقرب من المدينة أو في شمالها واعتمدت تلك القبائل على أسلوب المباغتة وحسن اختيار وقت الهجوم والانقضاض على العدو فمعظم تلك الهجمات كانت تحدث أثناء تحرك الأيوبيين بمعنى أنهم لم يكونوا في وضعية الاستعداد للقتال سواء في المعارك قبل دخولهم المدينة أو بعد خروجهم منها ومما تشير إليه تلك الأحداث أن القبائل أدركت نقاط قوة الأيوبيين وكذلك نقاط ضعفهم فسارعت إلى تجنب المواجهات المباشرة واعتماد أسلوب المباغتة وشن الغارات ومن أجل كل ذلك لم يحاول توران شاه العمل على ضم ذمار لسلطانه فقد خرج منها دون أن يترك فيها جيشاً للسيطرة عليها .
ونجد أن فدائية أبناء ذمار ونضالهم ضد الأيوبيين سيما مع دخول توران شاه قد ألهمت الشعراء في تلك الفترة حتى قال أحد أبناء ذمار في معرض وصفه لما قاله توران شاه : وقال لقومه موتوا كراماً .. فأين وأين مصر من ذمار .
إلى صنعاء :
بعد هزائمه في ذمار تقدم الجيش الأيوبي نحو صنعاء التي كانت وقتها تحت حكم علي بن حاتم، فما إن وصل الغزاة إلى مشارفها حتى عسكروا في منطقة الجَبَوب واستمر بقاؤهم في المعسكر ثلاثة أيام في الوقت الذي كان فيه علي بن حاتم قد غادر المدينة إلى حصن براش بعد أن أمر بهدم السور .
وهو بذلك لم يقرر المواجهة بل أراد الحيلولة دون استقرار الأيوبيين بصنعاء لحاجتهم إلى إعمار سورها وهذا سيكلفهم الكثير من الجهد والأموال ويمنع تقدمهم لغزو بقية المناطق، ثم إن بقاء المدينة دون سور سيسهل على المقاومة اليمنية شن عمليات هجومية على الغزاة داخل المدينة والفرار منها بعد ذلك، ومع ذلك فقد فرض توران شاه الحصار على المدينة فخرج إليه عدد من وجهائها لطلب الأمان وعرض الصلح بما يفضي إلى عدم الاعتداء على المدينة وأهلها، وتقول مصادر تاريخية إن وفد أهالي صنعاء ما إن وصل إلى توران شاه حتى خاض معهم في الحديث عن المذهب الذي يعتنقونه ثم منحهم الأمان ثم قرر المغادرة واتجه مع جنوده إلى تهامة والحقيقة أن هناك خلافاً بين المؤرخين حول أسباب عدم دخول توران شاه صنعاء وقراره العودة إلى زبيد .
قبائل آنس وبني شهاب وبرع تهاجم الغزاة :
استفادت القبائل من انكسار الأيوبيين بذمار ولم يستفد علي بن حاتم من ذلك فقد كان بإمكانه مقاومتهم وحشد القبائل للمواجهة إلا أنه فضل الانسحاب تاركاً الساحة خالية من أيّة مقاومة، إلا أن ذلك لم يدم طويلاً فقد تعرض الجيش الأيوبي لهجمات عدة من قبل قبائل بني شهاب وسنحان وبلاد البستان وكان أول هجوم في نقيل السود بني سنحان وبني شهاب .
وقد نجحت القبائل في تحديد مكان الهجوم الذي كان عبارة عن نقيل يحتاج فيه الجيش للكثير من الجهد حتى يتمكن من تجاوزه ولهذا فإنه يكون مشغولاً بالعبور ولم يكن مستعداً لأي قتال وقد تكرر ذلك في أكثر من منطقة، فقبائل آنس أيضا هاجمت الجيش الأيوبي عند مروره من مناطقها باتجاه زبيد وكانت جميع تلك الهجمات تستهدف مؤخرة الجيش غير أنها أوقعت خسائر كبيرة في صفوفه .
واستمرت الهجمات حتى بلوغ الجيش منطقة برع وفيها احتشدت القبائل وكررت نفس أسلوب قبائل سنحان وآنس غير أنها تمكنت من إلحاق خسائر أكبر بصفوف الأيوبيين إضافة إلى أن غنائمها كانت أيضا أكبر من الغنائم التي استولت عليها غيرها من القبائل ،فقد أشارت المصادر التاريخية إلى استيلاء قبائل برع على عدد كبير من الجمال عليها أموال جمة من الذهب والفضة والسلاح وهي من الأموال التي سرقها الأيوبيون ونهبوها من عدن وزبيد ومنها ما جاءوا بها معهم من مصر .
وتشير مصادر أخرى إلى مقتل العشرات من الجنود الأيوبيين جراء تلك الهجمات التي لم يردوا عليها فقد واصلوا مسيرهم باتجاه زبيد، وعلى ما يبدو أن ما واجهه توران شاه في ذمار قد أدى إلى اتخاذه قرار عدم مواجهة القبائل التي كانت تشن الهجمات في مناطق وعرة تعرف مسالكها وتجيد الحرب فيها على عكس الجيش الأيوبي الذي لم يجد أي خيار أمامه سوى الإسراع باتجاه زبيد؛ حتى لاتجره القبائل إلى مواجهات شاملة لن تكون نتائجها في صالحه، وقد أدت تلك الهجمات وما سبقها من مقاومة إلى حصر نفوذ الأيوبيين على بعض المدن الرئيسية، فيما بقية المناطق ظلت خارج السيطرة بما في ذلك مدينة ذمار، وهذا يدفعنا إلى القول إن صنعاء كان بإمكانها المقاومة فقد كانت الظروف مهيأة لذلك سيما بعد الصعوبات الجمة التي تعرض لها الجيش الأيوبي في ذمار وكان هذا كافياً للاستعداد والحشد والمواجهة.
معركة المعافر :
من خلال تتبع مسار الجيش الغازي ندرك أن توران شاه لم يرد التوغل أكثر في المناطق الشمالية فقد عاد إلى زبيد واتجه لإخضاع ما تبقى من الحصون في تعز منها حصنا تالبة وشرياف وفرض الحصار على حصن عزان ذخر في جبل حبشي ثم استولى على ما فيه من أموال وذلك مقابل الصلح مع من كانوا فيه وبهذا لم يتبق أمام توران شاه سوى المعافر فسارع إليها غير أن جيشه اصطدم بمقاومة عنيفة وتحديداً في حصن يُمين وذلك بقيادة منصور بن محمد .
ورغم أن المصادر التاريخية لم تتطرق بشكل كبير لمقاومة المعافر ، إلا أن حملات الأيوبيين للاستيلاء على الحصون المنيعة في تعز يعود إلى محاولتهم تأمين تلك المنطقة التي ستصبح مركزاً لسلطتهم باليمن ومنطلقاً للتوسع في كل اتجاه وكان من أبرز نتائج تلك الحملات السيطرة أيضا على حصون مُنيف والسمدان ، إلا أنهم فشلوا في محاولات السيطرة على حصن الدملؤة في الصلو وهذا الحصن المنيع سيكلف الأيوبيين الكثير حتى يتمكنوا من تحييده أو السيطرة عليه ، ففي عهد توران شاه جرت عدة محاولات لإسقاط الحصن إلا أن جميعها باءت بالفشل وكان أولاد الداعي عمران الزريعي تحت وصاية جوهر المعظمي متحصنين داخله فحاصره توران شاه فترة قصيرة ثم ترك حصاره نظراً لصعوبة السيطرة عليه ؛ لإحكام تحصينه وارتفاعه ولأن المجانيق التي نصبها لم تبلغ إليه واحتياجه إلى وقت أطول لمحاصرته فضلاً عن قبول جوهر إعطائهم الأراضي الواقعة تحت الحصن لذلك تركه توران شاه وتوجه إلى ذي جبلة
ثورة في زبيد وإعلان مكان العاصمة:
في فبراير 1175م اندلعت ثورة في زبيد أشعلها أنصار بني مهدي فيما كان توران شاه بمنطقة ذي جبلة، وما إن وصله خبر الثورة حتى أمر بإعدام أخوي عبد النبي بن مهدي أحمد ويحيى ثم قرر التقدم بنفسه نحو زبيد .
ورواية أخرى تقول إن توران شاه عندما عزم على السفر أمر بشنق بني مهدي وكانوا ثلاثة على باب الخان بزبيد .
أعقب ذلك إعلان توران شاه نفسه ملكاً على الأراضي التي كانت تابعة لدولة بني مهدي وكذلك دولة بني زريع وتلقب بلقب الملك المعظم وأمر بالخطبة له في كافة مساجد تلك المناطق إلى جوار الخليفة العباسي المستضيء بأمر الله رمزاً على خضوعهم لنفوذ الأيوبيين ثم العباسيين .
وحتى تكتمل أركان الدولة الجديدة اختار تعز ؛ لكي تكون عاصمة لدولته التي كانت تشمل المناطق التهامية مع عدن حتى تعز وجبلة، أما بقية المناطق فقد فشل في بسط سيطرته عليها، وعن سر اختيار تعز كعاصمة يقول بعض المؤرخين إن ذلك يعود إلى أن تلك المناطق لم تشهد أيّة مقاومة ضد الأيوبيين إضافة إلى التقارب المذهبي وسبب آخر يعود إلى نصيحة الأطباء للقائد الأيوبي (مكاناً صحيح الهواء ليتخذ فيه سكناً فوقع اختيارهم على مكان تعز فاختط به ونزل المدينة) .
وكانت تعز وقتها عبارة عن قرية تسمى ذي عدينة، وهنا نقول إن الحديث عن عدم وجود مقاومة للأيوبيين في تعز كسبب في اختيار العاصمة غير صحيح فماذا عن المقاومة العنيفة التي شهدتها منطقة صبر؟ وهي مقاومة بالتأكيد لم تأخذ في الاعتبار التقارب المذهبي مع الأيوبيين؛ لأنها لو فعلت ذلك لما اتجهت إلى مقاومتهم ثم ومن متى كان التقارب المذهبي مبرراً للصمت على جرائم المحتلين أو تركهم يعيثون في الأرض الفساد ؟ ورغم أننا نعتقد ومن خلال قراءة أحداث تلك الفترة مدى انحياز الأيوبيين لمذهب ضد مذاهب أخرى لتحقيق أغراض سياسية إلا أن ذلك لايشمل اليمنيين الذين واجهوا هذا الغزو وإن بدرجات متفاوتة من منطقة إلى أخرى بغض النظر عن مدى التقارب في الفكر والمعتقد مع المحتل أو الغازي فقد كان اليمنيون وقتها يدافعون عن أنفسهم في ظل غياب أي مشروع سياسي لهم بمعنى أن تصديهم أو ثوراتهم كانت حقوقية ليس لها أبعاد سياسية.
أما عن الأسباب الحقيقة لاختيار تعز فنجد أنها عدة أسباب مجتمعة أبرزها: أن الموقع المختار لكي يكون عاصمة يكاد يتوسط المناطق التي أصبحت تحت سيطرة الاحتلال الأيوبي، فتعز قريبة إلى ساحل البحر الأحمر ميناء المخا وزبيد وفي نفس الوقت قريبة إلى ساحل البحر العربي ميناء عدن ، ويجب أن لا ننسى ما كان يتمتع به توران شاه من ذكاء وحنكة وبالتأكيد أن للموقع أهمية من الناحية العسكرية والأمنية المرتبطة أساساً بالهدف الاقتصادي للأيوبيين في عدن وباب المندب والمخا ثم إن عدم تمكن توران شاه من إخضاع المناطق الشمالية أحد أسباب اختيار تعز، فما لاقاه الجيش في ذمار وصنعاء ومحيطها وفي المرتفعات دفع توران شاه إلى اختيار تعز ليس لأن أهلها مسالمون كما يقول البعض بل لأن المقاومة في تلك المنطقة كانت بدرجة أقل مما هي عليه في المرتفعات الشمالية الغربية إضافة إلى المناخ والبيئة الزراعية، فتعز كغيرها من المناطق الشمالية والوسطى لليمن هي مناطق زراعية تجذب إليها السكان وتدفعهم إلى الاستقرار. من أسباب نجاح جيش الغزاة الأيوبيين في السيطرة على مناطق جنوبية ووسطى وغربية في اليمن:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.