بحث مقارن لحملات الغزاة المتعاقبة على اليمن عبر التاريخ خلص إلى آن الغزاة لايستفيدون من التجارب الغزو الأيوبي لليمن سببه الرئيسي اقتصادي تمثل في السيطرة على ميناء عدن الذي كان يتحكم على التجارة الشرقية الكبرى نستكمل في هذه الحلقة عرض الفصل الخامس من هذا البحث والذي تضمن الحديث عن التواجد الفارسي في اليمن أسبابه ودوافعه وصولاً إلى نتائجه ونضع القارئ في الفصل السادس أمام الفتوحات اليمانية التي شهدها العالم الإسلامي في عصر صدر الإسلام والدويلات المستقلة ونختم هذه الحلقة باستعراض الفصل السابع الذي خصصه الباحث للغزو الأيوبي لليمن في القرن الحادي عشر الميلادي.. فإلى الحصيلة: عرض/ امين ابو حيدر ويمكن القول إن دخول الإسلام إلى اليمن واعتناق اليمنيين لهذا الدين طواعية جعلهم يقبلون بالدولة الإسلامية الجديدة التي مقرها المدينة المنورة وهي الدولة التي انصهرت فيها كافة الكيانات بالمنطقة بما في ذلك فارس نفسها في مرحلة لاحقة، أما عن مصير الأبناء فقد أصبحوا جزءاً من النسيج المجتمعي اليمني فلا يوجد ما يربطهم بأي كيان سياسي خارجي عدا ارتباطهم باليمن وبنشاطهم الاقتصادي والزراعي ولم يعودوا يشكلون أية خطر على كيان الدولة اليمنية والصراعات التي حدثت فيما بعد كانت لأسباب حقوقية وليس سياسة . نتائج الاحتلال الفارسي : تأثر الاقتصاد اليمني على وجه التحديد من الاحتلال الفارسي وكان لهذا الاحتلال أيضا نتائج على كافة المستويات أبرزها السياسية والاجتماعية فعلى المستوى السياسي أصبحت اليمن في تلك الفترة محسوبة على الإمبراطورية الساسانية وأما اقتصاديا فقد أشار المؤرخ صادق علي إلى حجم التداعيات الكارثية لاحتكار الفرس التجارة معتبراً أن ذلك أدى إلى التضييق على اليمنيين ودفعهم إما إلى اللجوء للأقيال والأذواء في المناطق غير الخاضعة للفرس أو إلى الهجرة نحو شمال الجزيرة العربية وقد كسب الفرس كثيراً من سيطرتهم على اليمن لأنهم بذلك أصبحوا يسيطرون على الطريق التجاري إلى الهند عبر البحر الأحمر كما سيطروا على الطريق البري أو طريق الحجاز . ويتحدث مؤرخون عن تلك الفترة بالإشارة إلى الهجرات الجماعية لليمنيين جراء التدهور الكبير الذي أصاب القطاع الزراعي والذي أدى إلى مشاكل غذائية وعانت بعض القبائل من شبح المجاعة وانتشر الفقر وكان من أسباب إهمال الزراعة تحول الفلاحين إلى جنود تابعين للأقيال والأذواء في المناطق الخاضعة لسيطرتهم وذلك لشن الحروب على الفرس أو لاستخدامهم في الحروب التي ظلت تعصف بين اليمنيين أنفسهم ويقول المؤرخ الواسعي عن تلك الفترة: بوفاة سيف بن ذي يزن أصبحت اليمن ولاية بسيطة يحكمها خمسة ولاة عجميون وكانت تئن من الانقلاب والفوضى الذي كان ضارباً أطنابه فيها تحت هذا الحكم فقد كان الرؤساء فيها بقلاعهم نصف مستقلين وكانت المنشآت العظيمة لسد مأرب آخذة في طريق الخراب ويحتمل أيضا أنه بعد قليل جداً من الاحتلال العجمي تحولت أراضٍ واسعة خصبة إلى بيداء قاحلة كذلك كان تنفذ العناصر العربية البدوية إلى ما وراء تلك البلاد التي خسرت زراعتها بعد أن كانت زاهرة في نظره في ذلك الحين بدون أن يشعر بأيّة هزة . الفصل السادس: الإسلام والدويلات المستقلة اليمنيون يفتحون فارس والروم : لم يلتحق الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بالرفيق الأعلى إلا وقد شهد دخول اليمنيين في دين الله أفواجاً فقال عنهم ما قال من الأحاديث المشهورة والمعتمدة لدى كافة المذاهب الإسلامية، فلا ينكر أحد فضل الإسلام على اليمنيين ودورهم في رفع رايته ونشره وتوطيد دعائمه سيما وهم من انتدبهم الرسول الأكرم لمهمة حربية سرعان ما عمل الخلفاء الراشدون على تنفيذ تلك الوصية، ففي عهدهم وطأت أقدام الجيوش الإسلامية الفاتحة تخوم فارس شرقاً ودقت أسوار الروم شمالاً وغرباً حتى قال البعض إن أبناء اليمن وفي ظل راية الإسلام قد تمكنوا من الرد على من اعتدى يوماً على بلادهم واستعمرها ونهب خيراتها ونكل بأبنائها ، فقد كان اليمنيون يشكلون النسبة الأكبر من جيوش الفتح الإسلامي سواء تلك المتجهة صوب إمبراطورية الروم أو المتوجهة نحو العراق ثم إلى الإمبراطورية الساسانية. إن ما حققه أبناء اليمن في ظل الإسلام لم يكونوا ليحققوه في عهد أو مرحلة أخرى، فهذا المخزون البشري المتجدد بما لديه من قيم حضارية متوارثة كان بانتظار الإسلام كمشروع عابر للحدود يجسد مفاهيم البناء والعمران والنهضة الشاملة على أنقاض الصراع والخلاف والانقسام والتشرذم والعصبية إضافة إلى أنه طريق لاينتهي بالحياة بل يمتد إلى ما بعدها ،فكان لذلك أثره الكبير في نفوس اليمنيين الذين ارتبطوا روحياً بشخصية الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي قال عنهم: «يطلع عليكم الآن أهل اليمن كأنهم السحاب، هم خيار من في الأرض».. وقال أيضا: «الإيمان يمان والحكمة يمانية»، وبدخول أبنائه الإسلام اتسعت رقعة الدولة الجديدة وقويت شوكة الدين، فاليمنيون كانوا الأكثر تأهيلاً لحمل الراية بحكم حضارتهم فجاء الإسلام ليعمل على توحيدهم وتوجيههم وإرشادهم بعد أن كانت صراعاتهم قد مكنت الغزاة من أرضهم ، فاختيار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ليمنيين لتشكيل الجيوش لم يكن صدفة بل كان يشير إلى أن أبناء جنوب الجزيرة العربية هم القادرون دون غيرهم على فتح البلدان بحكم مهارتهم العسكرية وقوتهم القتالية ، فبلادهم لم يتوقف فيها الصراع سواء بين الغازي الحبشي واليمنيين أو بين اليمنيين أنفسهم واستمر ذلك الصراع والاحتراب لعشرات العقود وبالإضافة إلى قدرتهم القتالية وما يتحلون به من شجاعة فإنهم سيعززون تلك الفتوحات باستيطان البلدان والأمصار كونهم الأكثر هجرة وهجراتهم الفردية أو الجماعية تمتد إلى ما قبل الميلاد وبالتالي فإن للخبرة وللموروث والتاريخ دوراً في اختيارهم لهذه المهمة ، وقد كان الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - مدركاً لطبائع أهل اليمن وعزائمهم ومستوى تضحياتهم وقدر إيمانهم وذلك في هجرته إلى المدينة وفي تلك الفترة وما تلاها كان اليمنيون من الأوس والخزرج يؤثرون على أنفسهم ويتقاسمون كل شيء مع إخوانهم المهاجرين. عصر الدويلات المستقلة: تكاد تكون اليمن من المناطق القليلة التي شهدت في بداية الأمر حالة من الهدوء في ظل الحكم الإسلامي إلا أن هذه الحالة لم تستمر بفعل المتغيرات المحيطة والنزعة اليمنية للتحرر والاستقلال ، فهذه النزعة مرتبطة بالشخصية اليمنية ومعبرة عنها في أغلب مراحل التاريخ سيما لو توافرت الأسباب الموضوعية لذلك ، ولهذا نجد أن حالة الاضطرابات التي شهدتها اليمن في الفترتين الأموية والعباسية تعبر عن تلك الحالة وإنما بصيغ وأشكال مختلفة فتارة برفض الولاة الظالمين والثورة عليهم وتارة بالدعوة والتحرك إلى تغيير الواقع وفي الحقيقة أن اليمنيين خضعوا للدولة الإسلامية عن رضا وقناعة فهاجروا في الأمصار ومن تبقى منهم تعاملوا مع ولاتهم بكل ما تقتضيه أساسيات التبعية للدولة والالتزام بتعاليمها ولم يحدث الصدام إلا عندما انتهك الولاة أنفسهم التعاليم الإسلامية واتجاههم إلى الظلم والفساد، فكان ذلك مبرراً للثورة ودافعاً فيما بعد إلى قيام المشاريع السياسية الاسقلالية وكل ذلك جعل اليمن هدفاً لكافة المتطلعين للتحرر من هيمنة الأمويين أو العباسيين حتى تحول اليمن في مرحلة معينة إلى ميدان تجارب للمشاريع السياسية المغلفة بالدين أو تلك التي كانت تحمل في مضمونها الفكرة الدينية غير المتطلعة إلا للحضور بعيداً عن المشاريع السياسية ، فكانت اليمن ملجأ لكل المناهضين للحكم العباسي على وجه التحديد وفيها انطلقت عدة حركات منها ما يعبر عن وجهة نظر تتجاوز الجغرافيا اليمنية إلا أنها اختارت اليمن للانطلاق لتوافر عوامل النجاح فيه ، ومنها ما كان يعبر عن الشخصية اليمنية التواقة للتغيير. لقد كانت اليمن من أوائل البلدان التي شهدت حالة من الاستقلال على السلطة العباسية أو ما يمكن وصفه بالحكم الذاتي ثم تطورت إلى استقلال واقعي مع الاحتفاظ بالتبعية الصورية أو الشكلية كالخطبة للخليفة العباسي ثم بلغت ذروتها بالانفجار الكلي للنزعة التحررية بولادة عدد من المشاريع التأسيسية لكيانات سياسية مختلفة منها المتأثر بنظريات دينية من خارج الجغرافيا اليمنية تعرضت للقمع والتنكيل والمطاردة في بلدان أخرى ومنها ما كان يجمع بين الذاتية اليمنية والفكرة الإسلامية، ولانعدام تحقق كافة تلك المشاريع في وقت زمني واحد وعلى أرض واحدة تحول اليمن إلى ميدان تنافس وتجاذب سرعان ما أدت إلى صراع واحتراب في ظل وفرة إمكانيات التحول وعوامل النهوض والتغيير التي تبددت في أيدي المتحاربين لكنها توالدت من جديد ،وهكذا في كل مرحلة تمر بها اليمن تظل زاخرة بإمكانياتها البشرية الهائلة وثرواتها الطبيعية الزاخرة ناهيك عن موقعها المحوري والمهم في المنطقة والعالم؛ ولهذا يمكن القول إن اليمن ساعد بأرضه وبشره على قيام الحركات التحررية من حكم العباسيين سواءً ما كان يمنياً أو ما كان مصدره قد وفد عليه من مناطق أخرى، فأما الأرض فلطبيعة اليمن الجبلية في معظمها فإن الدعاة وقادة حركات الاستقلال كانوا يتمركزون في قممها العالية بحيث يصعب على العباسيين الوصول إليهم، ومنها انطلقوا لنشر دعوتهم وتوطيد دعائم حكمهم في أوسع رقعة يمكنهم في اليمن، فإذا ما تقدمت جيوش ولاة العباسيين أو مدد العباسيين وقواتهم، انسحبوا وتراجعوا إلى الجبال فامتنعوا بها وصمدوا فيها، وأما البشر فبسبب إيمان اليمنيين وقيام الدعاة ببناء دعواتهم على أساسٍ من الدين، فاليمنيون يلبون دعاتهم ويلتفون حولهم ويجاهدون في صفوفهم حتى يمكنوهم من نشر دعواتهم ومن بسط نفوذهم وحسب ما يمكنهم ويتلاءم مع الظروف المحيطة بهم. ثورات اليمنيين ضد الأمويين والعباسيين : ومن أهم الثورات اليمنية ضد الولاة الأمويين ثورة عباد الرعيني في العام 110ه فقد امتدت تلك الثورة إلى معظم البلاد اليمنية حتى أن الدولة الأموية دفعت بتعزيزات عسكرية إلى واليها على اليمن لمحاربة الرعيني وجرت بين الطرفين عدة معارك كانت نتائجها في النهاية لصالح الأمويين إلا أن ذلك لم يُنهِ غليان المشهد اليمني فقد ظلت حالة الصراع وإن بدرجات متفاوتة تتصاعد في حالات الظلم والاستبداد وتتراجع كلما اتجه الولاة إلى العدالة والاستقامة، ومن الثورات أيضا ثورة طالب الحق في عهد مروان بن محمد 129ه وهي الثورة التي بدأت في حضرموت ثم اتسعت إلى كافة اليمن وامتدت إلى الحجاز وإلى نجد ومعظم مناطق الجزيرة العربية الأمر الذي أثار خشية الأمويين الذين دفعوا بالكثير من جنودهم لوأد تلك الحركة وجرت معارك شرسة بين الطرفين استمرت لسنوات وقام الأمويون باضطهاد الأباضية في حضرموت وملاحقتهم في معظم المناطق وقتلهم. وفي عام 140ه عادت حضرموت للثورة مجدداً وتمكنوا من قتل الوالي الأموي الذي اشتهر بالظلم والفسق واتسعت تلك الثورة إلى صنعاء وغيرها من المناطق وكان معن بن زائدة الوالي على اليمن قد تحرك على رأس جيش كبير إلى حضرموت ومارس فيها أبشع أنواع الجرائم إلا أن أبناء حضرموت لم يستسلموا فبعد سنوات من حكم ابنه عليهم تتبعه أناس منهم إلى خراسان فقتلوه ثأراً للضحايا، وفي عهد العباسيين اندلعت ثورة الهيصم بن عبد الرحمن والتي استمرت من عام 174ه إلى 188ه وبدأت تلك الثورة من مسور حجة فتوسعت بانضمام اليمنيين إليها حتى شعر الخليفة هارون بالخطر سيما بعد الإطاحة بكافة عمال العباسيين في المناطق الشمالية والغربية عدا صنعاء فأرسل عدة حملات عسكرية الكثير منها فشل إلا أن حملة حماد البربري نجحت في إجهاض تلك الثورة بعد أن طلب تعزيزات إضافية من بغداد وقد امتدت المعارك من تهامة إلى حجة ومنها إلى جيزان ونجران وعسير ويقول بعض المؤرخين إن ثورة الهيصم كانت مقدمة لقيام الدول المستقلة باليمن. الفصل السابع: الغزو الأيوبي القرن الحادي عشر للميلاد التفكك والانقسام عشية الغزو: شهدت الفترة التي سبقت الغزو الأيوبي لليمن بروز الخلافات والصراعات في الساحة اليمنية واتجاه مراكز النفوذ إلى تشكيل وإقامة كيانات سياسية مستقلة في ظل الصراع المستمر بين هذه الكيانات ومحاولة كل قوة التوسع على حساب القوى الأخرى فنجم عن ذلك الاحتراب الأهلي تشجيع الغزاة على السعي الحقيقي نحو السيطرة الفعلية على اليمن،وللاقتراب أكثر من مشهد اليمن عشية الغزو الأيوبي نضع أبرز القوى المتصارعة: بنو زريع وكانوا يحكمون عدن ولحج وأبين وبعض مناطق من تعز. وفي ذمار سلاطين قبائل جنب ونفوذهم يمتد إلى مخاليف ذمار. وفي صنعاء بنو حاتم وامتد نفوذهم إلى آنس جنوباً وحاشد شمالاً. وفي تهامة بنو مهدي الذي امتد نفوذهم من منطقة حرض شمالاً إلى المناطق الغربية لتعز ويقال امتد نفوذهم إلى مدينة الجند وجبل صبر وجبل حبشي . وفي المخلاف السليماني الشريف قاسم بن غانم بن وهاس. وفي صعدة حكم الإمام أحمد بن سليمان. وفي حضرموت كانت هنالك أسر عدة تحاول إثبات وجودها وتوسيع نفوذها كآل راشد في تريم وبنو الدغار في شبام وآل إقبال أو آل فارس في الشحر . وفي بلاد الجوف للسلاطين آل الدعام . كانت الصراعات سمة أساسية في تلك الفترة خاصة بين دولة بني مهدي التي حاولت التهام الكثير من المناطق على حساب القوى الأخرى ما دفع هذه القوى في نهاية الأمر إلى التحالف ضدها،وأما في المناطق الشمالية فقد كانت العلاقة بين الإمام الزيدي وبني حاتم تراوح بين الحرب والسلم . وحتى نقف على تلك الفترة بالقراءة الصحيحة يجب أن نتطرق هنا إلى أن كل تلك المشاريع السياسية لم تكن وليدة اللحظة بل كانت إحدى نتائج النزعة الاستقلالية التي شهدتها اليمن في القرون الأولى للهجرة فقد كان اليمنيون سباقين في الثورة على الولاة الأمويين ومن ثم العباسيين حتى اختمرت أفكار الاستقلال فترجمت تلك الأفكار إلى دويلات مستقلة عن بغداد؛ ولهذا لم يحدث الغزو الأيوبي إلا وقد شهد اليمنيون فكرة الدولة المستقلة ومع ذلك ظلوا على ارتباط دائم بفكرة الوحدة الإسلامية التي تمكنت القوى الكبرى من توظيفها والترويج لها ضمن حربها الدعائية لتبرير الاستغلال والاستيلاء. تعددت الأسباب والغزو واحد : بعيداً عن الخلافات بين المؤرخين والتفسيرات والتأويلات حول الأسباب الحقيقية للغزو الأيوبي فإننا نجد أمامنا سبباً رئيسياً وآخر ثانوياً إضافة إلى أسباب أخرى تظافرت جميعها ودفعت بالأيوبيين إلى الاستيلاء على اليمن، فأما الرئيس فاقتصادي ويتمثل في السيطرة على ميناء عدن الذي كان يتحكم بالتجارة الشرقية الكبرى، وكان يضاهي في أهميته البندقية بل يتفوق عليه بشكل كبير جداً باعتباره ميناء يحمل عدة وظائف ، ويتفوق كذلك على بقية الموانئ والسواحل الغربية والجنوبية وإضافة إلى ما سيجنيه الأيوبيون من الموانئ اليمنية ،فإن عائدات النشاط الزراعي والتجاري ضاعف من أهمية اليمن في تلك الفترة لدرجة أن الأيوبيين حاولوا مصادرة جميع الأراضي الزراعية باليمن كما سنعرف. وأما الثانوي فسياسي ويتمثل في الحيلولة دون نشوء دولة قوية في اليمن فقد كانت دولة بني مهدي وقتها تتوسع بشكل كبير وهو ما أثار مخاوف صلاح الدين، وفي الحقيقة فإن نشوء أي دولة قوية باليمن كان بمثابة خطر يتطلب التحرك العباسي المباشر أو عن طريق الأيوبيين ،فيما يرى آخرون أن الصراعات بين الحكام الأيوبيين بمصر جعل صلاح الدين يفكر في تسيير الحملات إلى اليمن حتى يتخلص من بعض منافسيه وخصومه أمثال نور الدين محمود زنكي ويرى بعض المؤرخين أن من أسباب الغزو ما لحق باليمنيين من ظلم على أيدي حكام دولة بني مهدي فاستدعى الأمر الاستجابة لمن طلب المعونة لرفع الظلم عنهم . ورأي يقول إن توران شاه استجاب لتحريض شخص يدعى عمارة اليمني الذي أطمع القائد الأيوبي في اليمن بعد حديثه عن ثرواتها وخيراتها وهذا يأتي ضمن الصراعات أيضا في القاهرة ،فهناك من ربط تحريض عمارة والرغبة في إبعاد توران شاه عن مصر وهناك رأي يعيد الغزو الأيوبي لليمن إلى التعصب المذهبي لصلاح الدين ورغبته في القضاء على المذاهب المخالفة لمذهب الدولة العباسية . منهم الشيعة الفاطميون ، وبغض النظر عن الأسباب فإن الصراعات بين اليمنيين وتحديداً محاولة بني مهدي التوسع وابتلاع دولة بني زريع المتحالفين مع بني حاتم في إشعال الحرب بينهما وهنا تهيأت الفرصة لصلاح الدين الأيوبي في غزو اليمن . حجم الحملة وخط السير : عين صلاح الدين شقيقه توران شاه قائداً للحملة العسكرية التي ستتولى بسط السيطرة على اليمن وكانت تلك الحملة تتكون من أهم القادة العسكريين الأيوبيين إضافة إلى 3 آلاف من الجنود من ذوي الخبرة القتالية العالية وقرر صلاح الدين تخصيص أموال كثيرة لتلك الحملة قدرت بمائتين وستين ألف دينار . وبعد استكمال التجهيزات وجمع الجنود غادرت الحملة القاهرة المصرية متجهة إلى اليمن وذلك في سنة 1174م وبدأ خط سيرها عبر نهر النيل إلى قوص ثم براً إلى ميناء عيذاب ثم عبر السفن قاطعة البحر الأحمر إلى ميناء جدة ومنها اتجهت إلى مكة لأداء مناسك العمرة . والسبب في سير الحملة عبر عيذاب وليس عبر السويس أو العقبة هو تأمين الحملة من التعرض للصليبيين الذين كانوا يسيطرون على فلسطين في تلك الفترة، واتجهت الحملة براً من مكة إلى جيزان ومن ثم إلى حرض وقد أعلن حاكم المخلاف السليماني قاسم بن غانم تأييده للحملة وانضمامه إليها لخلافات سابقة بينه وبني مهدي الذين سبق وأن هاجموا مناطق ابن غانم وقتلوا شقيقه وهاس ولهذا قدم ابن غانم دعمه للحملة وسار معها إلى زبيد . وعلى ما يبدو أن دوره لم يقتصر على المشاركة الحربية بل قدم للأيوبيين معلومات عن بقية القوى اليمنية وعمل كمرشد أو كمستشار لهم. المواجهة مع دولة بني مهدي : كانت الدولة الأقوى على المسرح اليمني هي دولة بني مهدي فقد بسطت نفوذها على كامل تهامة وشنت الحروب على مختلف المناطق للتوسع حتى أن العباسيين والأيوبيين على حد سواء شعروا بالخطر فيما لو قرر بنو مهدي توسيع نفوذهم شمالاً إلى مكةوالمدينة؛ ولهذا فقد سارعوا إلى القضاء عليها فكانت أول أهداف توران شاه الذي تقدم بجيشه في سهول تهامة الحارة، وما إن وصلت أخبار الحملة على عبدالنبي ابن مهدي حتى استنفر أتباعه واستعدوا للمواجهة، وما إن وصلت الحملة على مشارف زبيد حتى قرر الخروج إليها لقتالها حتى لايمنحها فرصة الوصول إلى أسوار المدينة ونصب السلالم لاقتحامها بالقوة فقام بحشد أتباعه حول السور من الجهة الخارجية ثم باشر التعبئة المعنوية للمقاتلين بالقول (كأنكم بهؤلاء وقد حمي عليهم الحر فهلكوا وما هم إلا أكلة رأس ) . وفي الحقيقة أن الأيوبيين من خلال سيرهم على طول السهل التهامي الحار قد ألفوا ذلك الجو فلم تكن زبيد مفاجأة بالنسبة لهم بعد كل تلك الرحلة في المناطق الحارة ولهذا فقد أساء ابن مهدي تقدير الموقف عندما ظن أن المناخ التهامي قد أدى إلى إنهاك الأيوبيين وأن هزيمتهم مسألة وقت لا أكثر، غير أن نتائج المعركة لم تكن كما تصور ابن مهدي فكفاءة المقاتلين الأيوبيين تفوقت على اليمنيين الذين استبسلوا في الدفاع عن زبيد وقدموا في سبيل ذلك التضحيات الجسيمة حتى أن المؤرخين أشاروا إلى أن المعركة استمرت لمدة ثلاثة أيام وفي اليوم الثالث نصب الأيوبيون السلالم واقتحموا الأسوار فتمكنوا من الدخول إلى وسط المدينة وبدأت بعد ذلك حملة مطاردات ضد أتباع بني مهدي. جرائم الأيوبيين في زبيد : كانت زبيد عاصمة دولة بني مهدي هي أول مدينة يمنية يستهدفها الأيوبيون الذين مارسوا بها أبشع أنواع الجرائم بحسب معظم المصادر التاريخية التي تحدثت عن تفاصيل ما بعد انتصار الأيوبيين على جيش بني مهدي الذي وقع الكثير من قادته في الأسر، أما عن الجرائم بحق الأهالي فتمثلت في استباحة المدينة فتسابق الغزاة للنهب والسلب بعد أن تمكنوا من نهب خزائن آل مهدي التي كانت تحتوي على ذخائر خمسة وعشرين دولة . ولم تسلم أموال البسطاء من خيول ودواب وأمتعة وحبوب وأطعمة من النهب إضافة إلى الاعتداء على النساء، فمما يذكره المؤرخون أن الأيوبيين قاموا بسبي الكثير من نساء زبيد وبما حل بزبيد من أهوال على أيدي الأيوبيين سقطت دولة بني مهدي وسيطر توران شاه على المدينة وما حولها، أما بشأن مصير ابن مهدي فقد تضاربت الروايات إلا أن أغلبها تُجمعُ على قيام توران شاه بإعدامه شنقاً وهناك رواية أخرى أنه قُتل في المعركة . ومما يدل على وحشية الغزاة الأيوبيين تعاملهم مع بني مهدي وأنصارهم فعندما عزم توران شاه على التقدم للمناطق الداخلية ولى على زبيد أحد القادة الأيوبيين وهو المبارك بن منقذ وأوكل إليه أمر تعذيب بني مهدي واستخلاص الأموال منهم . أسباب هزيمة دولة بني مهدي في زبيد : على ما يبدو أن ابن مهدي لم يستعد بما فيه الكفاية لقتال الأيوبيين فلم يبادر إلى سحب حامياته في بقية المناطق وحشد كافة قواته للدفاع عن زبيد فقد كان يراهن على ضعف الأيوبيين في القتال بمنطقة تهامة دون أن يدرك أن المقدرة القتالية للأيوبيين في المناطق المفتوحة كانت أعلى من المناطق الجبلية وزبيد من المناطق المفتوحة .