على مسافة قريبة جثث ستة شهداء مُلقاة على الأرض فوق كومة من تراب، بينهما طفل مستلق على ظهره، وإلى جانبهم رأس دون جسد لفتى ينظر إلى القتلة بغضب، شاب آخر سقط على وجهه ممدد وبجواره بندقيته. وآخرون جرحى بقيت أعينهم مفتوحة، رغم الألم الذي زُرع فيها. أما الشهداء فأن الموت لم يجرؤ على إزاحة ما في أعينهم من غضب. ألم يتبعه ألم، ومعاناة تتواصل، أما الحياة فأن وجدت فأنها حتما ستكون بين أنقاض الموت. السماء تمطر موتا وفي الأرض يموتون جوعا. مشهد يتجلى في قطاع غزة حيث الموت طريق للفلسطينيين هناك. والنجاة أمنية بات من الصعب تحقيقها في ظل تكالب الظروف وصمت عالمي لم يحرك ساكنا اتجاه ما يحدث. بينما يواصل فلسطينيون لعبتهم الخطرة بحثا عن الحياة من بين أنقاض الموت. في غزة حيث الحتف موت. وحيث الحياة فرصة ضائعة، تواصل الآلية العسكرية الإسرائيلية المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين هناك. طائرات تقصف من السماء بينما صواريخها تدك منازلا آيلة للسقوط. أما الدبابات التي تحاصر القطاع فأنها تنشر الموت فرحا. بينما يسقط الفلسطينيون ويرقصون رقصتهم المميتة لتعلن مكبرات الصوت من جديد سقوط المزيد من الشهداء. وزوارق الحربية تمارس لعبة الموت أمام صمت عربي ودولي لم يعد للفلسطينيين قدرة عليه في زمن بات فيه الجلاد منتصرا بمن حوله. ومع لعبة الموت الإسرائيلية تدخل الولاياتالمتحدةالأمريكية كلاعب بديل لتعلن بكل صوت لا صمت "من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها". المشهد في قطاع غزة يؤكد أن إسرائيل لا تدافع عن نفسها. " دبابات تدمر كل ما في طريقها من منازل وممتلكات المواطنين" مقولة كررها شهود عيان في القطاع المحتل. يضيفون:" الصواريخ تسقط من السماء، تدمر كل شيء، يسقط المدنيون شهداء وترتفع أصوات التكبيرات في أرجاء غزة بينما يرتفع صوت آخر في إسرائيل ليعلن رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي متفاخرا أنه قتل 40 إرهابيا". يضيف المواطنون البسطاء:" منذ متى المدني الآمن في بيته إرهابي، يبدو أن كل الشعب الفلسطيني بات إرهابي في نظر إسرائيل". في مستشفيات قطاع غزة التي تستقبل دفعات أخرى من الشهداء، حالة من الاستنفار هناك، أطباء على أهبة الاستعداد لاستقبال ما لا يتمنونه إلا أنهم واثقون من حدوثه ، المزيد من دفعات الشهداء تصل إلى هناك. أرضية المستشفيات تغير لونها إلى الأحمر مع المزيد من الدماء التي تسيل على أرضها. "أيقنا أن الشهداء سيصلون إلى المستشفى في أي لحظة وكذلك الحال بالنسبة للجرحى، لكن ما بتنى نتمناه هو أن نرى جثة سليمة غير مشوهة" هذا ما يقوله احد الأطباء في قسم الاستقبال بمستشفى الشفاء. يضيف:" الجثث كلها تصل أشلاء ممزقة، وكأنه قدر هؤلاء أن يدفنوا أشلاء متقطعة". فلاحون بسطاء جعلوا من الأرض مصدر رزق لهم، إلا أن إسرائيل دمرت الأرض كما دمرت الإنسان، فالجرافات الإسرائيلية قامت بدورها الذي وصلت غزة من اجله. اقتلعت الأشجار والمزروعات بينما المواطنون ينظرون إلى أرضهم بصوت الصمت. الحرب مستمرة، حقيقة تؤكدها الوقائع على الأرض، طائرات ودبابات وزوارق حربية جزء من أدوات إسرائيل في معركة ضد شعب أعزل، أما الأداة الأخرى فهي أقفال استعملتها لإغلاق قطاع غزة ليصبح سجنا كبيرا وتترك الفلسطينيون يموتون جوعا. معابر مغلقة بالكامل، وغزة تأن تحت ألمي القصف والجوع. بينما ينتظر الفلسطينيون من أشقاء عرب مجرد كلمة "إدانة" ويتساؤلون " هل سنسمعها قبل موتنا".