أوامر بالقبض القهري وتجارة خمور وكمين أمني!.. بيان فاضح لمليشيات الحوثي بشأن محاولة اغتيال نقيب الصحفيين بصنعاء    إنطلاق بطولة مأرب لكرة القدم بمشاركة 14 ناديا    اختيار المحامية اليمنية معين العبيدي ضمن موسوعة الشخصيات النسائية العربية الرائدة مميز    لحظة اغتيال رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. جماعة تسمى"مجموعة محمد صلاح" تنشر الفيديو    مطالبات بمحاكمة قتلة مواطن في نقطة أمنية شمالي لحج    كاتب صحفي: هذه الدولة الخليجية هي الراعي والداعم العسكري لمليشيات الحوثي في اليمن!    انفجار مخزن أسلحة في #مأرب يودي بحياة رجل وفتاة..    حقيقة ما يجري في المنطقة الحرة عدن اليوم    دورتموند الألماني يتأهل لنهائي أبطال أوروبا على حساب باريس سان جرمان الفرنسي    تراجع احتياطيات النقد الأجنبي بالصين في أبريل الماضي    اكتشاف مقبرة جماعية ثالثة في مستشفى الشفاء بغزة وانتشال جثامين 49 شهيدا    "هدية أمريكية" تُسعف اليمنيين في ظل فشل اجتماع المانحين    فريق شبام (أ) يتوج ببطولة الفقيد أحمد السقاف 3×3 لكرة السلة لأندية وادي حضرموت    جماهير البايرن تحمل راية الدعم في شوارع مدريد    هجوم حوثي جديد في خليج عدن بعد إطلاق "الجولة الرابعة" وإعلان أمريكي بشأنه    الولايات المتحدة تخصص 220 مليون دولار للتمويل الإنساني في اليمن مميز    الوزير البكري: قرار مجلس الوزراء بشأن المدينة الرياضية تأكيد على الاهتمام الحكومي بالرياضة    مدير عام تنمية الشباب يلتقي مؤسسة مظلة    تستوردها المليشيات.. مبيدات إسرائيلية تفتك بأرواح اليمنيين    الاشتراكي اليمني يدين محاولة اغتيال أمين عام نقابة الصحفيين اليمنيين ويدعو لإجراء تحقيق شفاف مميز    قمة حاسمة بين ريال مدريد وبايرن ميونخ فى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    مورينيو: لقد أخطات برفض البرتغال مقابل البقاء في روما    لماذا تقمع الحكومة الأمريكية مظاهرات الطلبة ضد إسرائيل؟    أسياد الشتايم.. المؤدلجون من صغار (صغار) الإصلاحيين والسروريين    عصابة معين لجان قهر الموظفين    مقتل مواطن برصاص عصابة حوثية في إب    الحكومة الشرعية توجه ضربة موجعة لقطاع الاتصالات الخاضع للحوثيين.. وأنباء عن انقطاع كابل الإنترنت في البحر الأحمر    استشهاد وإصابة 160 فلسطينيا جراء قصف مكثف على رفح خلال 24 ساعة    تحديث جديد لأسعار صرف العملات الأجنبية في اليمن    سيتم اقتلاعكم عما قريب.. مسؤول محلي يكشف عن الرد القادم على انتهاكات الحوثيين في تهامة    رغم إصابته بالزهايمر.. الزعيم ''عادل إمام'' يعود إلى الواجهة بقوة ويظهر في السعودية    إغلاق مركز تجاري بالعاصمة صنعاء بعد انتحار أحد موظفيه بظروف غامضة    محاولة اغتيال لشيخ حضرمي داعم للقضية الجنوبية والمجلس الانتقالي    الحزب الاشتراكي اليمني سيجر الجنوبيين للعداء مرة أخرى مع المحور العربي    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    ذمار: أهالي المدينة يعانون من طفح المجاري وتكدس القمامة وانتشار الأوبئة    نيمار يساهم في اغاثة المتضررين من الفيضانات في البرازيل    قصة غريبة وعجيبة...باع محله الذي يساوي الملايين ب15 الف ريال لشراء سيارة للقيام بهذا الامر بقلب صنعاء    زنجبار أبين تُودّع أربعة مجرمين... درس قاسٍ لمن تسول له نفسه المساس بأمن المجتمع    وداعاً صديقي المناضل محسن بن فريد    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    فرقاطة إيطالية تصد هجوماً للحوثيين وتسقط طائرة مسيرة في خليج عدن مميز    هل السلام ضرورة سعودية أم إسرائيلية؟    دار الأوبرا القطرية تستضيف حفلة ''نغم يمني في الدوحة'' (فيديو)    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    البدعة و الترفيه    حقيقة وفاة محافظ لحج التركي    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ اليمن.. مقبرة الغزاة.. للباحث / عبدالله بن عامر الحلقة (47)
نشر في 26 سبتمبر يوم 28 - 01 - 2020

بحث مقارن لحملات الغزاة المتعاقبة على اليمن عبر التاريخ خلص إلى أن الغزاة لايستفيدون من التجارب
الغزو البرتغالي لليمن هو الفصل الثامن من هذه الدراسة نستعرضه في حلقات بهدف تسليط الضوء على اهمية اليمن عبر التاريخ واطماع المستعمر فيها ومواجهته من تصدٍ وردع من خلال ملاحم الصمود اليماني الذي ظل متوهجاً عبر العصور فإلى التفاصيل:
عرض/ امين ابو حيدر
وصول الحملة والاعتداء على الحديدة:
بقيادة حسين الكردي وصلت طلائع الحملة العسكرية المملوكية إلى جيزان عام 1515م وقد حظيت الحملة بدعم أشراف جيزان الذين طلبوا من قائدها القضاء على حكم بني طاهر ، واتجهت للسيطرة على جزيرة كمران فاتخذت من الجزيرة مقراً لها وعسكرت فيها نظراً لأهمية موقعها وقربها من الساحل اليمني ، وبذريعة عدم تعاون اليمنيين مع الحملة وتقاعس الملك عامر بن عبد الوهاب عن تقديم المساعدة ، اتجهت سفن تابعة للحملة من كمران إلى الحديدة وشنت الهجوم عليها بالمدافع بعد أن كانت الحامية العسكرية اليمنية في الحديدة قد فرت وكذلك الأهالي ، وعلى ما يبدو أن عدم صمود الحامية في الحديدة هو استخدام المماليك الأسلحة النارية ، وبالرغم من ذلك عادت الحامية اليمنية إلى الحديدة بعد أن غادرتها قوات المماليك وكذلك الأهالي وقاموا ببناء تحصينات دفاعية صمدت أمام الغزاة في هجومهم الثاني على المدينة.
وعن أسباب العدوان على الحديدة : أن ثلاثاً من السفن المشحونة بالطعام كانت قد وصلت مرسى الحديدة في طريقها إلى كمران فأمر محمد بن نوح نائب عامر عبد الوهاب على الحديدة بحجزها عملاً بما أمره به عامر ،فكتب إليه الأمير حسين مبدياً حاجته مع جنده للطعام وانقطاعهم في الجزيرة عن الأقوات ، وطلب منه إطلاق السفن فكان جواب محمد بن نوح بالرفض وعند ذلك توجه الأمير حسين بجنده إلى مرسى الحديدة ورماها بالمدافع حتى أخربها وأمر بنقل أحجار البندر وأخشابه إلى كمران حيث بنى بها حصناً عظيماً وجبانة صلى فيها مع أصحابه عيد الأضحى وبعد تعذر دخول الغزاة من الحديدة قدم شيخ اللحية أبي بكر الزيلعي وكان أحد المتآمرين على الدولة الطاهرية المساعدة لهم وعرض عليهم الدخول من اللحية وأرسل معه المماليك مائة جندي وتعود العلاقة بين الزيلعي والمماليك إلى فترة بقائهم في كمران ويتضح من ذلك أن الغزاة استغلوا خلافات اليمنيين وبدؤوا في نسج علاقات مع وجهاء تهامة لضمان دعمهم وتأييدهم.
معارك مور والضحي :
بموجب مساعدة شيخ اللحية تمكن الغزاة من الدخول بعدد 100جندي كدفعة أولى ببنادقهم النارية وقد توجهوا مع أتباعهم من اليمنيين إلى منطقة وادي مور وفيها محمد بن سليمان الذي جمع ما عنده من جنود وتقدم للتصدي لهم وجرت المعركة بين الطرفين وكانت الغلبة للغزاة الذين استخدموا البنادق النارية التي لم تكن معهودة باليمن وقتل في تلك المعركة محمد بن سليمان وعدد من أتباعه وتمكن المماليك من السيطرة على مور وكان عدد من أبناء منطقة الزيدية في تهامة قد تواصلوا بقائد الغزاة في كمران وطلبوا منه المعونة العسكرية ضد الطاهريين وأرسل معهم 200 جندي وتوجهوا ببنادقهم النارية إلى منطقة الضحي وفيها عيسى بن علي الحجري وجرت معركة أخرى مع القوات الطاهرية التي تراجعت وانكسرت وقام الغزاة بإحراق البيوت بعد نهب ما فيها من أموال .
معركة المزحف :
من مقر حكمه في المقرانة جهز ملك الدولة الطاهرية عامر بن عبد الوهاب جيشاً للتصدي للمماليك بقيادة أخيه عبد الملك ووصل الجيش إلى منطقة المرجف ولما علم حسين الكردي بوصوله تحرك من جزيرة كمران على رأس ألف مقاتل وكان قد انضم إليه ألف جندي تركي تابعين للدول العثمانية فسار بهم إلى المزحف لملاقاة اليمنيين بقيادة عبد الملك الطاهري « فلما التقى الجمعان كانت بينهما وقعة عظيمة قاتل فيها الشيخ عبد الملك فارساً وراجلاً وأبان عن شجاعة عظيمة ونفس كريمة وقتل جماعة من الترك ومات تحت الشيخ يومئذ ثلاثة أفراس وقتل من جند السلطان جماعة من الشجعان وكان يوماً عظيماً وسمعت الشريف أحمد بن الصديق الأهدل يقول: سمعت الشيخ عبد الملك بن عبد الوهاب يقول : قاتلت يوم المرجف وعليَّ درع ومن تحته مشمع فكانت البنادق والجليلات تصيبني فتخرق الدرع وبلغت إلى المشمع وطفيت من الشمع فلما انقضى القتال ونزعت الدرع أخرجت المشمع ونفضته فتناثر منه ثمانية عشر ما بين بندقية وجليلة انتهى» وقد قتل في تلك المعركة 14 جندياً من الغزاة فيما كان معظم القتلى من اليمنيين وعلى رأسهم قادة في جيش الدولة الطاهرية كعوضة بن حسان وابن البابلي وعلى ما يبدو أن البنادق النارية قد حسمت تلك المعركة بل ودفعت قبائل يمنية أخرى في تهامة إلى إعلان ولائها للغزاة اتقاء شرهم.
معركة زبيد :
في 1516م تقدم جيش الغزاة المماليك إلى زبيد مستفيداً من دعم بعض قبائل تهامة المناهضة للدولة الطاهرية وكذلك مشاركة ابن أمير جيزان عز الدين أحمد بن دريب ،والمعارك بين الجراكسة والسلطان عامر معركة الرحب في ضواحي زبيد ومعركة باب النخل خارج زبيد وكان حسين الكردي قد وصل إلى بيت الفقيه ابن عجيل ثم اتجه إلى التحيتا ثم القرشية ثم إلى نخل وادي زبيد وهناك أقام معسكرة وتوقف ثلاثة أيام بانتظار مدد يصل إليهم من السلطان العثماني «وبعد وصول المدد تقدم المماليك فنزلوا خارج باب النخل من الترك والتركمان والمغاربة والشاميين ومن أضيف إليهم من العرب ، فخرج الشيخ عبد الملك وابن أخيه في عسكرهما إلى خارج باب النخل فلما التقى الجمعان قاتل الشيخ عبد الملك وابن أخيه عبد الوهاب قتالاً عظيماً لم يسبقا إلى مثله أبانا فيه عن شجاعة زائدة فتكاثرت عليهم جنود الجراكسة وتخاذل بهم عسكرهم فانكسروا ودخلوا المدينة بعد أن أصيب الشيخ عبد الوهاب ببندقية أثرت فيه تأثيراً عظيماً فدخل المدينة قبل عمه إلى الدار الكبيرة فلما استقر فيه لحقه عمه فجعله عمه بين يديه وسار به إلى باب الشبارق وقد اصطف له جموع المصريين وفرسان العرب ليمسكوه فشق الجموع بابن أخيه وخلص به منهم بعد أن قتل منهم جموعاً لا تحصى وأبان عن شجاعة عظيمة وقلب حاضر ثم توجه بمن بقى معه من عسكره إلى تعز-
جرائم الغزاة في زبيد:
بعد دخولهم زبيد وسيطرتهم عليها قام المماليك بمصادرة أموال الدولة الطاهرية وكذلك قاموا بنهب أموال التجار ونهب المواطنين وانتهاك الحرمات واستمر النهب ثلاثة أيام وقد سارع الغزاة إلى نقل ما نهبوه من زبيد إلى جزيرة بالقرب من مصوع فقد اتجه حسين الكردي إلى ميناء البقعة في ساحل زبيد بمعية قائد قواته البحرية سلمان الرومي وقاموا بشحن السفن بالأموال والنفائس المنهوبة من زبيد ونقلوها إلى الجزيرة المذكورة ، وقد ذكر عدد من المؤرخين المعاصرين تفاصيل ما حدث في زبيد: وبعد خروج الشيخ عبد الملك وابن أخيه من زبيد دخلها عسكر حسين الكردي قهراً فنهبوها نهباً عظيماً وسفكوا الدم وانتهكوا المحارم وارتكبوا العظائم وأحرقت المدينة وحصل على أهلها من الفضيحة وهتك الحجاب ما لم يكن لأحد في حساب ولم تصل الجمعة ذلك اليوم بزبيد ودخلها حسين بعد العصر فلما استقر بالدار الكبيرة صاح للناس بالأمان وأمر العسكر بالكف عن النهب فلم يمتثلوا لأمره ولا أصغوا لكلامه فأقاموا ينهبون المدينة ثلاثة أيام وسكنوا البيوت وأخرجوا أهلها منها واستولى على ما فيها من الخبايا والدفائن وقتلوا جمعاً من أهلها منهم الشريف أحمد بن عبد القادر البزار وعمر بن عبد اللطيف شماع والفقيه عبد الرحمن بن محمد مفضل الواسطي وغيرهم وسبوا النساء والصبيان ثم صادر الأمير حسين تجار زبيد وضربهم وجعل في أعناقهم الزناجير وأمسك قاضي الشريعة شيخنا القاضي شهاب الدين أحمد بن عمر المزجد وأمر بطرح الزنجير في عنقه ظناً منه أن عنده مالاً كقضاة مصر فلما تحقق فقره وحاله عذره وخلع عليه وانتدب رجلان من أهل مصر كانا قد تديرا زبيد في أيام بني طاهر يعرف أحدهما بالجميل والثاني دوفان فتقربا إلى حسين بالنعيمة على الناس فقربهما وآنسهما وسمع كلامهما.
وأرسل للفقيه الصالح شرف الدين إسماعيل بن إبراهيم جعمان إلى بيت الفقيه ابن عجيل فقدم عليه مترسماً فطالبه بمال قيل كان عنده مودعا للشريف عبد الله بن علي بن سفيان ولا أصل لذلك فأنكر ذلك فأمر بحبسه وضربه حتى مات في الحبس بعد ثلاثة أيام من الضرب وأمر بمصادرة أهل زبيد فكتبوا بأسماء أهل البيوت وصُودروا بأكثر من عشرة آلاف أشرفي كل هذا بعد النهب والحريق ،ثم إن العسكر طالبوا حسيناً بمال وعدهم على أخذ زبيد فلم يعطهم فركبوا عليه مدافعهم وزعموا أن عنده مالاً في البحر يعطيهم إياه فاستتاب بزبيد مملوكاً لسلطان مصر يقال له برسباي وعضده بالشريف عز الدين بن أحمد وخرج حسين من زبيد وركب السفينة من المتينة وصاح برسباي للناس بالأمان وركب في المركب مزفوفاً ومعه عز الدين وطيف بهما في المدينة وتوجه حسين وسلمان بمن بقي معهما من العساكر إلى بندر زيلع فأمدهما بالبر والسمن والكباش والدراهم وغير ذلك وعزما من زيلع إلى بندر عدن.
صمود عدن وشجاعة أهلها :
في أغسطس 1516م اتجهت قوة بحرية تابعة للمماليك مكونة من 21 سفينة إلى عدن ، وقد استطاعت تلك القوات دخول عدن بعد أن قصفت الميناء بالمدافع لمدة يومين متتاليين وتقدمت بقيادة حسين الكردي بالخشب إلى البندر والنزول إلى الممشى المتصل بجبل صيرة وهناك تصدت القوات اليمنية ببسالة لهم حتى تمكنت من هزيمتهم ودحرهم وقتل عدد كبير منهم، وبعد تلك الهزيمة غادرت القوات المملوكية بقيادة حسين الكردي ،إلا أنها عادت من جديد بمعية قوات إضافية بقيادة سليمان الرومي الذي كان قد اتجه لمطاردة سفن غادرت عدن قبل الهجوم بيوم واحد ووقتها كانت القوات اليمنية المتحصنة في قلعة صيرة بقيادة مرجان الظافر قد غادرتها وكان ذلك سبباً في اندفاع قوات المماليك لإحكام السيطرة على القلعة ، وأثناء توجههم للسيطرة على جبل صيرة بهدف تأمين المدخل الوحيد إلى عدن من جهة البحر تعرضوا لهجوم القوات اليمنية من باب خلفي للجبل وكانوا قد أحاطوا بصيرة وهناك تعرض الغزاة لهزيمة منكرة وقتل العديد منهم وكان المقاتلون اليمنيون في الحصن يرمون الجنود المماليك بالحجارة وهو ما تسبب في قتل وإصابة العديد منهم واستخدم أبناء عدن السهام والمدافع حتى تمكنوا من الانتصار ودحر المعتدين وهناك روايات أخرى تتحدث عن تمكن المماليك من السيطرة على صيرة غير أنهم لم يصمدوا فيها ولم تكن مدافعهم تستطيع استهداف اليمنيين الذين استعادوا المبادرة بالهجوم المفاجئ واستمرت المواجهات في الجولة الأخيرة لنصف يوم اضطر فيها الغزاة إلى الرحيل والمغادرة بفعل صمود الحامية العسكرية وكذلك الدور الكبير الذي لعبه أهالي عدن، ورغم فشل الغزاة مرتين في السيطرة على الميناء وعلى قلعة صيرة إلا أن سفنهم الحربية ظلت بالقرب من المدينة حتى وصل المدد بقيادة عبد الملك بن عبد الوهاب والذي خيم بالقرب من عدن وعندما علم الغزاة بوصوله وأدركوا عدد الخيام قرروا المغادرة.
ويقول المؤرخ ابن الديبع إن أهل عدن قاتلوهم (المماليك) قتالاً عظيماً وصابروهم مصابرة عظيمة وأخرجوهم من البندر كرهاً ونصرهم الله تعالى بعد أن كادوا يأخذون مدينة عدن ويستولون عليها.
معركة التربية :
في زبيد كان القائد برسباي قد توجه إلى منطقة حيس ويقال : إنه كان في طريقه إلى عدن لمحاصرتها من جهة البر إلا أن القائد حسين الكردي كان قد وصل المخا بعد هزيمته في عدن والتقى هناك بالقائد برسباي ثم سار إلى موزع فانتهبها وكان جماعة قد أودعوا أموالهم بيت الشيخ عبد الله بن سلامه فنهبها بعد أن كان أمن الشيخ على نفسه وماله، وتتحدث بعض المراجع أن الغزاة وقتها عرضوا الصلح على السلطان الطاهري إلا أنه رفض خشية الخديعة وكان قد تقدم من المقرانة إلى القويرين (موضع جوار زبيد) ومنها تقدم لمنازلة المماليك بعد أن فشلت جهود الصلح وقد عسكر بجنوده في منطقة التربية بالقرب من زبيد ، وتقدم المماليك بقيادة برسباي الغوري وبدأت المعركة التي استمرت ثلاثة أيام توالياً ،وفي اليوم الأول قتل من الفريقين عدد كبير إلا أن المعركة لم تحسم لأي منهما ،وكذلك في اليوم الثاني الذي جرت فيه معركة شديدة وكانت الخسائر أيضا من الطرفين وهذا يؤكد أن اليمنيين بقيادة السلطان عامر وولده أحمد وعدد من قادة جيشه بذلوا ما بوسعهم من الصمود والاستماتة ولم تخيفهم البنادق النارية وفي اليوم الثالث وبعد أن كانت الخسائر كبيرة في صفوف اليمنيين انكسر معظم الجيش إضافة إلى قيام مجموعة من جيش المماليك بنهب المحطة الخاصة بالسلطان عامر بما فيها من الأموال والذخائر السلطانية حتى قرر الانسحاب والتراجع إلى تعز ولم يلحقه أحد من المماليك لانشغالهم بالنهب.
نهب تعز والتوجه إلى المقرانة :
في فبراير 1517م تقدم المماليك إلى تعز ودخلوها دون مقاومة ثم اتجهوا إلى مركز السلطان الطاهري، وارتكب المماليك في تعز جرائم عدة وفعلوا بها وبأهلها أعظم مما فعلوا بزبيد وأهلها ونهبوا دار السلطنة واستباحوا الرعية قتلاً ونهباً وصادروا أموال التجار إلى أن استصفوها وقام المماليك في تعز بإجبار عدد كبير من أبنائها على حمل دنان الخمر ورأى شاهد عيان أكثر من مائة دن خمر يحمل على أعناق الرجال قهراً وكان السلطان عامر قد غادر إلى إب وقبل وصول الغزاة إلى المقرانة سبقهم إليها ونقل منها ما خف حمله إلى بعض الحصون المنيعة في المنطقة وانتقل مع نسائه إلى الخلقة في يافع ،وعندما وصل المماليك إلى المقرانة مارسوا فيها الجرائم من نهب وسلب وهدم وإحراق وظفر برسباي بجماعة كانت عندهم ودائع لعامر بن عبد الوهاب فأخذها منهم وتوجه إلى بلاد عمار ويقول بعض المؤرخين إن المماليك خرَّبوا المقرانة وهي كذلك إلى الآن.
معركة بلاد آل عمار :
فاجأ أهالي بلاد عمار القوات الغازية بالهجوم عليها أثناء سيرها نحو صنعاء ، ورغم الفارق الكبير في نوعية الأسلحة بين اليمنيين والغزاة إلا أن أهالي تلك المنطقة تمكنوا من إلحاق هزيمة ساحقة بالغزاة وأمعنوا فيهم قتلاً ونهباً وكان من بين القتلى قائد الغزاة (برسباي الغوري) وتقول بعض المراجع التاريخية إن أهالي تلك البلاد تمكنوا من قتل ما يقارب 200 من الغزاة ولم ينجو إلا المخبر الذي عاد إلى المقرانة ليبلغ بقية الجيش الغازي بما حدث وبلاد آل عمار مخلاف واسع من ذي رعين في الغرب الشمالي من المقرانة وفيه مضائق وعرة وقبائل ذات بأس وشدة تقع جنوب ذمار ، وعلى ما يبدو أن بعض رجال بلاد عمار كانوا قد استدرجوا القائد برسباي إلى بلادهم وذلك عندما أظهروا له الطاعة في المقرانة ودعوه إلى بلادهم وقال مؤرخون :إن بني عمار طائفة كبيرة شجعان أصحاب خيل ورجل وأنهم قاتلوا برسباي وجنوده قتالاً شديداً وقتل في تلك المعركة جماعة كثيرة من عسكرة وكثير من أشراف جيزان الذين ناصروه.
معركة غفرة :
بعد أن أعادوا تنظيم صفوفهم قرر المماليك الجراكسة التوجه نحو صنعاء من طريق آخر غير تلك الطريق المؤدية إلى بلاد آل عمار إلا أنهم اصطدموا بمقاومة عنيفة من قبل القبائل وكذلك جنود الدولة الطاهرية في منطقة غفرة ، وعلى ما يبدو أن القبائل تمكنت من إيقاع الغزاة في ورطة حقيقية فقد حاصرتهم من الجهات الأربع فلم يستطيعوا التقدم أو حتى التراجع بعد أن نشبت المعركة بين الطرفين وكانت السيوف اليمانية لها الغلبة على البنادق المملوكية وكان اليمنيون على مشارف الانتصار الكبير لولا الخيانة من قبل أحد القادة الذين فتحوا الطريق أمام الغزاة للمضي قدماً نحو صنعاء وبالتالي فك الحصار عليهم وقد لجأ قائد الغزاة الأسكندر إلى المال وذلك لإنقاذ جيشه من تلك الورطة فكان المال من جهة المماليك والخيانة من جهة أحد اليمنيين سبباً في تقدم الغزاة نحو صنعاء.
وما يؤكد أن جيش الغزاة بالفعل كان أمام كارثة حقيقة هو أن الخيانة لم تحدث إلا بعد أن كان اليمنيون قد تمكنوا من إلحاق خسائر كبيرة في صفوف المماليك الجراكسة ،بمعنى أن القبائل وجيش الطاهريين فيما لو استمرا في الحصار لرفع الغزاة الراية البيضاء وقرروا الاستسلام وما وصل إلينا عن تلك المعركة هو العدد الكبير للقتلى من المماليك الجراكسة والأتراك وكذلك من المرتزقة اليمنيين الذين كانوا يقاتلون في صفوفهم سيما أبناء تهامة وأشراف جيزان ويقول بعض المؤرخين في وصف تلك المعركة : حصارهم عسكر السلطان من كل جانب وكاد يحاط بهم فبذلوا مالاً جزيلاً لعبد النبي بن سعيد حتى أرخى له قليلاً من جانبه فنفروا منه إلى جهة رداع واستولوا عليها من غير قتال بمساعدة الأمير بها يومئذ ثم تقدموا إلى صنعاء» ومنطقة غفرة قريبة من المقرانة ولم يقدم لنا المؤرخون أية تفاصيل إضافية عن تلك المعركة وما حدث بعدها سوى أن المماليك وصلوا إلى صنعاء بعد أن استولوا على رداع ولحقهم السلطان الطاهري الذي شعر بالسعادة بعد وصول أخبار انكسار الغزاة في بلاد عمار وغفرة فعاد مسرعاً إلى المقرانة وهناك ولى عليها ولده ثم توجه إلى صنعاء ويدل ذلك على أن جميع الجيش الغازي كان قد توجه إلى صنعاء ولم يعد له أي وجود في المقرانة ، وقبل معركة غفرة كان القائد الجديد للجراكسة الأسكندر قد تمكن من الفقيه عمر الجبرتي وكان أحد أهم المقربين من السلطان عامر فسأله عن الجواهر التي في القصر بالمقرانة فدله عليها وبعد أن تم له ذلك أمر جنوده بخنق الفقيه الجبرتي حتى مات.
معركة صنعاء 1517م :
فرض الجيش الغازي حصاراً خانقاً على صنعاء ولم تستسلم حاميتها العسكرية بقيادة البعداني وعلى إثرهم وصل السلطان عامر بن عبد الوهاب إلى مشارف المدينة وهناك فاجأته المماليك بالحرب فجرت معركة شرسة استشهد فيها شقيق السلطان (الشيخ عبد الوهاب) الذي كان قد قدم من عدن على رأس قوات لتعزيز حامية صنعاء وحال وصوله قاتل المماليك حتى قتل وكان من أهل الثبات وله معارك شهدت له بالفروسية وكان من أهل الشجاعة وقد دارت تلك المعركة في منطقة الصافية جنوب صنعاء ، وأما عن حامية صنعاء فلم تستسلم وواصلت القتال رغم انكسار السلطان عامر فقد وقف أمير المدينة علي البعداني وقاتل بشراسة وقتل من الغزاة عدد كبير أما مصير السلطان عامر فأغلب الروايات التاريخية أنه لاذ بالفرار باتجاه جبل نقم قاصداً حصن ذي مرمر بعد أن رأى أخاه عبد الملك وكبار أنصاره قد فتكت بهم نيران بنادق الغزاة والتي كان لها مفعولها في إنزال الذعر والهلع في نفوس جيشه الذي لا يملك بيده غير السلاح الأبيض.
ووصل السلطان إلى منطقة آكام الزبيب في سعوان (شمال شرق صنعاء) وهناك وقع في قبضة شخص يدعى ابن الزلابيا ورواية أخرى تذكر أن عدداً من جنود الغزاة لحقوا به وتمكنوا من أسره بعد أن عجز عن المسير ،ثم اجتز رأسه وعلق على رأس رمح بجانب رؤوس الأبطال من قومه وعشيرته كما ترك جسده ملقياً على الرغام تطأه الأقدام وتتخطفه الطير وذلك في يوم 23 ربيع أول سنة 923ه وتذكر مراجع تاريخية أخرى أن الغزاة لاحقوا السلطان عامر وحاصروه في جبل نقم وفي اليوم التالي انحدر من الجبل قاصداً حصن ذي مرمر فأدركه جنود الغزاة وقد زحف وعجز عن السير فلم يعرفوه وقتلوه ثم عرفوه وأخذوا برأسه ورأس أخيه فأرسلوا الرأسين إلى والي صنعاء وهو ما يشير إلى أن كافة تلك المعارك جرت في محيط صنعاء أمام مدينة صنعاء فلا تزال في يد حاميتها العسكرية التي صمدت حتى بعد انكسار جيش الدولة الطاهرية واستشهاد قادته ولم تستسلم إلا بعد أن أرسل قائد جيش الغزاة رأسي عامر وأخيه عبد الوهاب إلى البعداني والي صنعاء وعندها طلب الأمان وقد منحه الأسكندر الأمان مقابل تسليم المدينة.
مجزرة صنعاء وجرائم النهب والسلب :
ما إن تمكن الغزاة من دخول صنعاء حتى مالوا على من فيها فقتلوا من حاميتها وجنودها وغيرهم ألفاً وخمسمائة وهرعوا إلى النهب والسلب وسفك الدماء وانتهاك الحرمات ولم يحفظوا العهد الذي منحوه للبعداني ولأهل صنعاء فقد وصل عدد القتلى من أبناء المدينة 500 شهيد أغلبهم من آل عمار الذين قتلوا برسباي وعدداً كبيراً من جنوده واستمر الغزاة في نهب صنعاء وظلم أهلها شهرين متتاليين إلى أن جمعوا ما لا يحصى من الأموال والذخائر وصادروا أموال التجار منها أموال وممتلكات الأمير البعداني التي وصفها المؤرخون بأنها لا تعد ولا تحصى ، وعندما قرروا المغادرة قتلوا البعداني خنقاً وتركوا حامية عسكرية لتأكيد السيطرة على المدينة.
وكانوا قبل قتل البعداني يدورون به عاري الجسد عدا من قطعة قماش تستر عورته وعذبوا عبد الملك بن محمد الطاهري عذابا شديداً وأجبروا أهالي صنعاء على حمل دنان الخمر من السائلة إلى القصر كما كانوا يفعلون ذلك بأهالي تعز كما أشرنا سابقاً ،وهناك من اليمنيين من ماتوا إثر التعذيب بالسياط ، ومما تذكره بعض المراجع التاريخية أنه ولما استقرت الجراكسة بصنعاء عملوا المنكرات وأباحوا المحرمات فتحرك لقتالهم الإمام شرف الدين من بلاد حجة إلى ثلا وقد كان بصنعاء رجل عليهم يقال له الأسكندر ففر ، وعانت المناطق التي وصلها الغزاة من السلب والنهب والاعتداء على المواطنين ومصادرة أموالهم وكان لزبيد وتعز وصنعاء والمقرانة نصيب كبير من هذا الفساد وعن التعذيب يقول أحمد بن شيبان : لم يراعِ المماليك خلال هيمنتهم على بعض المناطق اليمنية أبسط قيم الدين الإسلامي التي يدعون إيمانهم بها وتقديسها فقد ارتكبوا المنكرات في الأنحاء اليمنية التي وصلوا إلهيا فانتهكوا المحارم وأخرجوا الأهالي من بيوتهم وسبوا النساء والأطفال كما كانوا أبعد ما يكونون مراعاة للذمم والعهد وسفكوا دماء الكثيرين من أبناء هذه المناطق ،فقد استحلوا القتل لأتفه الأسباب بل دون سبب فكانوا مجرمين قتلة وكان الغدر أحد وجوه سياستهم وتفننوا في تعذيب أتباع الدولة الطاهرية وكل من يعارضهم أو يقع في أيديهم بما في ذلك الفقهاء ورجال الدين وهكذا أحالوا الأجزاء التي خضعت لهم من بلاد اليمن إلى خراب ومارسوا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.