المتتبع لما دأبت عليه الأممالمتحدة باستمرار عن التفاؤل والنجاح بتنفيذ اتفاق استوكهولم بشأن الحديدة الذي تعتبره إنجازها الأبرز، يرى أنها فشلت فشلاً ذريعاً في توفير ضمانات تنفيذ بنود الاتفاق والزام تطبيقها. فمنذ تم التوقيع على اتفاق السويد فيما يخص الحديدة حرص طرف هادي وحكومته على عدم تنفيذ أياً من بنوده التي تم صياغتها بصورة عامة، تحتمل التأويلات المختلفة في تفسيرها. ورغم أن الاتفاق جاء من منطلق إنساني، كما يحب المسؤولون الأمميون تأكيده، إلا أنه كان واضحاً من سياق سير عملية التنفيذ للاتفاق وما رافقها أن الجانب الإنساني ليس إلا وسيلة ضغط موجهة باتجاه محدد، الغرض منه استمرار حلب البقرة، أو بالتعبير المحلي (مجمجة الضرع المدر). وللتدليل على أن المسألة الإنسانية ليست إلا وسيلة للضغط، علينا الرجوع إلى المواقف الأممية والدولية، عندما يقوم الجيش واللجان الشعبية بشن هجوم صاروخي أو مسير على أهداف (غير مدنية) في العمق السعودي، نراهم يشجبون وينددون ويولولون بكل العبارات التي تحضرهم.. وعندما يستهدف تحالف العدوان المدنيين في تجمعاتهم وأسواقهم ومدارسهم وحافلاتهم ومنازلهم وطرقاتهم ومستشفياتهم لا نجد لهؤلاء ولولة ولا تنديداً ولا شجباً ولا استنكاراً. وبالعودة إلى اتفاق استوكهولم لن يغيب عنا أن الأممالمتحدة ومجلس الأمن قد باركوه، وكذا عملت الدول جميعها، ولم نعلم أن هناك من اعترض أو تحفظ عليه أو أبدى حتى مجرد الملاحظة.. بل أنه من المؤكد أن دول مختلفة - وبريطانيا بالذات - كانت وراء هذا الاتفاق.. بدليل أن مارتن غريفيث المبعوث الأممي – وهو بالمناسبة بريطاني الجنسية -في إحاطته الأولى أشار إلى ذلك من خلال قوله: «... وأود أيضاً أن أشكر وزير خارجية المملكة المتحدة جيريمي هانت الذي قام بزيارة خاطفة للمشاورات أمس في لحظة حاسمة...»!!!. ومن هنا توضح الأحداث والمواقف اللاحقة أن اتفاق استوكهولم جاء لغرض واحد ليس له ثانٍ، ألا وهو كسب بعض من الوقت لانجاز ترتيبات ما، وهذا ما يؤكده تصريح لسفير بريطانيا في اليمن الذي قال: «الوضع تغير الآن، وهناك حاجة إلى اتفاق سياسي شامل ليس محدداً بمنطقة أو محافظة وحدها، وإنما اتفاق لوقف الحرب تماماً في كل الجبهات».. وكان قد سبقه مسؤول بريطاني آخر أشار إلى ما معناه ان اتفاق ستوكهولم لم يعد ملبياً للوضع على الواقع بعد انسحاب الإمارات!! حسب تعبيره. أليست الحاجة إلى إبرام إتفاق يشمل أيقاف الحرب هو مطلب المجلس السياسي الأعلى وحكومة الانقاذ والوفد الوطني برئاسة محمد عبدالسلام الذي طرحه وطالب به؟! إذا كان كذلك، فلماذا أصريتم – وأقصد هنا الأممالمتحدة والراعين للاتفاق – على تجزئته بالحديدة فقط حينها؟! إن المطالبة بوقف الحرب في جميع الجبهات حسب السفير البريطاني تنطوي على ما تتميز به السياسة البريطانية من خبث وعداء لكل ما هو وطني خارج عن سيطرتهم هم والمتحالفين معهم.. بدليل أن هذا المطلب جاء بعد عملية «نصر من الله» في وادي آل أبو جبارة، إضافة إلى ما حققته عملية «البنيان المرصوص» في نهم وما جاورها، وأخيراً ما تم انجازه في عملية «فأمكن منهم» في الجوف. إن التحركات الأممية والدولية الجديدة وخصوصاً من قبل بريطانيا تشير إلى السعي للحيلولة دون أن يتمكن الجيش واللجان الشعبية من استمرار التقدم والسيطرة على المناطق الحيوية التي تختزن في باطنها الثروات المهولة.. ولها حدود مباشرة مع مملكة بني سعود.. إضافة إلى ممارسة الابتزاز على مملكة بني سعود ودويلات الخليج الأخرى، من خلال عقد صفقات الأسلحة معهم، حتى وإن كانوا على يقين تام بعدم إفادة هذه الأسلحة لمن سيتم بيعها لهم.. وبالمناسبة الابتزاز لن يقف عند هذا الحد، أو لهذه الأسباب وحدها، بل سيمتد إلى فتح الملفات الإنسانية وارتكاب جرائم الحرب وغيرها من المبررات التي ستستخدم لتجفيف (الضرع المدر). إن الموقف البريطاني ومطالبته الجديدة بحل شامل تبعتها مهاجمة مسؤولين في حكومة هادي لاتفاق استوكهولم المتعلق بمدينة الحديدة، والذي اعتبروه في «حكم الميت»، حيث لوح وزير خارجية هادي محمد الحضرمي إلى الانسحاب من الاتفاق الذي جرى التوقيع عليه في 13 ديسمبر 2018. قائلاً: «إن اتفاق السويد المتعلق بالوضع في مدينة الحديدة، وفر غطاءً لتصعيد الحوثيين في مديرية نهم، شرقي العاصمة صنعاء».. كما ان المتحدث باسم حكومة هادي قال: « اتفاق استوكهولم أصبح مشكلة وليس حلاً»، متناسيان أن حكومتهما وداعميها هم من جزأ مطلب إيقاف الحرب في جميع الجبهات إلى إيقافها في الحديدة فقط. وعلينا أن نتمعن فيما جاء في احاطة مارتن غريفيث في 12 مارس 2020 إلى مجلس الأمن التي بدأها بالقول: «حذرت في المرة الأخيرة التي قدمت فيها إحاطة إلى هذا المجلس من أن الوضع العسكري في اليمن يزداد تدهورًا (...) وقد تركز التصعيد العسكري الأكثر إثارة للقلق في الجوف، وهي المحافظة الواقعة شرق صنعاء. ينتابني قلق عميق بشأن المنطق والمبررات التي تقود هذا التصعيد، كما يقلقني تأثير العنف على سكان الجوف». ولم يخف غريفيث قلقه «من أن هذا التصعيد يمكن أن يؤدي إلى صراعات في محافظات أخرى (...) ومن الضروري الوفاء بالتزاماتهم بموجب القانون الإنساني الدولي. الهجمات العشوائية التي تمس السكان المدنيين أو الأهداف المدنية هي هجمات غير قانونية ومستهجنة».. مشيراً إلى الحاجة لوقف القتال في محافظة مارب. المبعوث الأممي لا يجد مبرراً للتصعيد العسكري عندما يكون الوضع في غير صالح تحالف العدوان ومرتزقته.. بدليل ادعائه الخشية من الهجمات العشوائية على السكان المدنيين.. وهو الأمر الذي لم يخشاه غريفيث أو يتطرق إليه عندما تهاجم طائرات تحالف العدوان التجمعات السكانية للمدنيين في احزانهم وافراحهم واستهداف الأطفال والنساء عنوة. ليس غريباً ان يبدر ذلك من غريفيث، لأنه – في نظري - من المعيب له أن يكون قريباً من الضرع ولا يأخذ له (مجة) فذلك لا يجوز. ما تحقق في وادي آل ابو جباره، وفي مديرية نهم وما جاورها، وأخيراً ما تحقق في الجوف.. كل ذلك يشير إلى أن السياسة البريطانية، بخبثها وعدائها، لن تظل مكتوفة الأيدي، ولابد أن لها دور قادم – مباشر أو غير مباشر - في ما سيحدث مستقبلاً على مستوى الساحل الغربي وخصوصاً مدينة الحديدة.. لأنها لن تترك حلفاءها وصنائعها دون ان توفر لهم ما يستندون إليه في مباحثات سلام قادمة لا محالة.