بحث مقارن لحملات الغزاة المتعاقبة على اليمن عبر التاريخ خلص إلى أن الغزاة لايستفيدون من التجارب بالحجارة والسيوف والرماح دحرت سقطرى أكبر اسطول برتغالي بشهادة المواطنين البرتغال الغزو البرتغالي هو الفصل العاشر من هذه الدراسة نستعرضه في حلقات لتسليط الضوء على ما كان من تحرك البرتغاليين للحيلولة دون بلوغ الاتراك الذين هدفهم في السيطرة على اليمن، ومن ثم تحول هدف ذلك الصراع الى تحقيق ما تنطوي عليه نفوسهم من مثلهم مثل سابقيهم- من أطماع. عرض/ امين ابو حيدر الفصل الأول: الغزو البرتغالي القرن السادس عشر إطلاق وصف مقبرة الغزاة على اليمن لا يعود إلى صمود اليمنيين واستبسالهم في المناطق البرية الداخلية وتحديداً المناطق الجبلية والجزر اليمنية والسواحل مثلت مقبرة للغزاة البرتغاليين وهذا دليل على ان هذه الارض بجبالهاوسهولها وبحارها مقبرة للغزاة. بل يشمل أيضا ما حققه اليمنيون في السواحل وفي المدن الساحلية والجزر من صمود واستماتة في الدفاع والتصدي ، وما الفشل البرتغالي في السيطرة على عدن ومن ثم الشحر أو أي ميناء يمني أو جزيرة إلا دليل على أن هذه الأرض بجبالها وسهولها وسواحلها وهضابها وصحرائها مقبرة لكل غازٍ، فإعادة قراءة تفاصيل معارك عدن في التصدي للبرتغال وكذلك الاستبسال التاريخي الذي أبداه أبناء الشحر وقبلهم أبناء المهرة وسقطرى يكسر قاعدة ربط مقاومة اليمنيين بوعورة تضاريس بلادهم فاليمنيون يقاتلون الغزاة ويدافعون عن أرضهم وكرامتهم حتى في تلك المناطق التي قد لا تساعدهم ظروفها وطبيعتها على القتال والتصدي ،ولعل الدرس الأهم من الغزوات البرتغالية وكفاح اليمنيين للدفاع عن سواحلهم يكمن في حجم البطولة وعظمة التضحية فالمئات من الشهداء سقطوا وهم يدافعون عن الأرض اليمنية بالأحجار والأيدي والبعض منهم بالسيوف والخناجر والفؤوس. فيما كان الغزاة يمتلكون السلاح الناري، فهل لنا أن نتصور معركة بين أناس عزل يواجهون جنوداً مدججين بالبنادق ؟! فهذا قد لا يحدث إلا في اليمن ومن لم يعرف اليمن فعليه أن يقرأ تفاصيل معارك الأيام الثلاثة وما حققه أبناء الشحر من انتصار بفضل الإيمان والعزيمة وقبل ذلك علينا أن نتتبع تفاصيل استشهاد المئات من المهريين والسقطريين دفاعاً عن جزيرة سقطرى . قوة البرتغال وضعف اليمن برزت البرتغال كقوة دولية تمكنت من تحقيق حضورها في المحيطات والبحار العالمية محاولةً بذلك السيطرة على الطرق التجارية وكذلك المراكز التجارية ، وكانت اليمن إحدى تلك المراكز من خلال موقعها ،فميناء عدن كان يعتبر أحد أهم الموانئ التجارية على مستوى العالم ، ولم تدفع هذه الأهمية الدولة الطاهرية وقتها إلى تعزيز قوتها البحرية للتصدي لأي مخاطر تتهدد السواحل اليمنية الجنوبية ؛بسبب انشغال السلطان عامر بن عبد الوهاب بالتخلص من منافسيه في إطار عائلته الحاكمة وكذلك صراعاته مع بقية القوى، وخلال العقد الأول من القرن السادس عشر شن السلطان الطاهري حملات عسكرية لإخضاع التمردات القبلية ضده سواءً في لحج وتهامة ناهيك عن حروبه المستمرة مع القوى القبلية الموالية للإمام شرف الدين ، وفي ظل بروز الخطر البرتغالي الذي كان يتهدد جميع السواحل العربية وكان يحاول التمدد إلى البحر الأحمر سيما بعد السيطرة على جزيرة سقطرى. كل هذه الأخطار لم تدفع اليمنيين إلى الاستعداد من خلال بناء أسطول حربي قوي مزود بالأسلحة النارية كما كان الأمر بالنسبة للأساطيل البرتغالية وكان البرتغال قد ساهموا أيضا في إضعاف الدولة الطاهرية من خلال الحصار البحري الذي فرضوه على السواحل الجنوبية ما أدى إلى الإضرار بمركز عدن التجاري وبعائدات الميناء وموارده ،وهو ما أثر في النهاية على السلطان عامر الذي كان يعتمد بدرجة أساسية على موارد الميناء في توطيد دعائم حكمه. وأمام هذا الخطر تظهر لنا محاولات متواضعة من قبل الدولة الطاهرية وبإمكانيات بسيطة مقاومة السفن البرتغالية المنتشرة في المحيط الهندي والبحر العربي والتي تمارس القرصنة على السفن العربية وتهاجم السواحل ، ولهذا جهز السلطان عامر بن عبد الوهاب حملة عسكرية بحرية في 1507م وتكونت هذه الحملة من 14 سفينة و400 مقاتل من اليمنيين ، وتتحدث مصادر غربية من أن الملك اليمني تمكن من مهاجمة السفن البرتغالية في خليج عمان ومضيق هرمز لكن تلك الحملة مُنيت بهزيمة كبيرة لأسباب أبرزها تفوق البرتغال في المعارك البحرية واستخدامهم السلاح الناري وكانت السفن اليمنية لا تلبي متطلبات المعارك البحرية وعملياً ظلت الدولة الطاهرية عاجزة عن حماية السواحل اليمنية في ظل تنامي الخطر على عدن تحديداً وعلى الجزر في البحر العربي. ملحمة بطولية في سقطرى : تمكن البرتغال بقيادة الفرنسودا البوكيرك من احتلال سقطرى في شهر يونيو من العام 1507م بعد أن أبدى أبناء الجزيرة والمهرة مقاومة عنيفة واستشهد في تلك المعارك حاكم الجزيرة عامر بن طوعرى بن عفرير ومعه مائتان وسبعة عشر من رجاله، فيما الروايات البرتغالية تشير إلى تفاصيل معركة القلعة ومعركة الخور وكذلك مستوى صمود اليمنيين في الدفاع عن الجزيرة منذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها أقدام الجنود البرتغال أرض الجزيرة حتى طردهم منها ، فعندما وصلت السفن الحربية إلى ميناء الجزيرة لاحظت وجود قلعة محصنة فيها مقاتلون من أبناء الجزيرة . وقد حاول قائد الحملة التواصل مع الحاج إبراهيم قائد المقاتلين بالقلعة ونجل سلطان قشن وكان في القلعة كما تشير الكثير من المصادر البرتغالية 130 مقاتلاً سلاحهم الرماح والأقواس والنشاب والسيوف والحجارة وقد باءت محاولات البرتغاليين في الاستيلاء عليها بشكل سلمي بالفشل فقرر الأميرال تريستانداكونيا مهاجمتها فواجه صعوبات عدة بسبب هيجان البحر فقام الفونسوا دي البوكيرك باستطلاع الساحل حتى وجد خليجاً هادئاً بجوار بستان النخيل وهو المكان الذي أنزل فيه البرتغال جنودهم ،وفي البداية نزل أربعون مقاتلاً مزودين بالبواريد والمدافع والسلالم لاقتحام القلعة وفي الأثناء عاد البحر إلى هدوئه ،فقرر البرتغال إنزال فرقة أخرى بجوار القلعة بالتزامن مع قرار اتخذه الشيخ إبراهيم يقضي بخروج مائة من المقاتلين المدافعين عن الجزيرة إلى حواجز الخوازيق وذلك لمنع العدو من النزول في الخور. يقول المؤرخ البرتغالي جوزيه بيريريداكوشتا إن اقتحام القلعة حصل في ابريل مايو 1507م وإن رجال السلطان ال 130 قاتلوا ك 300 رجل ،وعندما جرت المواجهة نشبت المناوشات فيما بينهم فاستخدمت خطاطيف المصادمة والرماح وأصيب بجراح بعض من الثمانين بحاراً واشتبك الدون الفونسو دي نورونيا مع القائد العربي بالسلاح الأبيض وكادت ضربات الخطاطيف تصرعه إلا أن الفونسو دي البوكيرك وصل في تلك اللحظة مع رجاله وأجهز على الشيخ وعندما رأى المقاتلون العرب قائدهم صريعاً انسحبوا على عجل باتجاه القلعة وأثناء الانسحاب قتل ثمانية فيما استمر المقاتلون في أبراج الحراسة بالمقاومة حتى أنهم استخدموا الأحجار في التصدي ،ما أدى إلى إصابة عدد من البرتغاليين منهم قائدهم الفونسو دي البوكيرك الذي أصيب بحجرة كبيرة على رأسه فسقط مغشياً عليه. وبعد ذلك أمر هذا القائد جنوده بمحاصرة القلعة ثم أمرهم بجلب القنابل الكروية والمرفاع والسلمين والفؤوس والناطحات لكسر بوابة القلعة،وأعقب ذلك محاولة اقتحام القلعة باعتلاء أسوارها إلا أن العملية في بدايتها فشلت بسبب الخسائر الكبيرة في صفوف البرتغاليين؛نتيجة المقاومة الشديدة من قبل اليمنيين المدافعين الذين قدموا تضحيات كبيرة ومع ذلك لم يستسلموا رغم استشهاد قائدهم وعدد كبير من زملائهم فلجؤوا إلى البرج الرئيسي ،ووقتها كان البرتغال قد تمكنوا من اقتحام القلعة وقاموا بمحاصرة المدخل المؤدي إلى البرج وفي الأثناء كانت تدور معركة أخرى في منطقة الخور التي ارتكب فيها البرتغال مجزرة أدت إلى مقتل العشرات ومن نجا فر إلى الجبال. وفي القلعة لم يتبق من إجمالي عدد المدافعين سوى 25 أما البقية فقد قتلوا وقد استبسل من تبقى على قيد الحياة في البرج الحديدي الذي لم يتمكن البرتغال من اقتحامه ،و كانت السهام تنال منهم وتلحق بهم خسائر كبيرة ،وقد فشلت كل محاولات الاقتحام حتى أن كبار القادة نجوا بأعجوبة من السهام اليمنية الأمر الذي دفع البرتغال إلى التفاوض مع من تبقى داخل البرج إلا أنهم رفضوا الاستسلام وقرروا الصمود حتى آخر لحظة. وبحسب المصادر البرتغالية فإن الخسائر في صفوفهم لم تتجاوز السبعة قتلى فيما الجرحى تجاوزوا الخمسين ،أما الخسائر في صفوف اليمنيين بمعركة القلعة فقد بلغ الثمانين ولم يقع في الأسر سوى مقاتل واحد فقط أما البقية فقد اختاروا القتال حتى الموت ، وتشير لنا هذه المعركة مدى بسالة اليمنيين في الدفاع عن أرضهم في الوقت الذي كان فيه الغزاة يمتلكون السلاح الناري الذي حسم الكثير من المعارك في تلك الفترة ، وقد مارس البرتغال القرصنة البحرية والاعتداءات المتكررة على السفن العربية والنهب والسلب ناهيك عن مهاجمة الموانئ والمدن الساحلية على طول الساحل الجنوبي للجزيرة العربية وكذلك الخليج والبحر الأحمر . وخلال العقود الأولى من القرن السادس عشر شن البرتغال هجمات كثيرة على عدة مدن وقاموا بإغراق العشرات من السفن سيما في السواحل العمانية ،وخلال سيطرتهم على سقطرى كانوا يمنعون السفن العربية من ممارسة التجارة وكانوا قد هاجموا مسقط وضربوها بالمدفعية وأحرقوا مسجدها وقبضوا على الكثير من الأسرى قبل أن يستخدموا جزءاً منهم في خدمة السفن البرتغالية وقاموا بقطع آذان وأنوف الأسرى من النساء والغير قادرين على العمل في خدمتهم فوق السفن وهاجموا سواحل الخليج وسيطروا على جزيرة هرمز والتي كانت قد استسلمت لهم بعد معركة قصيرة وفرضوا الجزية على حاكم مسقط وعلى الجزيرة في هرمز ولا يدفعون أية ضرائب عن البضائع التي يجلبونها من البرتغال ، وكانت سقطرى منطلقاً لهجماتهم ضد السفن وضد السواحل والمدن الساحلية بعد أن تمكنوا من بناء حصن لهم فيها كما شيدوا حصناً آخر في هرمز.