ولأن الرئيس إبراهيم الحمدي الذي جاء إلى السلطة في شمال اليمن من خلفية دينية وعلمية وثقافية واسعة ينتمي إليها نسباً قد تجاوز الخطوط الحمراء وأغضب بخطواته الإصلاحية وسياسته الوطنية التي أنتهجها خلال فترة حكمه القصيرة القوى المناهضة والمعادية له في الداخل والخارج التي تضررت مصالحها وأعتبرته خطرا كبيرا على وجودها ومصالحها فقد كان من البديهي والطبيعي أن تتكالب عليه تلك القوى الشريرة وعلى مشروعه الوطني الذي شرع في بنائه وتتفق وتنسق فيما بينها للتخلص منه والقضاء على مشروعه الذي مثل وجسد حلم اليمنيين. وقد رأت تلك القوى مجتمعة ضرورة التعجيل بتنفيذ خطتها الجهنمية التي أعدتها لإغتيال الحمدي وتصفيته ووأد مشروعه الوطني والحضاري لبناء وتأسيس دولة.يمنية مؤسساتية حديثة مستقلة غير منتهكة ومنتقصة السيادة يسودها النظام والقانون وقد نجحت فعلاً في ذلك وتم لها ماأرادت وسعت إليه وخططت له بإحكام وتمت تصفية الحمدي واغتياله في ظروف أكتنفها الكثير من الغموض وخلفه في الحكم أدوات الخارج وعملائه الذين أوكلت إليهم مهمة تنفيذ جريمة إغتيال وقتل الرئيس إبراهيم الحمدي وشقيقه عبدالله الحمدي ظهر يوم الثلاثاء 11 أكتوبر 1977م في مأدبة غداء دامية دعي إليها بمنزل المقدم أحمد حسين الغشمي بصنعاء بحضور الملحق العسكري السعودي لدى اليمن آنذاك صالح الهديان وعدد من معاوني الغشمي وشركائه في تلك الجريمة النكراء التي طالت حياة رئيس وزعيم وطني يعد من أفضل وأهم رجالات اليمن في القرن العشرين . وقد أحدثت جريمة اغتيال الحمدي بتلك الطريقة والإسلوب الجبان والغادر من قبل قاتليه صدمة كبيرة لدى الأوساط الشعبية والجماهيرية في اليمن التي عرفت بحبها الشديد وارتباطها الوثيق بزعيم وطني كان أكثر قربا من عامة الشعب وأعظم احساسا بآلامهم وتلمس همومهم الحياتية اليومية البسيطة. ولاقت جريمة اغتيال الزعيم الحمدي هذه ادانة واسعة واستنكار شديدين بل إن جريمة اغتيال الحمدي يعتبرها الكثير من المحللين بمثابة اغتيال وطن فضلا أن هذه الجريمة بنظر هؤلاء أسست لما بعدها من ارتهان وعمالة وتبعية للخارج ممثلا بالسعودية وشركائها الإقليميين والدوليين الآخرين في الإعداد والتخطيط وتمويل تلك الجريمة السياسية المنظمة مكتملة الأركان. وبحسب ماذكرته بعض الحقائق وتقارير رسمية كشف النقاب عنها مؤخرا ومنها تقرير دائرة التوجيه المعنوي الذي صدر قبل أشهر عن جريمة إغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي ويعتبر أول تقرير رسمي يتم الكشف عنه في اليمن فإن جريمة اغتيال الحمدي قبل أكثر من اربعة عقود تعتبر جريمة سعودية بإمتياز حيث تولت الرياض بالتنسيق مع دول أجنبية وأجهزة استخبارات غربية الإعداد والتخطيط وتمويل الجريمة منذ وقت مبكر وتنفيذها في الوقت المحدد لها وذلك بعد أدركت السعودية وحلفائها أنه لامهادنة مع حاكم يمني قوي وخالص الوطنية كالحمدي ولا يمكن السكوت عليه بعد أن خطى خطوات متقدمة غير مسبوقة في بناء دولة حقيقية قوية مستقلة في اليمن وقطع شوطا كبيرا ومتقدما في التقارب مع شطر الوطن الجنوبي وصولا إلى اتفاق الحمدي مع قيادة الجنوب آنذاك على الإجراءات والخطوات التنفيذية العملية لتحقيق الوحدة اليمنية وهو ماأزعج أعداء هذا التوجه والمشروع الوطني في الداخل والخارج وجعلهم يسارعون في التخلص من الحمدي والقضاء على مشروعه الوطني بإغتياله وقتله غدرا وتولية قاتليه منفذي الجريمة المحليين مقاليد السلطة في صنعاء خلفا له والإغداق عليهم بالملايين من الريال السعودي كمكافأة لهم . ووفقا لنفس المصدر فقد تمكنت السعودية وأغرت بأموالها المدنسة مجموعة من القادة العسكريين والمسؤولين الحكوميين ومشائخ قبليين ورجال أعمال يمنيين وجندتهم وأقنعتهم بضرورة تنفيذ خطة اغتيال الحمدي على النحو الذي تم .وكان من بين قتلة الحمدي المقدم أحمد الغشمي أبرز معاونيه وأحد أصدقائه المقربين والذي نفذت الجريمة والحمدي بضيافته في مأدبة الغداء التي دعي إليها . ولم يكتف قتلة الحمدي بجريمة اغتياله وتصفيته جسديا بل عمدوا إلى تشويه سمعته وتاريخه وحاولوا عبثا طمس كل ذلك ومحوه من الذاكرة الشعبية والجمعية والإساءة إليه وإلى مايمثله من رمزية وطنية حيث استجلبوا اثنتين من المومسات الفرنسيات وتم قتلهما وإلقاء جثتيهما بالقرب من جثتي الرئيس الحمدي وشقيقه عبدالله للإيحاء بأنهما اقتتلا من أجل المومستين وهي كذبة تؤكد دناءة وانحطاط فريق اغتيال الحمدي بيد أن تلك الكذبة لم تجد من يصدقها حتى من خصوم الحمدي السياسيين ومنهم العميد محمد الأكوع الذي كان سفيرا لليمن في احدى الدول الأوروبية آنذاك وكتب منددا وفاضحا ومفندا ذلك الزعم الرخيص الذي حاول قتلة الحمدي اقناع الشعب به. ....... يتبع .......