وقد أستقاد الرئيس السابق علي عبدالله صالح من كل الأضداد , والمتناقضات والمتغيرات الداخلية والخارجية لتعزيز سلطته وضمان استمراره وبقائه في الحكم أطول فترة. وكان صالح بارعا في استخدام الكروت واللعب بالأوراق وشراء الذمم والولاءات واستنساخ كل مايمكن استنساخه في هذا البلد - أحزاب , وجاهات , شخصيات اجتماعية , مشائخ , كيانلت وجمعيات ومنظمات مجتمعية وغيرها وتسخيرها لصالحه , وكان يدير البلاد كما سبق وذكرنا بالأزمات . واستطاع صالح أيضا أن يقنع الخارج ويستميله إلى جانبه ويتماهى في الظاهر مع مصالحه وسياساته وتوجهاته وأجندته ويحصل منه على الدعم المادي والمعنوي لفترة طويلة , تارة بإسم خدمة المصالح المشتركة , وتارة بحجة مكافحة الأرهاب , وحصل خلال سنوات على دعم لنظامه بملايين الدولارات استفلها وأنفقها صالح لصالحه وتكريس وتعزيز سلطته .وبالنسبة لمعارضيه وخصومه ومنافسيه السياسيين الذين كان يشعر منهم بخطر فقد تعامل معهم.الرجل بإسلوب تفرد به راعى فيه متعمدا الإقصاء والتهميش لهم والتضييق عليهم في الوظائف والرزق . وحتى نكون منصفين ولا نصنق هنا كمتحاملين على عفاش ولا يقال عنا أننا نهتم بسلبياته ونتتبع فقط مواضع علله ومساوئه لابد من أن نشير ضمن السياق إلى أن صالح كأي انسان مثلما له سلبيات فله أيضا ايجابيات لايمكن نكرانها ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر أن صالح كان متسامحا ولم يكن مفرطا كثيرا في سفك دماء خصومه ومعارضيه , إذ كان يكتفي غالبا بتهميشهم واقصائهم وحرمانهم من الجاه والمال . وعلى المستوى العام فقد تحقق في عهد صالح منجزات ومشاريع وطنية وتنموية لايمكن الإستهانة بها والتقليل من شأنها مهما اختلفنا مع الرجل , منها البدء في استخراج الثروة النفطية واستغلالها في العام 1986 م , وإعادة تحقيق الوحدة اليمنية التي ضمت شطري اليمن بعد سنوات وعهود طويلة من الفرقة والتشطير وذلك في مايو 1990 م وما أعقب ذلك من اطلاق الحريات العامة والتعدد السياسي والحزبي برغم مارافق كل هذه التجربة من أخطاء وتجاوزات كثيرة لاتخفى على أحد. ويؤخذ على صالح مثلا ماتعرض له الحزب الإشتراكي اليمني الشريك الرئيس في الوحدة اليمنية ومشروعها الوطني الرائد عقب قيام الجمهورية اليمنية مباشرة مطلع تسعينيات القرن الماضي, حيث تعرض عدد كبير من قيادات الحزب الإشتراكي اليمني وكوادره البارزة بصنعاء لحملة منظمة وممنهجة رعاها صالح وأشرف عليها شخصيا استهدفتهم بالملاحقات والمضايقات والإغتيالات بطريقة فجة ومدانة أقرب ماتكون إلى عمل ونهج رجال العصابات وقطاع الطرق كما عمد صالح حينها إلى الإنفراد والإستبداد بالأمر واتخاذ القرار وتهميش شريكه في الوحدة وكان يسخر ويستغل المال العام لذلك حتى في الإنتخابات كان يفرض مرشحي المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه ويدفعهم لدخول البرلمان بطرق ملتوية وغالبيتهم من المقاولين والتجار الجهلة وأبناء المشائخ الموالين له . وقد قابل الحزب الإشتراكي وقياداته آنذاك أساليب صالح وضغوطاته ونكثه للعهود بالمقاومة والرفض حتى طفح الكيل وانفجر الوضع عسكريا في مناطق التماس بدأت بتفجر الأوضاع في محافظاتعمران وذمار وأبين عام 1994 م حيث تم استفزاز واستهداف معسكرات جنوبية , وصولا إلى الإنفجار الشامل للوضع في البلاد متمثلا بإندلاع حرب صيف 94 م التي رفع صالح خلالها " شعار الوحدة أو الموت " وجيش خلالها وحشد الحشود العسكرية وأردفها وعززها بالمقاتلين من رجال القبائل من ذوي التوجهات والخلفية العقائدية الدينية التابعين لحلفائه آنذاك من حزب التجمع اليمني للإصلاح الإخواني وغزا الجتوب واجتاح محافظاته واحدة تلو الأخرى بحجة حماية الوحدة ومحاربة الإنفصال وأباح لهؤلاء الغزاة نهب الجنوب واذلال أبنائه وتفيدهم ونهبهم والبسط على أراضيهم , ولم يكتف بذلك فقط بل عمد بعد تحقيق النصر والغلبة وازاحة الحزب الإشتراكي اليمني عن المشهد واجبار قياداته على الفرار والهروب إلى الخارج واحتلال كل المحافظات الجنوبية إلى الإمعان في اذلال الخصم الشقيق وشريكه في منجز الوحدة من خلال طرد وتطهير كل الموظفين وعناصر الجيش والأمن والجهاز الإداري للدولة في كل المؤسسات والمرافق الحكومية ممن ينتمون للحزب الإشتراكي إلى الشارع وحرمانهم من وظائفهم ومرتباتهم في خطوة تشبه خطوة الحاكم الأمريكي بريمر واسلوبه الهمجي بعد غزو العراق واحتلاله عام 2003م. وقد تركت حرب صيف 94 م آثار وتداعيات ونتائج كارثية شجعت على تمزق نسيج الشعب اليمني الإجتماعي وانفراط العقد وسيادة ثقافة البغضاء والحقد والكراهية بين أبناء الشعب الواحد وعلى انتشار وتمدد وتوحش التوجهات والنزعات المذهبية والطائفية والمناطقية في أوساط المجتمع اليمني وتململ الكثيرين منهم وضعف وتراجع ايمانهم بالوحدة اليمنية كمشروع وطني جامع بفعل سلسلة التجاوزات والأخطاء التي أصر صالح ونظامه على المضي فيها قدما دون تقى ولا ارعواء وأي اعتبارات دينية وإنسانية واجتماعية ووطنية وهو ماأوصل الأوضاع والأحوال في اليمن إلى ماوصلت إليه اليوم من سوء وتردي يدفع الجميع هنا ثمنا باهضا له ولا يزال كشف حساباتها مفتوحا بلا نهاية ولا حد قد يتم الإكتفاء به أو التوقف عنده لتتأكد لنا هنا حقيقة راسخة ثابتة ناصعة كالشمس تقول صراحة :" مابني على باطل فهو باطل " , ولنا وقفات مع تلا ذلك سنأتي عليها تباعا بالتفصيل احقاقا للحق والحقيقة وانصافا للتاريخ !..