مشروع قانون أمام الكونغرس لتصنيف "الإخوان المسلمين" منظمة إرهابية    مصر تعوض إنسحاب الامارات في كأس الخليج لكرة القدم    3710 من حملة البكالوريوس والدبلوم يؤدون امتحان مزاولة المهنة بصنعاء    أمين عام الإصلاح يعزي نائب رئيس مجلس الرئاسة الأسبق في وفاة شقيقه    محتجون يقطعون شارع حيوي وسط مدينة تعز والأمن يطلق النار لتفريقهم    السيد القائد: إغراق السفينتين رسالة قوية للشركات المخالفة للحظر    قائد أسبيدس : عاجزون أمام الهجمات اليمنية في البحر الاحمر    خبير في الطقس يتوقع هطولات مطرية متفاوتة الغزارة على مناطق واسعة من المحافظات اليمنية    الرئيس الزُبيدي يُناقش مع الفريق الصبيحي تطورات الأوضاع العسكرية والأمنية في المحافظات المحررة    الأمانة العامة تكرم المعلمين المتميزين والطلاب المبتكرين في محافظة لحج    أمن العاصمة عدن يطيح بعصابة سرقات خطيرة وتستعيد بعض المسروقات    الرئيس الزُبيدي يعزي بوفاة رجل الخير أبو بكر بازرعة    اسباب وعلاج الذبحة الصدرية    الشرطة العسكرية بالمكلا تبدأ المرحلة الثانية من العام التدريبي    أزمة معيشية خانقة تعصف باليمنيين دون أفق لمعالجات حكومية حقيقة    "مأرب الجامع" يدعو لمعالجة انهيار العملة ويطالب برفع رواتب الجيش وتمثيل المحافظة بشكل عادل    مجلس الوزراء: تزوير الحوثيين للعملة نسفٌ للتفاهمات الاقتصادية    السعودية تصطدم بالعراق في الملحق الآسيوي.. وصراع بين قطر والإمارات    وفاة وإصابة 52 شخصاً بحوادث مرورية في سمارة خلال العام الماضي    لقاء موسع للحفاظ على مشروع مياه مدينة البيضاء    مقتل وإصابة نحو 50 شخصا إثر حريق هائل التهم مركزا تجاريا في العراق    المدرب عبدالله الكاتب يوضح .... تجربتي التدريبية في السعودية خطوة لتحسين وضعي وتعزيز قدراتي    صلح قبلي بين آل الحالمي وآل الخولاني في محافظة إب    عدن على صفيح ساخن: هل بدأ التحالف في إعادة ضبط العلاقة مع الجنوب؟    يامال يوقع عقود التجديد مع برشلونة.. ويحصل على قميص ميسي    ضمائر حيّة لدى شبابنا: جندي جنوبي يرفض 15 مليون ريال صرفت له عن طريق الخطأ    رئيس مجلس القضاء يعزي وزير العدل وحقوق الإنسان في وفاة أخيه    القيادة الجنوبية أمام لحظة تاريخية هامّة    تل أبيب تقصف دمشق وصواريخ الحوثي تغلق مطار وميناء إيلات    ويلبروك وجونسون يحصدان ذهب المياه المفتوحة    الحقوق والحريات… حجر الزاوية لاستعادة الدولة اليمنية    وفاة عريس ذماري بعد أيام من وفاة عروسه بحادث سير    عمرو دياب يحيي ثاني حفلات مونديال الرياضات الإلكترونية    موظف بريء.. يذبح بباطل ملفق في شركة النفط فرع عدن!    العلاج بالكيّ: هل تنجو الشرعية من مأزقها الاقتصادي..؟!    المقالح: الشفافية في طباعة العملة أمر ضروري    السفير محمد صالح طريق .. رحلة عطاء لا تنضب    مشرف حوثي يقتل طفلًا رمياً بالرصاص في الحوف    يوفنتوس يواصل البحث عن مهاجم جديد    تحقيق أمريكي: الحوثيون يديرون شبكة تجارة أسلحة عبر "إكس" و"واتساب"    قيادة انتقالي أبين تبحث مع مسؤولي زنجبار أوضاع المديرية    راشفورد يواصل البحث عن نادٍ جديد وسط اهتمام من برشلونة    سوق نجم الخامس بحوطة الفقية علي    اليمنيون يؤدون صلاة الاستسقاء في العاصمة صنعاء والمحافظات    علماء الآثار الروس يستخدمون مسيرات تحت مائية لدراسة مدينة قديمة غارقة    خواطر سرية.. ( الشهداء يضعون الاختبار )    بيع ختم يمني من ذهب الإلكتروم في مزاد بأمريكا    الفلفل الأسود بين الفوائد الغذائية والمحاذير الدوائية    فتاوى الذكاء الاصطناعي تهدد عرش رجال الدين في مصر    روبا فيكيا (قصيدة لعراة العالم)    اسباب ارتفاع الضغط وعلاجه بلاعشاب    وزارة الأوقاف تعلن تدشين أعمال موسم الحج القادم    تدشين فعاليات موسم نجم البلدة السياحي لعام 2025م بالمكلا    دعوة للمشاركة في أداء صلاة الاستسقاء غدا الأربعاء 10 صباحا    كنز دفين منذ 5500 عام.. اكتشاف مقبرتين داخل "أهرامات" في بولندا!    أخطاء شائعة في تناول الأدوية قد تعرض حياتك للخطر!    حلم تلاشى تحت وطأة صفعات قوية    الامم المتحدة: تفشي شلل الأطفال في 19 محافظة يمنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التغيير الاجتماعي والثقافي في الواقع العربي
نشر في 26 سبتمبر يوم 06 - 06 - 2021

لقد أصبحت على يقين أن حركة التغيير الاجتماعي هي النقطة المهمة التي يجب البدء منها للاشتغال على قيم التحديث في مجتمعاتنا العربية بعيداً عن روح الاستغراق في الذات
وفي القومية المفرطة وبعيداً عن الخوف الانفعالي من النموذج الغربي الذي يتوجب علينا دراسة تسلسله التاريخي لنموه وتطوره وحداثته وحصوله على الميزات الاجتماعية من القوة، والثروة، والمهارة، والعقلانية.
إن تقويض المجتمع التقليدي وبناء مجتمع حديث يعمل بكفاءة في عالم اليوم يتطلب كما يقول - دانييل ليرنر- مؤسسات حديثة لا أيديولوجيات حديثة، وسلطة حديثة لا غايات حديثة وثروة حديثة لا حكمة حديثة، وسلعاً استهلاكية حديثة لا أساليب منحرفة حديثة.
لقد ازداد الحس بأن الاخلاق الاجتماعية هي أساس أخلاق التغيير الاجتماعي وأصبح على المجتمع الحركي أن يشجع العقلانية حتى نصل الى قناعة بأن المستقبل الاجتماعي قائم على البراعة لا قدراً مقدوراً، وفرص النجاح الشخصي في الإنجاز لا في الإرث أو الغنيمة.
إن العقلانية ترى أن طريق التفكير والعمل هي الأدوات التي نحقق بها المقاصد وبها ينجح الرجال أو يفشلون باختبار ما ينجزونه في الحياة.
يقول احد المفكرين : إن الحداثة السياسية تقتضي عقلنة السلطة، واستبدال عدد كبير من السلطات التقليدية بسلطة سياسية وطنية علمانية مفردة، ويعني هذا التغيير أن الحكومة هي من إنتاج الإنسان وليس من إنتاج غيره.
ويقول: تقتضي الحداثة السياسية إصراراً على السيادة العليا الظاهرية للدولة الوطنية مقابل القوى الإقليمية والمحلية، إنها تعني انسجاماً وطنياً.. ومركزةً أو تجمع القوة في مؤسسات التشريع الوطنية.
ومن الخطأ كما يقول- هنتنجتون- : " أن نستنتج أن الحداثة تعني في الممارسة عقلنة السلطة، وتمايز البنية، وتوسيع المشاركة السياسية، هناك فرق أساسي يجري تجاهله أحياناً بين الحداثة السياسية المعرفة بالتحرك من الدولة التقليدية الى الدولة الحديثة، والحداثة السياسية، المعرفة بالمظاهر السياسية، والتأثيرات السياسية للحداثة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تضع الاولوية للاتجاه الذي يجب أن يتحرك نحوه التغيير السياسي نظرياً، وتصف الأخيرة التغييرات السياسية التي تحدث فعلياً في بلاد آخذة في الحداثة، الفجوة بين الاثنين عادة واسعة، تقتضي الحداثة في الممارسة دائماً تغييراً، وعادة تفسخاً في النظام السياسي التقليدي، ولكنها لا تقتضي بالضرورة حركة ذات أهمية في اتجاه نظام سياسي حديث، ومع ذلك كان الميل الى افتراض أن ما هو صحيح للعملية الاجتماعية الأوسع للتحديث هو ايضاً صحيح للتغييرات السياسية ".
فأهل الكتاب سواءً كانوا يهوداً أو نصارى اشتغلوا على قضايا التنمية والتحديث وحصلت مجتمعاتهم على ميزات اجتماعية من القوة، والثروة، والمهارة، والعقلانية وهم أنفسهم لم يتنكروا للمنتج الحضاري الإسلامي ويكاد يكون ابن رشد هو المشكاة التي أضاءت ظلام العصور الوسطى فانطلقوا منها، وطالما ونحن نتحدث عن رسالة خاتمة، وعن عالمية هذه الرسالة فالنتيجة برمتها هي إنسانية، وليست نطاقاً قومياً يمكن التقوقع فيه .
ما هو ثابت أن المجتمع الإنساني هو من خدم الإسلام لغة، وبلاغة، وحديثاً، وفكراً، واستنباطاً، وتفسيراً، وقياساً وفقهاً وتشريعاً، وفكراً وحين تلاقحت المعارف الإنسانية أصبح هناك تراثاً معرفياً إسلامياً صنع حضارة وقف الآخر مبهوراً بها وأرسل من أبنائه من يطلع عليها ويتعلم منها كما تشير إلى ذلك النصوص التاريخية الثابتة وحين حاولنا الاستغراق في الذات لنخلق منها قداسة وسلطةً ومرجعية ذهبت ريحنا وصغرنا وشغلنا أنفسنا بباب الطهارة والنجاسة وعقود البيع وزواج "فرند" و"المسيار" وغبنا عن التفكير في القضايا الجوهرية التي تشغل الإنسانية جمعاء، وغاب تفكيرنا عن بناء مجتمع حديث يعمل بكفاءة في عالم اليوم .
علينا أنْ نؤمن أن الحكومة هي من إنتاج الإنسان وليس من إنتاج غيره، ولذلك فالتحديث الذي نتخوف منه هو القول باستبدال السلطات التقليدية ، بسلطة سياسية وطنية علمانية والعلمانية هي العقلنة، وليس كما يحبذ البعض ترديده من أنها فصل الدين عن الدولة، بإمكان الدين أن يكون حاضرا كمقاصد وغايات وقيم وأخلاق وليس هناك من تضاد بين الأخذ بالمنهج العلمي في قراءة الظواهر وبين الدين كقيمة روحية وكغاية تنشد الرفاة والخير والعدل للبشر.
العلمانية لا تعني أكثر من الخروج من سلطة النص وفهم التراث من منطق التراث إلى التجريب والمنهج العلمي في القضايا التي لها علاقة بحركة الانتقال والتطوير للمجتمعات ومثل ذلك كله يتمّ خارج التصور العقائدي والروحي الذي يظل الاشتغال عليه من الضرورة التي تخلق التوازن النفسي والروحي في مقابل مفردات الواقع وتجلياته وحركة انتقاله وتطوره في المكان ومثل ذلك يقودنا إلى القول بضرورة التفكير النقدي الذي يعرفه الفلاسفة بالقول: إنه تفكيك المهمات الذهنية الفرعية التي تشمل تحليل الحقائق، وتنظيم الأفكار والدفاع عن الآراء، وعقد المقارنات والخروج بالاستنتاجات وتقييم الحجج وحل المسائل واتخاذ القرارات.
وآخرون يرونه ملكة ذهنية، يصفها البعض بأنها غريزة هادفة وواعية وإرادية، وهي وليدة التعليم والتدريب والالتزام بالانضباط الفكري، وتشمل أدوات التفكير النقدي: التأول وتقييم المعلومات والخبرات، وتتدخل فيه مجموعة من الميول النفسية والقدرات الذهنية التي تعمل على ترشيد رؤية المعتقدات والأفكار على أساس عقلاني.
وهناك من الفلاسفة من يرى أن التفكير النقدي تفكير تأملي فاحص لما يطرح من آراء ومسائل بغرض قبولها أو رفضها أو تصويبها، وكذلك بغرض تعلم مفاهيم جديدة، وممارسة رقابة ذاتية على ما نفعله أو نعتقد فيه ما يزيد من احتمال تحقيق نتائج مرغوبة.
وقياساً على واقعنا العربي لا نجد إلا مصادرةً وتكفيراً وتهجيراً وممارسات تعسفية تتبعها الجماعات الدينية التي لا تعمل إلا على تعطيل العقل وتعطيل وظائفه من التأمل، والتأول وتقييم الخبرات، وقراءة ما يطرح من مسائل بغرض التفنيد أو المعرفة أو التصويب أو الرفض وفق أسس عقلية ومنطقية دامغة بعيداً عن أدوات التهجير والتفريق التي لاحقت نصر حامد أبو زيد، أو الموت الذي ناله فرج فوده، أو حملات التشهير والتفكير التي لاحقت الرموز الفكرية والإبداعية والثقافية طوال العقود الماضية.
إن توظيف الدين في الصراع من أجل الحكم والسلطة – كما يقول الجابري- يؤدي دوماً إلى تسيس المتعالي أي إلى إخضاع الدين للمقولات السياسية والقرآن في مجمله وفي صيغه المتعددة يدعوا إلى إعمال العقل والتفكر ويدعوا أولي النهي إلى التدبر والتفكر والتأمل والتأويل وربط الحقائق واستنتاج الحكم والعبر، ولا نجد في آياته ما يدعونا الى التسليم المطلق دون أن يصحب ذلك التسليم طاقة ذهنية موازية تبرِّره.
إذن التفكير النقدي شرط ضروري لتجديد العقل العربي وتحديث الفكر العربي، وبه ومن خلاله نستطيع تغيير الوضع وكسر قيود التقليد والاستغراق في التبعية يقول الجابري:
إن القراءة العصرية للتراث التي نقترحها ونطبقها هدف إلى جعل المقروء معاصراً لنفسه على صعيد الإشكالية النظرية والمحتوى المعرفي والمضمون الإيديولوجي أي قراءته في محيطه الاجتماعي التاريخي من جهة، وفي ذات الوقت جعله معاصراً لنا من جهة أخرى على صعيد الفهم والمعقولية.. وهذا فيما أعتقد هو المعنى الحقيقي والعميق للاجتهاد كما مارسه كبار علماء الإسلام ولكن مع تلوينات وتنويعات وتفريعات تختلف باختلاف الموضوعات. أما القوالب الجاهزة الجامدة، سواء أكانت قديمة أم حديثة، فهي لا تملك أنْ تقدم غير شيء واحد هو القراءة التراثية للتراث التي تجر حتماً إلى القراءة التراثية للعصر: قراءة عصرنا بنفس تراثنا أو بتراث آخر وثقافة أخرى..) .
وهنا نصل إلى موضوع النموذج الإسلامي التراثي في السياسة والحكم الذي قال به أو تقول به بعض الاحزاب السياسية الاسلامية وهو أن الدولة المدنية تسعى إلى إزاحة نموذج الخلافة فإذا كان هذا النموذج محدداً تحديداً إلهياً وفق نصٍ قطعي الدلالة فقد وجب الالتزام به وعدم تجاوزه، وإن كان هذا النموذج اجتهاداً بشرياً فقد وجب تطويره بما يلبي حاجات الناس ويحقق مقاصد الله للبشر وبحيث يصبح معاصراً لنا، أما أن يصبح قالباً جاهزاً وجامداً فقد يتضاد مع عوامل الانتقال والتطوير والتحديث في المجتمعات الأمر الذي ينتج عنه إسلام متخلف جامد وغير منتج ويميل إلى العنف والاضطهاد والاستلاب , ويقيننا المطلق أن الإسلام ديناميكي متحرك وحداثي يقدس الحياة ويعمل على تحقيق الرفاة والسلام وهو من القدرة بالمكان الذي لا يمكن الانتقاص منها أو التقليل من قدرتها وفاعليتها في الاشتغال على الفكر النهضوي الحديث والتفاعل مع مستجدات الأزمنة يقول نصر حامد أبو زيد:
"ثمة محاولات بذلت في الفكر الإسلامي النهضوي الحديث لطرح بعض هذه الأسئلة عن طبيعة النص الديني وضرورة إنجاز منهج للتأويل يفتح معنى النص للإجابة عن أسئلة .. معاصرة منطلقاً من الإنجازات التراثية والنهضوية متواصلاً مع الفكر الإنساني".
تلك المحاولات التي قال بها نصر حامد أبو زيد لم ترق للمؤسسة الدينية العربية فصادرت حقه في التعبير وفي التحديث وقالت بالتفريق وبالنفي وهي حين فعلت ذلك لم تفعله دفاعاً عن حاكمية الله وفق المفهوم القطبي للحاكمية كمرجعية بل دفاعاً عن سلطتها الروحية وهي سلطة ترى في الانغلاق على فهم التراث بالتراث بقاءً لها وصوناً لمصالحها واستمراراً لوجودها التاريخي، ولذلك نجد تلك المؤسسة الدينية تبتعد عن القضايا الجوهرية فهي حتى الآن لم تستطع تأصيل مفهوم الدولة الإسلامية، وملامحها ومقوماتها وأسسها العامة ولم تأتينا بتأصيل نظري واضح للاقتصاد الإسلامي كما فعلت الرأسمالية والاشتراكية التي كان الموقف منها ليس أكثر من معاداتهما والقول بخطورتهما على بيضة الدين، والحقيقة لم يكن ذلك العداء الذي أظهرته المؤسسة الدينية كوعي قاصر ومشوه للفكر الإنساني – أقول لم يكن إلا هروباً من اسئلة العصر التي تفرضها ضرورة اللحظة الحضارية ومنطق المقارنة.
إنَّ المؤسسة الدينية العربية لم تفهم من الاشتراكية كفكر إنساني إلا أنها ضد الله، ولم تفهم من الليبرالية إلا الانحلال الأخلاقي وهي حتى الآن لم تقرأ منتج ذلك الفكر بتفكير تأملي فاحص بغرض القبول أو الرفض أو التصويب أو تفكيك المهمات الذهنية بحيث تعمل على تحليل الحقائق وتنظيم الأفكار، وعقد المقارنات والخروج بالاستنتاجات وحل مسائل العصر العالقة وفق المنظور الإسلامي وكل الذي فعلته كردة فعل منفعلة هو إنتاج أصولية صراعية كالقاعدة قتلت الدين الإسلامي قبل أن تستطيع تقديمه كخيار منقذ للبشرية وبمراجعة واعية ومدركة للحدث وللفعل معاً الذي تسلكه يمكنها قراءة النتائج إذ مظاهرها ماثلة للعيان ولا يمكن نكرانها أو القفز على جوهريتها ولعل التمترس وراء أقبية التضليل لن يزيد الأمة الإسلامية إلا هواناً وصغاراً وهو ما نربأ بها عنه.
فقهاء علم السياسة يقولون أنَّ السلطة في النظام الديمقراطي المدني لها شكلان أو مظهران الأول داخل الدولة والثاني خارجها، فالسلطة داخل الدولة هي للقانون وبحيث تصبح الدولة طرفاً دستورياً محايداً، وسلطة القانون في الدولة تتوزع على ثلاث هيئات هي القضائية، التنفيذية، التشريعية، وذلك يعني حدوث احتكاك بين السلطات، وستحدّ الدولة الدولة وبما يحفظ التوازن، وفي الدولة المدنية تتوزع السلطة بين المجتمع الرسمي والمجتمع المدني وبحيث يحد المجتمع المدني بعضه بعضاً كما تحدُّ الدولة بعضها بعضاً، إذ أن السلطة في المجتمع المدني تتوزع على الأحزاب، والنقابات، والمراجع الدينية، والجامعات والنوادي وكل ما يتفرع عن ذلك وفقاً لضرورات وحاجات المجتمع المدني وهذا المفهوم في التاريخ الاسلامي ما يعزز من قيمته ومن معناه وليس بغريب على ثقافتنا .
لقد أضحت المؤسسة الدينية العربية مطالبة بالاشتغال على الفكر الإسلامي النهضوي الحديث حتى تتمكن من الإجابة على أسئلة العصر التقني الذي نعيش وقد آن لها أن تعمل للإسلام بما يحقق عالميته لا أنْ تعمل ضده، وفي ظني أن قروناً من التخلف التي عاشها المجتمع المسلم قادرة على إشعال نيران النهضة في فكرة وتفكيره وفي مجتمعه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.